استدامة التفوق الاقتصادي ليست بتحقيق مداخيل كبيرة، بل في استدامة قوة الاقتصاد.. الاستدامة لا يمكن أن تتحقق في أي مكان؛ إذا لم يكن هذا البلد يتمتع بوضع سياسي، وأمني مستقرين..
الدوحة التي تتباهى بعوائد الغاز والنفط، ومن ثم بمشروعات المباني من الأبراج؛ وتروج لقدرات مجهولة في إقامة واحتضان كأس العالم عام 2022.. تعيش اليوم عزلة اقتصادية، لن تنفعها تلك العوائد طالما أن الجيران خاصة المملكة، قرروا المقاطعة، نتيجة استمرار المراهقة السياسية المزعزعة لأمن دول المنطقة.
كل المنتجات التي تتباهى اليوم بها الدوحة لا قيمة لها دون شركاء، ومستثمرين، ومشترين، ومستهلكين.. ثم ماهي الدولة، أو الجهة التي تقبل أن تستثمر أو تنتقل إلى دولة تستورد أمنها الذي يحميها من الخارج؟
في الأيام الماضية رن الهاتف في قطر أكثر من أي وقت مضى، حيث انهالت مكالمات من أصدقاء كثيرين للسؤال عن الوضع الحالي في البلد.. هكذا يروي موظف في إحدى الشركات الألمانية يعيش في العاصمة القطرية الدوحة منذ أكثر من ثلاثة أعوام ويفضل عدم الإفصاح عن اسمه. وكانت إجابته عن أسئلة أصدقائه واحدة تقريبا: “أحوالنا جيدة. كل الأمور في الحياة اليومية تسير كالمعتاد”.
في وسائل الإعلام ظهرت خلال الأيام الماضية تقارير عن تكدس للقطريين في المتاجر قلقا من التطورات اللاحقة، وهو ما دفعهم -بحسب التقارير- إلى التكالب على شراء المواد الغذائية لدرجة أدت إلى خلو الأرفف في المتاجر. هذه الأنباء لم يستطع الموظف في الشركة الألمانية تأكيدها، حيث قال في مكالمة هاتفية: “في أول يومين كان هناك بعض الطوابير في المتاجر، لكن سرعان ما تم إعادة ملء الأرفف الفارغة. ما فرغ فقط هي أجهزة الفريزر التي بها الدجاج المجمد القادم من السعودية”، وكذلك الحال بالنسبة لثلاجات الألبان الطازجة التي يتم إنتاجها في السعودية.
صحيح أن قطر أغنى دولة في العالم بسبب إحتياطياتها الضخمة من الغاز؛ فدخل الفرد في أي دولة في العالم لا يضاهي مستوى دخل الفرد في قطر، إلا أن هذه المقاطعة تعرضها للخطر بسبب وضعها الجغرافي، فالحدود البرية لشبه الجزيرة القطرية تقتصر على السعودية، وعلى تلك الحدود يتكدس حاليا عدد كبير من الشاحنات المحملة بالبضائع. وبحسب بيانات قطرية رسمية فإن 70% من واردات قطر تأتي من السعودية والإمارات. وإذا ظلت الحدود مغلقة على الدوام فهناك مخاوف من أن تعاني قطر من عجز في توفير العديد من المنتجات، حيث ستضطر إلى الاعتماد على الطرق البحرية أو الجوية بالكامل في تدفق البضائع، وهو ما يمثل تحديا لوجستيا لها.
إلى ذلك واصل الريال القطري هبوطه أمام الدولار في سوق العقود الآجلة صباح أمس الجمعة وسط مخاوف من نزوح رؤوس الأموال بسبب الأزمة الدبلوماسية التي أضرت بالبلاد. وزادت العقود الآجلة للدولار مقابل الريال استحقاق عام إلى 630 نقطة مسجلة أعلى مستوياتها منذ ديسمبر كانون الأول 2015 حين أثار هبوط أسعار النفط والغاز قلقا بشأن متانة الاقتصادات الخليجية. وفي ذلك الشهر بلغت العقود الآجلة ذروتها عند 650 نقطة.
وارتفعت عقود مبادلة مخاطر الائتمان القطرية لآجل خمس سنوات، والتي تستخدم في التحوط من مخاطر التعثر عن سداد الديون السيادية القطرية، إلى 93.6 نقطة من 90.1 مساء الخميس الفائت.