في الوقت التي عملت المليشيات الحوثية على ابتلاع الدولة وتدمير مؤسساتها المالية، عمدت تلك المليشيات إلى بناء كيان موازٍ على أنقاض الاقتصاد الوطني، وافتتحت مئات المشروعات والمؤسسات التجارية في المحافظات والمناطق الخاضعة لسيطرتها، خاصة في صنعاء، على طريقة الحرس الثوري الإيراني في بناء مصادر تمويل موازية.

ففي حين يعيش اليمنيون تداعيات الانقلاب على كافة المستويات وتدهوراً في الحالة الإنسانية والاقتصادية، وسط تحذيرات أممية تتحد عن احتياج 22 مليون يمني لمساعدات إنسانية عاجلة وفقاً لتصريحات جيمي ماكغولدريك منسق الشؤون الإنسانية في اليمن، تظهر في الوقت نفسه ملامح ثراء فاحش لدى قيادات الحركة الحوثية ومشرفي الجماعة وإنشاء محلات ومؤسسات تجارية ضخمة في صنعاء والحديدة ومدينة ذمار، فضلاً عن تزايد نشاط السوق السوداء تحت إدارة المليشيات.

مئات المحلات التجارية

وخلال الآونة الأخيرة، لاحظ السكان في صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين وعصابات المخلوع صالح، تزايداً في الأنشطة التجارية واستحداث محلات تجارية وافتتاح محطات غازية وشركات صرافة بشكل لافت، وتحديداً مع تدهور العملة اليمنية وارتفاع العملة الأجنبية.

ويهدف الحوثيون من وراء افتتاح محلات صرافة خلال الآونة الأخيرة إلى تحقيق أرباح سريعة كونها تحقق مردوداً يومياً، ومن ناحية ثانية يفسر ذلك احتكار الحوثيين للعملات الأجنبية والتلاعب بالدولار.

ويرافق نشاط الحوثيين المستمر في استحداث محلات تجارية وشركات صرافة ومحطات الغاز، عملية ابتزاز كبيرة تمارسها المليشيات الحوثية بحق التجار اليمنيين وأخذ مبالغ كبيرة كجبايات قسرية وتحت مسمى «المجهود الحربي».

هواجس حوثية

وينطلق الحوثيون في نهب المؤسسات المالية والإيرادية التابعة للدولة وبناء اقتصاد مواز لها، من هاجس عدم قدرتهم على الاستمرار في الحكم والسلطة المغتصبة منذ انقلابهم عليها، الأمر الذي يفسر بحسب مراقبون مساع الحوثيين لدمج مالية الدولة ومواردها في اقتصاد الجماعة، بحيث يبقى اقتصاد الجماعة هو الأساس، تماماً كما هو الحال مع المؤسسات المالية للحرس الثوري الإيراني، وبالتالي يصبح ما هو للدولة يصل الجماعة وما هو للجماعة لا يصل للدولة.

اقتصاد موازٍ

ويعتمد الاقتصاد الحوثي الموازي على السوق السوداء والإيرادات الخاصة وغير الرسمية وفوارق النفط والغاز في المحافظات الخاضعة لسيطرة الجماعة الانقلابية، إلى جانب ما يتم جبايته قسراً من التجار، وما تم نهبه من مصانع وعقارات وشركات وجمعيات ومؤسسات استثمارية وأسواق تجارية ضخمة، فضلاً عن نهب قرابة 981 مليار ريال يمني العام الماضي، ومصادرة مرتبات ومصروفات مئات الآلاف من الموظفين العسكريين والمدنيين.

ثراء فاحش

هذا الثراء الفاحش والطارئ لقيادات الحركة الحوثية المصحوب بعملية فساد مهولة تمارسها قيادات الجماعة في افتتاح المحلات التجارية وشراء العقارات، يأتي في الوقت التي تقوم تلك القيادات نفسها في الدفع بأنباء الفقراء اليمنيين إلى المعارك وميادين القتال، أما المساعدات الإنسانية لهؤلاء الفقراء فالمليشيات نفسها تحرمهم منها وتقوم بمصادرتها وبيعها في السوق السوداء التي تديرها.

وعلى الرغم من مشاركة جناح المخلوع صالح حكومة الانقلاب، غير أن الحوثيين حرصوا على التمسك والاحتفاظ بالمؤسسات المالية والإيرادية، وهو الأمر الذي دفع نحو ظهور مؤشرات صراع وليد مع «تحالف الانقلاب» وهناك صراع ينمو يوماً بعد آخر في صندوق التأمينات والمعاشات وصندوق «الشباب والرياضة» وغيرها من الصناديق الإيرادية.