أبعاد الخفجى-سياسة:
باتت التطورات التي تشهدها العلاقات التركية – الروسية منذ بداية التدخل الروسي في سورية موضوعا له ثقله على أجندة موضوعات سياسات الشرق الأوسط لما له من تأثيرات على تطورات الأزمة السورية وغيرها من المواضيع. فقد وقعت حادثة اغتيال السفير الروسي اندريه كارلوف في توقيت تشهد فيه العلاقات التركية – الروسية سعيا متبادلا من الجانبين للتعافي من أزمة الطائرة الروسية (سوخوي) التي تم إسقاطها في نوفمبر 2015، والتي نجم عنها توقف حركة السياح الروس إلى المنتجعات التركية بشكل أثر على موسم السياحة في تركيا لعام 2016 وتصاعد الاختلاف بينهم فيما يتعلق بالمواقف من الأزمة في سورية.
فبعد محاولة انقلاب 15 يوليو الفاشلة في تركيا وحديث الصحف التركية المقربة من السلطة عن التحذيرات التي قدمتها موسكو لحكومة أنقرة فيما يتعلق بوجود محاولة انقلاب يتم تدبيرها ضد الرئيس أردوغان، اختص الرئيس التركي موسكو كي تكون أول زيارة له خارج البلاد بعد محاولة الانقلاب وزار الرئيس بوتين اسطنبول في شهر اكتوبر، وقد ترافقت هذه الزيارات مع تكثيف للقاءات بين وزراء خارجية ودفاع ومسؤولي استخبارات البلدين للتشاور حول الحرب في سورية بالتزامن مع انطلاق عملية درع الفرات التركية في شمال سورية، وهو ما ضمن تجنب أي اشتباك جديد بين القوات التركية والقوات الروسية.
لم يكد يمر شهر على الذكرى السنوية الأولى لإسقاط الطائرة الروسية لتقع حادثة اغتيال السفير الروسي، كي تشهد العلاقات في عامي 2015 و2016 حادثتين لم تشهدهم طوال فترة الحرب الباردة وقتما كانت تركيا في المعسكر الغربي. بالإضافة إلى ذلك ينبغي الإشارة إلى أن حادثة اغتيال السفير هي الحادثة الأولى في التاريخ الدبلوماسي الحديث للبلدين سواء في مقتل أول سفير روسي في الخارج بعد مقتل السفير الروسي في إيران عام 1829 أو مقتل أول دبلوماسي أجنبي بدرجة سفير على الأراضي التركية.
وبمقارنة سياق التطورات التي لاحقت الحادثة الأولى والثانية وطريقة تعامل حكومتي البلدين مع أزمة الطائرة وحادثة اغتيال السفير يتضح حرص الجانبين على عدم إدخال العلاقات التركية – الروسية مسار ما بعد أزمة الطائرة مجدداً واستخلاص الدروس المستفادة من الأزمة السابقة وتطبيقها على أسلوب ادارة حادثة اغتيال السفير. فقد وافق الجانب التركي على استقبال فريق من المحققين الروس للتحقيق في الحادث على الرغم من تعارض الأمر مع مبدأ السيادة الوطنية ووافق على استقبال طائرة روسية لنقل جثمان السفير الروسي إلى موسكو، وهو أمر متقدم وايجابي مقارنة بالاستجابة التركية المتأخرة لطلبات موسكو بعد أزمة الطائرة بخصوص تقديم الاعتذار وعرض المسؤولين عن إسقاط الطائرة أمام القضاء. أيضاً لم يلجأ مسؤولو البلدين الى خطابات متشددة بعد الحادث، فما لبث سياسيو البلدين على مستوى الرؤساء ورؤساء الوزراء والوزراء في التأكيد على أهمية استمرار تطور العلاقات التركية – الروسية والتصريح بأن الحادث لن ينال هدفه ولن يخرب العلاقات بين البلدين.
تتواجد جملة مصالح جيوسياسية وجيواقتصادية هامة لأنقرة وموسكو تجعلهم متمسكين بخيار تطوير العلاقات ودفعها للأمام قبل وبعد حادثة اغتيال السفير، على السبيل المثال لا الحصر: مشاريع الطاقة الكبرى بينهم على اعتبار كون روسيا من أكبر موردي الغاز وعلى اعتبار أن تركيا من أكثر الدول المستهلكة للغاز الطبيعي في العالم، بالإضافة إلى توتر علاقات موسكو مع الغرب بالتزامن مع عدم استقرار علاقات مع الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي.
على المدى القريب تبدو فرص حدوث أي تراجع في العلاقات الروسية – التركية ضئيلة عند الأخذ في الاعتبار حرص حكومات أنقرة وموسكو على تأمين قنوات اتصالهم وتلبية مصالحهم الحالية، إلا أنه من الصعب التنبؤ بمستوى هذة العلاقات على المدى المتوسط في ظل عدم ظهور نتيجة التحقيقات في اغتيال السفير والتطورات الميدانية على الأرض في الحرب السورية.