أبعاد الخفجى-اقتصاد:
وسط توجسات كثيرة جاء قرار وزارة العمل بحصر البيع في نشاط الاتصالات على المواطنين ليضع قدرات السعوديين على المحك في تولي إدارة الأنشطة التجارية في البلاد، ويجعلهم ذلك القرار في مواجهة مع واحد من أكثر قرارات التوطين جرأة بالنظر إلى خصوصية النشاط وارتباطه بالتقنية بشكل مباشر، إلا أن الوزارة مدعومة بجهود وزارات أخرى مضت قدماً في قرارها وسط ترحيب شعبي كبير، يوحي بتنامي وعي المجتمع وحسه الوطني العالي، ورغم التوجسات والشكوك حول قدرة الشباب على تحمل إدارة نشاط تجاري كامل يقدر حجمه بـ37 مليارا، ويعج بأكثر من 16 مليون هاتف ذكي، إلا أن الحماية الكبيرة والحزم الذين تعاملت بهما الجهات المعنية ميدانياً في متابعة مراحل المشروع قد مضيا به إلى مرحلة عدها مراقبون نجاحاً كبيراً غير قابل للتشكيك، مما يجعل التجربة محفزة للمضي قدماً لتوطين أنشطة تجارية أخرى أقل عبئاً في إدارتها والعمل بها من سوق الاتصالات، وعلى الرغم من الصعوبات التي واجهت الشباب، والتي ليس أقلها الجانب التقني، وكذلك استماتة بعض المقيمين والضغط لتجفيف السوق من البضائع، إلا أن التجربة نجحت.ترى ما هي الخطوات القادمة التي يتعين على الجهات المعنية اتخاذها بعدما أثبت المواطنون أنهم قادرين على إدارة أنشطة تجارية كاملة باقتدار كبير من خلال تجربة سوق الاتصالات، وما هي الأنشطة الأقرب إلى النجاح عند حصر العمل بها على المواطنين، وما هي الأنظمة والتشريعات المطلوبة لدعم موقف السعوديين في هذا المجال؟
مؤشرات النجاح
د.عبدالرحمن هيجان -رئيس لجنة الموارد البشرية بمجلس الشورى سابقاً- أكد أن مؤشرات نجاح توطين سوق الاتصالات تمثل برهاناً واضحاً على أن المواطنين مستعدين للانخراط في سوق العمل بشكل كبير، وقال: لقد كنت من المنادين بهذا القرار منذ فترة ليست بالقريبة، وكنت من المسرورين بتطبيقه، وأظن أن السوق حالياً في طور الاستقرار بقيادة أبنائنا المواطنين الذين انخرطوا في السوق بشكل يبعث على الإعجاب والاطمئنان، وأمسكوا بزمام الأمور لإدارة سوق الاتصالات بطريقة تجعلنا نثق بأن شبابنا قادرين على إدارة قطاعات مماثلة في الشارع التجاري في المستقبل القريب.
وأضاف: إن الصبر، والالتزام بالمضي قدماً، وعدم النظر إلى الخلف، هي سمات ستمكن شبابنا من تحقيق النجاحات الكبيرة في السوق، ولا شك أن الشباب أثبتوا قدرتهم على تحمل المسؤولية في سوق الاتصالات وسيطروا على السوق بطريقة مثيرة للإعجاب، الأمر الذي يجعل من المناسب أن يتبع هذا المشروع مشاريع أخرى، خاصة وأن السوق كبير، وبه من القطاعات المختلفة ما يجعل تلك الخطوط التجارية المختلفة بأيدي المواطنين، ويقضي على البطالة ويمكّن مواطنينا من العمل الشريف وتحقيق مداخيل جيدة.
وبين أن توفر الحماية وحصر البيع على المواطنين فقط، هو خط الدعم الأول والأهم لنجاح أي قطاع تجاري يراد توطينه، وقال: إن المواطن لا يستطيع أن ينافس المقيم بالنظر إلى اختلاف الأساليب والثقافات وتحرر المقيم من الالتزامات الاجتماعية والأسرية التي تمكنه من العمل لساعات طويلة، مما يجعل عملية حصر العمل على المواطنين في قطاعات معينة هو الحل الأكثر تأثيراً في نجاح التوطين.
وأكد أن المؤشرات الأساسية لنجاح أي عملية تتلخص في الربحية، والاستمرارية، والرضاء، ومتى ما وصل شبابنا إلى تحقيق هذه المؤشرات الثلاث في أي قطاع، فإنهم سيمضون قدماً في تحقيق النجاحات، ومن المهم أن تتوفر لهم الحماية الكاملة من المنافسة الغير عادلة.
وطالب د.هيجان الأمانات بعدم فرض البيع في أماكن محددة على السعوديين من الباعة الجائلين، وقال: تشكر أمانات المدن على تحديد أماكن للسعوديين لممارسة البيع كعربات الأطعمة التي رخص لها مؤخراً، لكنني أتمنى من الجهات المعنية عدم فرض مواقع محددة لممارسة البيع بها فقط، لأن أولئك الشبان يعرفون أن يتمركزون، ويتبعون القوة الشرائية في الأماكن الرائجة والتي يقبل فيها الناس على بضائعهم.
الإلمام بالتجربة
د.علي الشعبي -الخبير في الإدارة- أكد أن تجربة توطين قطاع الاتصالات تجربة جيدة، وجديرة بأن تدرس ويحتذى بها في مجالات أخرى، وقال: يجب دراسة جوانب نجاح التجربة بشكل علمي من أجل الحصول على المؤشرات التي يمكن من خلالها البدء في تطبيق التوطين في مجالات، وأنا أؤكد أن دراسة التجربة بشكل كبير يمنحنا المعرفة التامة لنقاط القوة فيها وتجنب نقاط الضعف من أجل تكرار النجاح في قطاعات أخرى بشكل يضمن استمرار النجاح واستقرار السوق.
وأضاف: من المهم أن تكون هناك دافعية لدى العاملين في مجال معين من أجل تحقق النجاحات في هذا المجال، وأنا أعتقد أن غالبية الشباب السعودي لديهم ميول إلى التقنية وتعلق بالجوالات مما ساعد في انجذابهم إلى هذا القطاع بشكل ساعد في تمكنهم منه بشكل مبكر، وبالتالي استمرارهم بشكل ناجح ومستمر.
وأعتقد أنه من المناسب الآن دراسة الأنشطة الأخرى المماثلة، وشرائح المجتمع المستهدفة، وكذلك عوامل الدعم الكفيلة لضمان نجاح واستمرارية القطاعات المستهدفة بالتوطين من أجل مصلحة المواطن والوطن.