استطاعت القوات العراقية بكل مسمياتها بما فيها قوات “البيشمركة” الكردية وبمساندة طيران التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية من تحرير مدينة الموصل بعد أن بقيت بقبضة تنظيم “داعش” الإرهابي لمدة ثلاث سنوات. حيث مثّل نجاح القوات العراقية في استعادة مدينة الموصل إلى الحضن العراقي ضربة قوية جداً للتنظيم الإرهابي، بحيث فقد معقله الرئيسي الذي أعلن من وسطها في منتصف عام 2014 عن تأسيس دولة الإرهاب تحت مسمى “دولة الخلافة”. وهذه الضربة رغم قوتها وتأثيرها على جسد التنظيم، إلا إنها لم تسفر عن إنهاء وجوده في العراق، إذ مازال التنظيم يحتل مدناً مهمة وكبيرة في العراق من أبرزها (تلعفر غربي الموصل، والحويجة في كركوك، والشرقاط في صلاح الدين، فضلاً عن تواجده في بعض أقضية ونواحي محافظة الأنبار غربي العراق ولا سيما في عانة والرطبة والقائم وغيرها).

لكن من دون أدنى شك فإن تحرير مدينة الموصل من قبضة تنظيم “داعش” قد أسهم مساهمة فعالة في زيادة ثقة القوات العراقية بكل صنوفها بنفسها من جانب، وأصبحت قادرة على طرد التنظيم الإرهابي من المدن العراقية الأخرى التي يحتلها بشرط حصول توافق عراقي تام على تحريرها من جانب آخر، كما أن عملية التحرير قد أضعفت الروح المعنوية لمقاتلي “داعش” سواء من الذين مازالوا يتواجدون في العراق أو الذين كانوا ينتظرون دورهم في المجيء إليه وخوض المعارك، لأن هزيمة “داعش” في الموصل قد أدت إلى بعثرة جهد من يدعم هذا التنظيم فكرياً وإعلامياً ومالياً، فالهزيمة كانت معلنة وغير خافية على أحد، فضلاً عن ذلك قد رافقتها تسريبات إعلامية كثيرة تشير إلى مقتل زعيم التنظيم “أبو بكر البغدادي”، حيث أكدت بعض فصائل التنظيم في العراق “مقتله”، فيما نفت أخرى هذا الخبر، بينما هناك تسريبات من الجانب الروسي تشير إلى مقتل البغدادي مع نفي أميركي. لذلك فإن مقتل البغدادي كما تشير التسريبات وهي الأقرب للحقيقة، سيؤدي إلى انحدار الروح المعنوية لكل مقاتلي وأنصار “داعش” في كل أنحاء العالم، لأنه لو كان حياً لظهر في تسجيل فيديو يطمئن أنصاره بأنه مازال على قيد الحياة.

أما عملية تحرير الموصل من ناحية تأثيراتها في مكافحة الإرهاب داخل الساحة العراقية فإنها ستكون مؤثرة جداً في صالح الحكومة العراقية، لأن كل الشخصيات والجهات السياسية التي تعمل في داخل وخارج العراق قد فشل مشروعها الذي كان يعتمد على نصرة “داعش” في تقويض العملية السياسية والضغط على حكومة العبادي، وبالتالي هذه الشخصيات والجهات ستحاول ركوب موجة جديدة من أجل أن تحافظ على وجودها السياسي في المحافظات التي احتلها “داعش” في منتصف عام 2014، وذلك من خلال التصدي إلى مشروع أعمار تلك المحافظات التي تعرضت إلى التدمير شبه الكامل. فضلاً عن ذلك أن الهدوء السياسي الذي تميزت به حكومة حيدر العبادي على عكس الاضطراب الذي كان حاصلاً في زمن حكومة سلفه نوري المالكي سيجعل الكثير من الجهات التي كانت تعارض العملية السياسية التي شكلها الحاكم المدني الأميركي السابق بول بريمر في عام2003 تحاول الانخراط في هذه العملية، لأنها لم تعد تمتلك شيئاً يمكن أن تراهن عليه كما راهنت في السنوات السابقة على تنظيم “القاعدة” ومن بعده تنظيم “داعش” وقد كان رئيس البرلمان العراقي الأسبق محمود المشهداني واضحاً جداً في هذا الإطار عندما أكد: أن “العرب السنة” في العراق لا يخدمهم أي مشروع، إلا مشروع الدولة المدنية العادلة، لأنهم لا يمتلكون المليشيات ولا يمتلكون قاسم سليماني “قائد الحرس الثوري الإيراني” وبالتالي ليس أمامهم سوى المساهمة في تقوية الدولة العراقية وجعلها دولة مواطنة وليست دولة مكونات أو مليشيات.

أضف إلى ذلك: أن الإرهاب الذي آذى العراقيين كثيراً منذ عام 2003 ولم يستطع أن يحقق ما يصبو إليه قد جعل جميع المكونات العراقية تنتبه إلى ضرورة التكاتف ونسيان الخلافات من خلال انضاج مشروعات التسوية التي بدأت تنطلق في الشارع العراقي وكذلك وجود محاولات لتفعيل المصالحة الحقيقية وإذا نجحت هذه المشروعات فإن الإرهاب لن يجد موطىء قدم له في الشارع العراقي على اعتبار أن الجميع قد اكتووا بنيرانه طيلة السنوات الماضية، كذلك فإن تصاعد وتنامي خبرات القوات العراقية في مكافحة الإرهاب قد يجعل معركة الإرهاب في الساحة العراقية خاسرة تماماً خصوصاً إذا انتصر الجميع للمشروع السياسي العراقي وأسكتوا الأصوات “النشاز” التي تحاول تأجيج الفتن والمشاكل بين العراقيين، علماً أن الطبقة السياسية في العراق والتي برزت بعد عام 2003 لم يعد لها أي قبول لدى المواطنين العراقيين، فضلاً عن ذلك أن محاولاتهم لإعادة النغمة الطائفية مجدداً إلى الشارع العراقي لن تجد أي صدى بعد أن تيقن العراقيون أن هذه الطبقة السياسية لم تقدم لهم إلا وصفات الدمار والخراب وتمزيق النسيج الاجتماعي لأبناء البلد وقد بدأ هذا الصدى يرتفع بوجوه من يحاولون ركوب موجة تحرير الموصل من قبضة “داعش”، حيث أكد غالبية العراقيين: أن مدينة الموصل لم تكن تتحرر لولا وحدة العراقيين ومزج دمائهم التي سالت واختلطت على تراب الموصل لترسم لوحة أمل جديد بعراق موحد وقوي الكل فيه شركاء ومواطنون دون النظر إلى الهويات الفرعية الأخرى “رغم إنها محترمة ومصانة” لكن هوية العراق هي الأسمى والأرفع والأفضل في نظر جميع العراقيين.

إن تحرير مدينة الموصل قد مثل نقطة الشروع الأولى لعودة العراق آمناً وموحداً ومعافى اجتماعياً، سياسياً, واقتصادياً، وأن كل الذين يحاولون سرقة هذا النصر الكبير وتجييره لصالحهم أو لصالح أحزابهم لن يجدوا أي اهتمام من عامة العراقيين، لأن الصورة باتت واضحة وما رسمه الدم العراقي المختلط على تراب مدينة الموصل هو الذي سيرسم الخارطة العراقية الموحدة لن يستطع تشويهه الطائفيون.

وبالحديث عن عائلات منسوبي التنظيم الإرهابي “داعش”.. مات أزواجهن وأبناؤهن وأشقاؤهن إلا أن النساء والأطفال سيعيشون ليدفعوا ثمن تصرفات ذويهم.

ومع انتهاء أيام سيطرة التنظيم على مساحات كبيرة في العراق فإن هناك تساؤلات بشأن كيفية التصرف مع عائلات الإرهابيين.

والكثيرون منهم محتجزون فعلياً الآن في مخيم تتناثر به القمامة شرقي الموصل نُقل آخر النازحين من المدينة إليه.

وقالت أم حمودي (62 عاماً) التي فرت من حي الميدان الأسبوع الماضي مع 21 من أفراد عائلتها وجميعهم من النساء والأطفال “قُتل جميع الرجال”.

وأصيب زوجها العضو بداعش في القتال بالمدينة القديمة وحاولوا نقله بعيدًا عن ساحة المعركة لكنه كان ثقيلًا للغاية ولذلك ودعوه وتركوه هناك ليموت.

ويعود المدنيون النازحون إلى ديارهم لمواصلة حياتهم من جديد ولكن من عانوا ثلاث سنوات من العنف المفرط والحرمان تحت حكم تنظيم داعش يقولون: إنه لا مكان لأقارب الإرهابيين بينهم.

وظهرت في المناطق التي تمت استعادتها من التنظيم منشورات تهدد عائلات المتشددين وألقى أشخاص يسعون للانتقام قنابل على منازلهم.

وقال علي اسكندر رئيس حي برطلة حيث يوجد المخيم: إن الانتقام ليس علاجاً وإن هذه العائلات يجب أن تخضع لبرامج لإعادة التأهيل.

وأصدرت السلطات المحلية في الآونة الأخيرة مرسوماً بنفي عائلات منتسبي التنظيم إلى مخيمات حيث يمكن إعادة تأهيلهم فكرياً.

لكن جماعات معنية بالحقوق تقول: إن العقاب الجماعي يقوض احتمالات المصالحة بعد القضاء على داعش ويخاطر بظهور جيل من المنبوذين لا يبالون بالعراق.

وقال مسؤول محلي زار المخيم السبت: “إذا عزلناهم كيف يمكن أن نعيدهم إلى نسيج الأمة؟ سيصبحون داعشاً”.

  • “نحن تائهون الآن”

وكانت ابنة أم حمودي تبلغ من العمر 14 عاماً فقط عندما زوجها والدها لأحد الإرهابيين.

وقتل المتشدد قبل نحو عام بينما كانت الابنة حبلى بطفلهما الأول الذي رقد نائماً على أرضية الخيمة غير عابئ بالوصمة التي قد تلاحقه طوال حياته.

وكان آخر ما سمعته الابنة وتدعى أم صهيب عن زوجها قبل شهرين. وأضافت دون أن يبدو عليها التأثر “مات بالتأكيد”.

وهددت أم صهيب (32 عاماً) زوجها بتركه عندما انضم لداعش بعد نحو عام من سيطرة التنظيم الإرهابي لكنها لم تفعل بسبب أبنائهما الأربعة.

وانجذب الزوج لفكرة الخلافة المزعومة على الطريقة الحديثة ووضع مهاراته في الهندسة في خدمة مشروع بناء دولة الخلافة. وقالت أم صهيب: إنه ندم على قراره لكن الأوان كان قد فات. وأضافت: “أهدر حياته وحياتنا معه. نحن تائهون الآن”.

وكالنساء الأخريات اللاتي انضم أقاربهن إلى التنظيم قالت أم صهيب: إنها لم تكن تقدر على منعه.

وقالت فاطمة شهاب أحمد (50 عاماً): “لم تكن لي سلطة عليهما” في إشارة إلى شقيقيها اللذين انضما للتنظيم. وتعتقد أن أحدهما مازال على قيد الحياة في مدينة تلعفر التي يسيطر عليها المتشددون وتعد الهدف المقبل للقوات العراقية.

لكن فاطمة نفسها مشتبه بها إذ يتهمها ابن أحد جيرانها بأنها كانت تعمل لدى شرطة الحسبة التابعة لداعش والتي كانت تعاقب النساء اللاتي يخالفن الزي المتفق عليه. وتنفي فاطمة الاتهام.

وتنفي أم يوسف انضمام أياً من أقاربها الذكور لتنظيم داعش الإرهابي. وافترقت عن زوجها المصاب عند فرارهما من حي الميدان الأسبوع الماضي وتعتقد أنه نقل إلى مستشفى بعدما بحثت قوات الأمن العراقية ما إذا كانت هناك صلات تربطه بالإرهابيين.

وقالت: “ربما مات. وربما يكون حياً” وناشدت السماح لها بالخروج من المخيم حتى تبحث عنه.

وأضافت: “يقولون: كلكم داعش لكننا لسنا كذلك. وحتى لو كنا فماذا يمكن فعله بالنساء والأطفال؟ كل شخص مسؤول عن نفسه”.