في تحد جديد وسيناريو متوقع تقرر قطر أن تتجه إلى كل ما من شأنه تصعيد وتعقيد الأزمة الخليجية بإصرارها على تعنتها ورفضها للمطالب التي كانت السبيل الوحيد لعودتها إلى حضن البيت الخليجي.. غير أنها اختارت وفضلت أن تذهب بعيدا وإلى دول لم تكن يوما حليفا مهما وصادقا فماذا ينتظرها بعد هذا الاختيار وإلى أين تتجه بعد الثالث من يوليو؟
وفي هذا الشأن أوضح “د. أحمد بن حسن الشهري” – محلل سياسي وخبير استراتيجي وعسكري -بأن المملكة العربية السعودية واشقائها في دول الخليج والدول العربية أحبطت مشروعا سياسيا تخريبيا يهدف الى زعزعة الأمن والاستقرار في دول مجلس التعاون والعالم العربي والذي كان يمس بشكل مباشر المملكة العربية السعودية والبحرين ودولة الإمارات، وهذا المشروع قد أًعد له من أكثر من عقدين من الزمن، ضمن مشروع ما سمي الشرق الأوسط الجديد والذي بدأت بوادره العملية مع ما سمي بالفوضى الخلاقة وما سمي بالربيع العربي الذي كان الدعم القطري مالياً وإعلامياً حاضراً في هذه الفوضى التي أثبتت أنها كانت خريفاً وليست ربيعاً.
مؤكدا أن إحباط هذا المشروع أسقط الأقنعة وفضح المخططات التي كانت تدار وتحاك للنيل من سيادة المملكة وشقيقاتها في دول الخليج والنيل من لحمة شعوبها ووجودها، لذا كان هذا القرار التاريخي الذي أصاب قطر وداعميها وحلفائها بالصدمة والتخبط وأفقدهم التوازن الذي أنعكس بوضوح على معالجتهم وادارتهم للأزمة والذي أتضح عن غياب أبجديات السياسة والعمل الدبلوماسي الراشد، مما اتضح جلياً من تعاطي الساسة القطريين مع هذه الأزمة التي قادها كل من وزير الخارجية ووزير الدفاع القطرييّن اللذين انتهجا سياسة النفي وخلق شماعات وفزاعات سياسية ثانوية لحرف أنظار العالم عن الأزمة الحقيقية مثل افتعال موضوع الحصار أو التجويع أو غلق الحدود إلا أن العالم فند هذه اللعبة المكشوفة من خلال السياسة الناضجة ودول المقاطعة من إيضاح للحقائق وتقديم الأدلة والبراهين على دعم قطر للإرهاب وتمويله وإيواء داعميه ومناصريه من الكيانات المصنفة على قوائم الإرهاب والأشخاص المصنفين على قوائم الإرهاب، ووسائل الإعلام التي تدعو للتحريض والكراهية والتي أجمع العالم على نبذها ومحاصرتها، إذ أن الرئيس الأمريكي ترمب قال: قطر لديها تاريخ بتمويل الإرهاب على مستوى عالٍ جداً.
وقال ترمب ايضاً: اتفقت مع وزير الخارجية والقادة العسكريين أن توقف قطر لتمويل الإرهاب والآن قد حان الوقت لقطر لوقف ودعم الإرهاب. كما أن البيت الأبيض ووزير الدفاع الأمريكي ووزير الخارجية أوضحوا في أكثر من محفل أن محاربة الإرهاب وقطع تمويله أصبح أولوية عالمية اتفق عليها العالم في قمة الرياض التي وقعت عليها 55 دولة إسلامية مع وجود الشريك الأمريكي وكانت قطر ضمن الموقعين على هذا البيان وحان الوقت لتنفيذ هذه الاستحقاقات.
وتابع “د. أحمد “قدمت المملكة وشقيقاتها الدول الخليجية والعربية قائمة بالمطالب المطلوبة تنفيذها من قبل قطر والتي سبق أن وقعت عليها 2011 و2014 في قمة الرياض لكن للأسف لم تتبع التوقيع بالتنفيذ. الأمر الذي حدا بالدول المقاطعة لاتخاذ هذا القرار التاريخي لحفظ سيادتها وأمنها لكن للأسف من يخطط لقطر لا يريد لها أن تعود لعمقها الخليجي بل هو يدفع بها للخروج من مجلس التعاون والتحول الى خنجر في خاصرة دول مجلس التعاون عن طريق الارتماء في الحضن الفارسي الذي لن يقدم لقطر إلا الدمار والهلاك وانتهاك السيادة والاستقلال.
ومع انتهاء المهلة الأولى ورفض تنفيذ المطالب ما يؤكد أن القرار القطري لم يعد في الدوحة بل أصبح يعد في طهران وجنوب لبنان إضافة الى الكيانات الموجودة داخل قطر التي تجد في هذه الأزمة فرصة مناسبة لإشعال المزيد من الفتن والانشقاقات الخليجية والعربية لتحقيق أجندتهم المزعومة وطموحهم البائد الذي لم يعد صالح للاستهلاك في هذا العصر بعد أن اتضح أنه مشروع مسموم يهلك الحرث والنسل.
وأضاف بعد انتهاء المهلة على قطر أن تتحمل التبعات الحاصلة لها سياسياً واقتصادياً ودولياً وعليها أن تتحمل ما سيترتب على ذلك من قضايا مالية وسياسية وقانونية سترفع عليها من قبل المنظمات الحقوقية والدول المتضررة من المال القطري الذي تدفق الى مواطن الصراع وتسبب في قتل مئات الآلاف من البشر وعليها أن تتحمل الحصار الحقيقي الذي سيفرضه عليها المجتمع الدولي وفق أنظمة الأمم المتحدة والقانون الدولي.
فيما يرى “الشهري” أن القرار القطري مختطف أو لنقل مؤدلج بعدة توجهات سياسية قد تجعل من خروج قطر من هذا النفق امراً في غاية الصعوبة وهذا ما ادخلت نفسها فيه عندما حكمت وتعاملت بأسلوب الميليشيا والكيان الخفي السري وكأنها تخشى لو ارادت الخروج أن يعمد هؤلاء الشركاء للانتقام على طريقة العصابات والمافيا.
فهل لا زال في قطر صاحب حكمة أو حنكة سياسية يمكن أن يخرج من هذا المنزلق الخطر؟
و بين “د. محمد الهدلاء – الباحث في الشؤون الأمنية والقضايا الفكرية ومكافحة الإرهاب – أن قطر خلال فترة المهلة كانت تتملص من المطالب ولا تريد أن تعترف بمسؤوليتها في دعمها للإرهاب وإضرارها بأمن دول أخرى وانتهجت حيال ذلك استراتيجية المساومة واستهلاك الوقت وعدم الاعتراف بمطالب الدول العربية الأربع كما اعتمدت في ذلك على وجود حالة من تعاطف دول معها مثل تركيا وايران لخدمة لمصالحهم، مضيفا أن عناد حاكم قطر ورفضه الاستجابة لمطالب الدول العربية سيترتب علية توريط شعبه حيث ستتخذ الدول العربية قرارات جديدة وسيفرض على قطر عقوبات عديدة وستخسر حلفاء كثر من بينها الولايات المتحدة الأمريكية التي سترفع يديها عنها وسيكون هناك إجراءات دبلوماسية واقتصادية ويمكن أن تصل إلى تجميد عضويتها في مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية وهناك إجراءات عقابية تستعد بها الدول الأربع في مواجهة المراوغة القطرية والتهرب من مسؤولية دعم الإرهاب وستكون على عدة مسارات، يبدأ المسار الأول بتحويل ملف قطر إلى مجلس الأمن مع تقديم ملف موثق بجرائم قطر للمحكمة الجنائية وهذا ما تعمل علية الدول الأربع من خلال جمع الأصوات الموافقة حتى يتم مناقشة ذلك في جلسة تعقد في هذا الشأن، والمسار الثاني هو اجتماع ستعقده الدول الأربع عبر قمة رباعية عقب انتهاء المهلة لبحث تنمية ملف المقاطعة من تصعيد اقتصادي لدبلوماسي ولذا نناشد القيادة في قطر الاستجابة لصوت العقل والبحث عن مصلحة قطر وشعب قطر لأن قطر باتت على أعتاب كارثة اقتصادية حقيقية بسبب نقص السيولة التي أصابت جميع المودعين ورفض كثير من دول العالم صرف وتحويل الريال القطري وما تتعرض له الآن قطر ليست سوى أعراض لأزمة قادمة سوف يلحقها قريبا انهيار سياسي إذا لم تحكم قطر عقلها وتلحق بالفرصة في مهلة الأيام القادمة ولن ينفعها الحرس الثوري الإيراني ولا عنتريات بعض الدول المزعومة لأن سحب المملكة والإمارات والبحرين كافة ودائعهم في المصارف القطرية ربما يؤدي إلى إفلاس عدد من تلك المصارف القطرية، حيث أن 24% من الودائع المصرفية في قطر هي أموال سعودية وإمارتيه ومع الاعلان عن سحبها سيتفاقم الأمر ليصل إلى زعزعة مصارفها فسحب الودائع الخليجية من البنوك القطرية سيكون ضربة موجعه للنظام المصرفي القطري وهي إشارة من الدول المقاطعة على أنها لن تتنازل عن المطالب وأنها قد حسمت أمرها تجاه هذه الدولة التي ترعى الإرهاب وتهدد أمنها القومي ثم أن هناك بعض الإجراءات الأخرى التي تظهر غضب المملكة والإمارات من الموقف التركي من خلال تعطيل استثمارات وسحب الأرصدة من البنوك التركية إذا استمرت تركيا في انتهازيتها ولم تترك تدخلها في أزمة هي في الأساس خليجية عربية وتبتعد عن سكب البنزين على النار و استغلال الموقف لصالحها على حساب شعوب المنطقة وأمنها الأقليمي وسيادتها.
من جانبه أكد “هشام الغنام” – الباحث في العلاقات الدولية في جامعة اكستر البريطانية – على أن الأزمة متجهة لطريق مظلم قبل أن تتحسن. مضيفا أن القطريين كانوا يعتقدون ان المخرج القطري لتلك الأزمة هو تدخل أمريكي ضاغط على المقاطعين لإيجاد حل يناسبها وهذا لم يحدث فقد رأينا أن تدخل امريكا كان دبلوماسيا و أنها سلمت الملف لدول المقاطعة ولم تتدخل، مشيرا إلى أن المواقف الدولية المؤثرة للأزمة الخليجية لم تتعدا الوساطة في اكثر من جانب حتى وان كانت هناك مواقف دولية متباينة مؤكدا على أن الامور تتجه للأسوأ فيما يتعلق بقطر إذ لا يوجد انفراج قريب ولن تتحسن الاوضاع وهذا ما هو متوقع في ظل تصعيد القضية، مبينا أن الاحتمالات مفتوحة للعقوبات التي تنتظر قطر منها تجميد لعضوية قطر في دول مجلس التعاون وعقوبات اقتصادية اشد خاصة تخيير الشركاء التجاريين بين دول المقاطعة أو قطر وهي بلا شك عقوبات لها تأثير كبير على اقتصاد قطر.
وأضاف الغنام أن قطر لاتزال تحاول التركيز على تدويل القضية حيث تستعين بشركات امريكية وتعمل حملة علاقات عامة ولكن هذا قد يؤثر على صورة قطر في الداخل الامريكي لكن لن يكون له تأثير متوقع في حل الأزمة القائمة خاصة وأن دول المقاطعة لن تتغير مواقفها في التخلي عن مطالبها.