أبعاد الخفجى-اقتصاد:
أجمعَ عددٌ من خبراء الاقتصاد على سلامة الأنظمة والتشريعات الرقابية على التدفقات المالية من خارج المملكة والتأكد من نزاهة مصادر تلك الأموال وأنها على غير صلةٍ بعمليات غسيل الأموال، مؤكدين أن تلك المعايير لم تَصِلْ بَعْدُ في تطبيقها على التدفقات النقدية المحليّة للكفاءة المطلوبة؛ للحد من العمليات المالية المشبوهة.
وبينّوا في حديثٍ لـ”الرياض” أن ثقافة المجتمع والأسواق المحليّة متدنية في الإحاطة بهذه العمليات والتنبّه لها، وأن التعاملات الإلكترونية ستحدّ كثيراً من وجود مثل هذه العمليات المالية الغير سليمة.
حول ذلك قال المحلل الاقتصادي والمصرفي فضل البوعينين: التشريعات المختصة بعمليات مكافحة غسيل الأموال في المملكة مكتملة، بل إن المملكة تعد من الدول التي طبقّت معايير مجموعة العمل الدولية FATF فيما يتعلق بغسيل الأموال وتمويل الإرهاب؛ كون تلك الجريمتين عادةً ما ترتبطان ببعضهما البعض والمشكلة الحقيقية لا تكمن في التشريعات والأنظمة، إنما في الممارسات التي تحدث بالأسواق المحلية، فللأسف الشديد أن ثقافة المجتمع وكذلك الأسواق وقطاع الاعمال متدنية في الإحاطة بأطراف عمليات غسيل الأموال وخطورتها وكذلك طُرقها، لذلك نحن في أمس الحاجة لرفع مستوى ثقافة المجتمع والمؤسسات والأسواق بما يساعد على تحويل هذه التشريعات والأنظمة إلى ثقافة وممارسات مطبقة، أعتقد أن عمليات غسل الأموال مرتفعة في القطاع العقاري، ولم يتم ملاحظة هذه العمليات إلا في وقتٍ متأخر؛ ومع ذلك لم تتم السيطرة عليها بعد.
وتابع البوعينين بقوله: بالإضافة إلى ما سبق ذكره، فعمليات غسيل الأموال تحدث في أسواق المجوهرات غالية الثمن دون أن يشعر أحد بذلك. حيث يعتمد غاسلو الأموال على الشراء النقدي ومن ثم البيع من خلال التحويلات البنكية أو الشيكات أو النقد المدعم بفواتير من محلات المجوهرات.
وأوضح أن العمليات المشبوهة في قطاع المجوهرات مرتفع جداً، وللقضاء عليها لا بدّ من فرض التعاملات الإلكترونية في متاجر المجوهرات بالأسواق المحلية وعدم قبول النقد، وما لم تتحول المدفوعات النقدية بداخل الأسواق بشكل عام إلى مدفوعات الكترونية لن تتم السيطرة على عمليات غسيل الأموال، إن القول بأن أي عملية شراء لمجوهرات تفوق خمسة آلاف ريال يمكن أن تربط بغسل الأموال غير صحيح، ويجب أن نفرق بين مؤشرات غسل الأموال والجريمة نفسها، فقد تكون هناك عمليات شراء تفوق الـ 100 ألف ريال، وهي عمليات نزيهة في الوقت الذي تكون فيه عمليات أخرى أقل من خمسة آلاف وهي جزء من عمليات غسل أموال منظمة، والمؤشرات لا تعني الإدانة ولا التشكيك بنزاهة الآخرين ولكن يمكن أن تكون جسراً للتأكد والتمحيص وبما يزيل الشكوك وهذه من مسؤوليات الجهات المختصة التي تعتمد على البلاغات غير المؤكدة والمصنفة ضمن المؤشرات، كما أنها تحدث أيضاً في عمليات البطاقات الائتمانية التي تعتبر هدفاً لغاسلي الأموال من حيث الشراء عبر هذه البطاقات ثم تغطية مديونياتها نقداً، وهذه من أبسط القنوات المنتشرة حالياً ليس في الأسواق المحلية وحسب بل الخليجية والعالمية.
وذكر أن القطاع المصرفي السعودي بلغ مرحلة متقدمة جداً بتطبيق معايير الحماية من غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، ولكن هذا لا يعني خلو القطاع من هذه العمليات، وتعد الأسواق المالية من أخطر المواقع التي تتم فيها عمليات غسل الأموال بطرق احترافية، بالرغم من وجود الأنظمة والمعايير التي تطبقها هيئة السوق المالية، إلا أنني أقول وبكل ثقة إن هذه المعايير لم تصل بعد في تطبيقها (وليس موادها) حد الكفاءة وبالتالي لازالت قاصرة حتى اليوم، وهي بحاجة إلى مراجعة دائمة واختبارات محايدة ونزيهة للتأكد من قدرة الهيئة والأجهزة الرقابية على كشف عمليات غسل الأموال.
وعن عمليات العملاء المصرفية قال البوعينين عمليات الإيداع والتحويل أصبحتا محكومتين من خلال الربط الموجود بين الملاءة المالية للعميل وحجم التدفقات المالية في حسابات العملاء، وبالتالي هنالك مواءمة ورقابة، من جانبٍ آخر لا يمكن للقطاع المصرفي أن يقبل الحوالات المالية الخارجية دون أن تكون من مصادر نزيهة حيث أنها تمر بمراحل تدقيقية عدّة تساعد على اكتشاف مصادر هذه الأموال، ولكن هنالك قنوات أخرى كالاعتمادات المستندية على سبيل المثال، حيث إنها تستخدم بشكل مكثّف عالمياً في غسيل الأموال عبر فتح هذه الاعتمادات وتحويل الأموال مقابل الاستيراد، في الوقت الذي يكون فيه الاستيراد واجهةً لهذه العمليات المشبوهة؛ كون المصارف بوجهٍ عام تتعامل مع المستندات ولا تتعامل مع البضائع، لذلك تحتاج هذه العمليات إلى المزيد من التدقيق المشترك بين الجمارك والقطاع المصرفي والجهات الأمنية الأخرى ذات العلاقة كلٌ فيما يخصّه.
وختم البوعينين حديثه بالتأكيد أن التعاملات الإلكترونية والحد من التعاملات النقدية من أهم أدوات مكافحة غسل الأموال اضافة الي تفعيل الرقابة في اهم القطاعات ومنها القطاع المصرفي وسوق المال وتجارة المجوهرات وسوق العقار وكتابات العدل والاستثمارات الاجنبية اضافة إلى عمليات التبادلات التجارية وما ارتبط بها من اعتمادات مستندية.
بدوره قال الرئيس التنفيذي لمركز التنمية والتطوير للاستشارات الاقتصادية الدكتور علي بوخمسين بكل تأكيد أن التدفقات النقدية القادمة من خارج المملكة تمر بعمليات تدقيق وفحص عالية، مما أوجد حصانة حقيقية ضد عمليات غسيل الأموال القادمة من خارج المملكة، إلا إنها -عمليات غسيل الأموال- التي هي عبارة عن تحويل الأموال من شكلها الغير شرعي عبر تجارة غير شرعية إلى شكلٍ آخر شرعي بحاجة إلى المزيد من التدقيق والضبط داخلياً.
وذكر أن الثغرات الموجودة في عمليات الرقابية على الأموال الداخلية تستلزم رفع مستوى التدقيق على التدفقات النقدية محلياً، لذلك نحن في حاجة إلى إيجاد نافذة رقابية على مصادر الأموال داخلياً، لا سيما حال الرغبة في تملك السلع المعمرة العالية التكاليف كالأراضي والمباني أو المنشآت التجارية، حيث يجب البحث عن مصادر هذه الأموال مع مراعاة العديد من العوامل الأخرى كحجم المبالغ وملاءة الفرد المالية.