يحز في خاطر المواطن الغيور مثلما يحز في خاطر المسؤول اذا علم ان هناك العشرات من المباني الحكومية غير مستغلة ومغلقة منذ عشرات السنين دون أي استخدام في الوقت الذي تدفع الدولة عقود إيجارية فلكية للدوائر الحكومية المختلفة مع عدم وجود خطة استراتيجية ترسمها تلك المصالح على نهاية العلاقة الايجارية لمبانيها الصغيرة والكبيرة والتي يستقر في فخامتها الوزير او يكابد تقادمها الموظف الصغير, وهذه التكاليف لو احاطتنا بها وزارة المالية مشكورة سنفجع بمقابلها المادي الضخم وتأثيره على الميزانية ووجوب احسان استخدمه بما يحقق وفر نحتاجه كثيراً لمسارات تنموية هامة, والسؤال المُلزم كيف لنا ان نستأصل هذا الورم السرطاني ان جاز التعبير من هوس دوائرنا الحكومية التي لا أشك بعدم وجود ضوابط دقيقة لها في اقرار التوسع او الانبعاج في عدد المباني التابعة لها, واعتماد ذلك بصفة خاصة على قرار فردي لمسؤول وليس بالضرورة ان يكون في منصب عالي لأننا نشاهد العشرات من الدوائر الحكومية تستأجر وهي في حجمها واهميتها لا تواكب ما ينفق عليها ولو وازنت خدمتها بالقيمة الايجارية لها لوجدت ان هذا هدر للمال الذي هو في ضوابط وقيم هيئة مكافحة الفساد (نزاهة) هو فساد مالي واداري وليس شبهة فساد تقبل التبرير والتأويل.

وأذكر بحزن أمثلة على هذا الهدر الذي منه تخصيص المباني والأراضي القديمة لجامعة البنات أو جامعة نوره لوزارة العمل والتنمية الاجتماعي التي تستخدم مبنى متهالك جاوز عمره نصف قرن وتستخدمه وكالة التنمية الاجتماعية اما وكالة العمل فهي تستأجر مبنى بملايين الريالات والمبني المخصص للوزارة بوكالتيها غير مستغل من ثلاث سنوات الا في ايواء العمالة الأفريقية ايام تصحيح الاقامة والان للعمالة اليمنية لاستخراج اقاماتهم المؤقتة بالرغم من وجود مباني كثيرة وبعضها لم يستكمل منذ سبع سنوات او أكثر واستأجرت الوزارة احد الابراج الجديدة التابعة للتأمينات الاجتماعية بشرق الرياض بملايين الريالات تأكيداً, وشاهد أخر اكثر ألماً وهو المباني الخاصة بوزارة الاسكان التي ضُمت لوزارة البلدية والقروية في الوقت الذي الغيت فيه وزارة الاسكان والاشغال العامة بالرغم من وجود مبنى لوزارة البلدية في شمال الرياض يكفيها مع خططها التوسعية وتركت وزارة الاسكان تستأجر احد ابراج معاشات التقاعد بشارع الضباب في الوقت الذي لم تستثمر فيه الابراج التي بنيت في الاصل لها غير ابراج أخرى لادارتها, وبالمثل المبنى الخاص بالمجلس البلدي والمخصص له منذ اكثر من اربعة عقود حصلت عليه جامعة الملك سعود ليكون مكتبة للبنات وبقي في حوزتها الى يومنا هذا وبقي المجلس البلدي بدون مبنى ولا يؤدي رسالته التي كلف بها منذ تأسيسه, وكذلك الحال لوزارة الصحة التي لم يستوعب بذخها المبني القديم لها فاستأجرت برجاً من مصلحة معاشات التقاعد ووزارة الاقتصاد والتخطيط التي استأجرت برجاً شمال الرياض, ناهيك عن وزارة العدل التي لا تملك من مباني المحاكم وكتابات العدل أي مبنى ولا ننسى اقسام الشرطة والمرور والبلديات والمدارس الحكومية والاحوال المدنية وغيرها مما يحزن الخاطر ويؤلمه.

ختاماً ,, اننا نعقد أمالاً كبار على مجلس الاقتصاد والتنمية والذي هو اليوم معني بأملاك الدولة ان يولي هذا الملف الاهتمام المستحق ويعمل على اعادة توزيع تلك الاملاك على مصالحنا الحكومية بما يكفل لنا اعادة استغلالها بصورة افضل, مع التطلع ان يكون لدينا خطة عمل تضمن مع رؤية 2030 ان يكون لدى الدوائر الحكومية مباني خاصة بها لنقطع نزيف الايجار, ولعل بالإمكان ان نبحث في حال الضرورة الايجار المنتهي بالتمليك وان كلف في بدايته لأنها ستملك العقار عند انتهاء العقد الايجاري للمبنى, وليس من الحكمة ان تترك المباني القديمة دون اعادة استثمارها سواء لمصلحة حكومية أخرى او مع القطاع الخاص الذي سيعيد تطويرها واستثمارها المختلف لان قيمتها الدفترية تتناقص وتقييمها المالي, ولعل ما نشر في وسائل الاعلام غير دقيق عن هذا الملف حيث بلغت العقود الايجارية لكل المصالح الحكومية وعلى مستوى المملكة 2400 عقد إيجاري بقيمة سنوية تتجاوز 80 مليار ريال، وهو رقم فلكي لا شك ونتطلع لإفادة رسمية يبني عليها خطة مستقبلية دقيقة لإيقاف هذا الهدر بالرغم من ان الكثير من الجهود تبذل لتصحيح المسار وايقاف الهدر واعادة النظرة في المواقع المستأجرة بالذات في الرياض.