يقوم المركز العالمي لمكافحة التطرف “اعتدال” حالياً على تطوير نظم ذكاء اصطناعية متقدمة لتحديد المواقع الجغرافية التي تمثل بؤر وحاضنات للفكر المتطرف والقيام بأنشطة الاستقطاب والتجنيد، وذلك في بادرة غير مسبوقة، إلى جانب اعتماده على جميع اللغات واللهجات الشائع استخدامها في طروحات الفكر المتطرف.

ويأتي إنشاء هذا المركز ثمرة للتعاون الدولي في مواجهة الفكر المتطرف المؤدي للإرهاب، العدو الأول المشترك للعالم، حيث قامت على تأسيسه عدد من الدول، واختارت الرياض مقراً له ليكون مرجعاً رئيساً في مكافحة الفكر المتطرف.

وعمل المركز جاء تدشينه في العاصمة الرياض مؤخراً ضمن الجهود الكبيرة والمتواصلة وغير المسبوقة التي تقدمها المملكة في مكافحة الإرهاب والتصدي لكل فكر متطرف على كافة الأصعدة، يعمل المركز على تحدي الوقت، والمجابهة الدولية لأرباب التطرف والإرهاب، من خلال برمجيات مبتكرة كلياً والقادرة على رصد وتصنيف وتحليل أي محتوى متطرف في غضون 6 ثوان فقط من ظهوره على شبكة الإنترنت، وبمستوى غير مسبوق عالمياً من الدقة يتعدى 80% مما يتيح آفاقاً جديدة في مجال مكافحة الأنشطة المتطرفة في المحال الرقمي.

قيادة دولية

ويقود مركز “اعتدال” العالمي في مكافحة الفكر المتطرف الجهود الدولية لمكافحة الفكر المتطرف الذي أصبح الآن أشبه بالوباء، المتنوع في فرز كوارث يومية جديدة لا يردعها حاجز جغرافي أو اختلاف ثقافي، وبحسب المركز، فإنه في السنوات الثلاثة الأخيرة فقط نفذت داعش هجماتها في 31 دولة، راح ضحيتها أكثر من 3600 قتيل و8000 جريح، كما أظهرت التنظيمات المتطرفة فعالية عالية في استخدام تويتر وغيره من الشبكات الاجتماعية لنشر أفكارها وكسب الدعم والتواصل مع المجندين المحتملين.

ويوجّه المركز جهوده في تعزيز الجانب الفكري المرتبط بمحاربة التطرف وتفنيد خطاب الإقصاء ونشر مفاهيم الاعتدال وتقبل الآخر، وذلك من خلال ثلاث مرتكزات إستراتيجية وهي (فكري، رقمي، إعلامي)، من خلال رصد وتقويض الأنشطة الرقمية للجماعات المتطرفة ودعم الجهات الفاعلة في نشر الفكر المعتدل ومكافحة التطرف الرقمي.

خطاب إعلامي متزن

ويعتمد المركز على صناعة خطاب إعلامي محترف يعزز ثقافة الاعتدال ويجابه الأطروحات الإعلامية المتطرفة ويقوض مقوماتها، كما يعتمد في رسالته على اللغات الأكثر انتشاراً وبدرجة عالية من الأتمتة في الإخطار، مع القدرة على كشف المحتوى المتعاطف مع الفكر المتطرف.

وبحسب ما اطلعت عليه “الرياض” من آلية لعمل المركز فإن محاور العمل الأساسية تتمثل في الرصد، والتحليل، والتفاعل، فالتشخيص الدقيق للمواد المرصودة بكافة اللغات واللهجات المختلفة يساعد على إصدار التحليلات الدورية: يومية، أسبوعية، شهرية، بالإضافة إلى اتخاذ بعض التدابير في إجراءات استباقية وتفاعلية تستهدف الرد على الشبهات وحجب ومنع إغلاق منافذ الفكر المتطرف بمختلف أشكالها وتعطيل مصادر التغذية الرقمية.

ويعمل المركز لصالح سبع قارات وعالم إلكتروني إفتراضي، إذ إن النطاق العالمي هو محور إستراتيجية اعتدال، في تحقيق أهداف المركز عالمياً وليس بعد، بل إن الواقع الافتراضي من الشبكات الإلكترونية هو العالم الموازي الذي يراهن عليه المركز ليجابه في التطرف ببرمجيات مبتكرة هي الأسرع عالمياً في الوصول والنفاذ والموثوقية.

ممارسات دولية نوعية

ويتميز المركز بنظام حوكمة يعكس أفضل الممارسات الدولية في إدارة المنظمات العالمية الكبرى، بما يتيح الحيادية والمرونة والكفاءة والشفافية لتأدية مهام المركز وتحقيق أهدافه، ويوجه المركز رسالته العالمية لصانعي الموت والخوف، موضحاً لهم بأن العالم في أيدٍ أمينة ومسؤولة وقادرة على محاربة هذا الداء المهدد للوجود البشري وصناعة مستقبل آمن للأجيال القادمة.

ويعتمد في رؤيته العالمية على مكافحة الفكر المتطرف وتعزيز ثقافة الاعتدال، وفي رسالته يعمل على رصد وتحليل الفكر المتطرف واستشرافه للتصدي له ومواجهته والوقاية منه، والتعاون مع الحكومات والمنظمات ذات العلاقة.

نخبة عاملة لوقاية الجانب الفكري

وتفوق فريد في الجانب الفكري، عبر نخبة من الباحثين والمتخصصين الذين يجمعون ما بين المعرفة والأيديولوجية وامتلاك المهارات البحثية، وبين القدرة التقنية الحديثة للقيام بالتحليل المتقدم للمعلومات، هذا إلى جانب الدراية والخبرة المحلية والإقليمية للفهم الدقيق للجماعات المتطرفة وخصائصها الفكرية والثقافية ومحدداتها الاجتماعية والسياسية.

ويعقد المركز العديد من التعاونات الدولية وفق رؤية مشتركة لمحاربة جذور التطرف ونشر قيم التسامح والاعتدال وإثبات قدرتنا كقيادات دولية على حفظ السلام العالمي وتحقيق الرفاهية لشعوب العالم، وتتولى إدارة المركز مجلس إدارة مكون من 12 عضواً من ممثلي دول أو منظمات أو جهات ذات اهتمام بعمل المركز يتشكل لمدة خمس سنوات لكل دورة، مراعياً في عضويته نسب المساهمة في تمويل الميزانية السنوية للمركز ويناط به رسم السياسة العامة للمركز ووضع خططه وبرامجه واعتماد ميزانيته.

وتنقسم عضوية المركز إلى:

دول أو منظمات أو جهات مشاركة ممولة تلتزم بالمساهمة في تمويل الميزانية التشغيلية للمركز ويكون لها تمثيل في مجلس الإدارة.

دول أو منظمات أو جهات مشاركة داعمة يختارها مجلس الإدارة ويكون لها تمثيل مستقل في عضوية مجلس الإدارة.

دول أو منظمات أو جهات مشاركة تستفيد من خدمات المركز وتتعاون معه في تحقيق أهدافه.

كذلك يضم المركز اللجنة الفكرية العليا والتي تتكون من عدد من العلماء والمفكرين وأصحاب الرأي البارزين على المستوى المحلي والعالمي وتتولى مراجعة الأهداف الفكرية للمركز واقتراح البرامج الفكرية، وتحديد أولوياتها وآليات تفعيلها.

كما يعتمد المركز على مجموعة مؤشرات الأداء الرئيسية التي يمكن من خلالها التقييم الموضوعي لأدائه في القيام بمهامه وكذلك أثره وفاعليته في تحقيق أهدافه المرجوة على أرض الواقع.

30 يوماً من التحدي

ونجحت المملكة في بناء المركز العالمي لمكافحة التطرف “اعتدال” خلال 30 يومًا فقط، وتبلغ المساحة الكلية للمشروع 70 ألف متر مربع، وأشرف على بنائه 200 مهندس، عاونهم أكثر من 2000 عامل، بجانب الاستعانة بفرقة “العناكب السعودية” لإنجاز بعض الأعمال الشاقة.

ورحبت الأمم المتحدة بإعلان إطلاق المركز العالمي لمكافحة التطرف “اعتدال” والمبادرة بإنشاء مركز لاستهداف تمويل الإرهاب في الرياض، واصفة هاتين المبادرتين بالمهمتين، مؤكدة بأنهما تأتيان ضمن الأولويات المهمة للجهود التي يبذلها مركز الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب.

وقاية ووعي ومواجهة وشراكة

تتركز أهداف المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف، في “الوقاية” عن طريق دحض الخطابات المتطرفة، ومكافحة أنشطتها والحد من آثارها، و”الوعي” لتعزيز ثقافة الاعتدال والتسامح وقبول الآخرين، و”المواجهة” التي تتمثل في مواجهة الفكر المتطرف ومنع الانتماء إليه أو التعاطف معه أو المساهمة في أنشطته بأي شكل من الأشكال، إلى جانب “الشراكة” عن طريق تعزيز التعاون الدولي في مكافحة الأيديولوجية المتطرفة.

ويسعى المركز في عناصر تميزه إلى تفوق تقني غير مسبوق في مكافحة الفكر المتطرف وأنشطته على ساحات مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت والإعلام بوجه عام.

العالم يُرحّب.. خبرات السعوديين في مكافحة الإرهاب جديرة بالاهتمام

حظي افتتاح المركز في الرياض بترحب دولي واسع من مختلف الدول والمنظمات والمسؤولين من سياسيين وأمنيين ومختصين في مكافحة الإرهاب، الذين أجمعوا على أن إطلاق هذا المركز خطوة غير مسبوقة في مواجهة التطرف بحزم وقوة وفق إستراتيجية جديدة وفاعلة كفيلة بمحاصرته والقضاء على كل أسباب التطرف في العالم.

وقال فرحان حق -نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة-، في وقت سابق: “لقد جعل الأمين العام للأمم المتحدة من أهم أولوياته مكافحة الإرهاب ومنع التطرف والعنف”.

وفي هذا السياق، طرح الأمين العام أول مبادرة إصلاح رئيسية له، وهي إنشاء مكتب جديد لمكافحة الإرهاب يهدف إلى تعزيز التعاون الدولي في هذا الميدان.

وأضاف: “وفي هذا السياق، ترحب الأمم المتحدة بمبادرتين مهمتين لمكافحة الإرهاب تتعلقان بمكافحة الأيديولوجيات المتطرفة ومكافحة تمويل الإرهاب”.

وخلص حق في تصريحه إلى القول: “وهذه أولويات مهمة أيضًا في الجهود التي يبذلها مركز الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب وغيره من كيانات الأمم المتحدة لدعم الدول الأعضاء في تنفيذ إستراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب وخطة عمل الأمم المتحدة لمنع العنف والتطرف”.

أميركا تستفيد من خبرات المملكة في مواجهة الإرهاب.

فيما أكد ستوارد جونز -مساعد وزير الخارجية الأميركي- ، في وقت سابق، أن الولايات المتحدة تستفيد من الخبرات السعودية في مواجهة الإرهاب، لافتاً إلى أن مركز مكافحة الفكر المتطرف الذي افتتح مؤخراً بالرياض هو المركز الأكبر لمواجهة الإرهاب، ويعنى بإجراء عمليات تحليل للأشخاص المتطرفين ودراسة سلوكياتهم.

وقال إن القمة العربية الإسلامية الأميركية الأخيرة، ركزت على أن يكون المركز وجهة أساسية لمكافحة الإرهاب ودراسة ظواهره.

وأضاف أن واشنطن تعمل مع السعودية على مشروعات من هذا القبيل التي من شأنها مواجهة الإرهاب، ويمكن للطرفين تعزيز هذا التعاون وأخذه لمستويات إضافية، مشدداً على أن الخبرات السعودية في مكافحة الإرهاب جديرة بالاهتمام، وأن واشنطن تعمل على الاستفادة منها.