على الرغم من الجوانب الإيجابية التي يضفيها التأمين الطبي على حياة كثيرين لم يكونوا ليبلغوا العلاج في أبسط المراكز الصحية دون تلك الوثيقة التأمينية، إلا أن السواد الأعظم من حاملي وثائق التأمين الطبي في المنطقة العربية اجمالاً لا يحظون برعاية صحية كافية، الأمر الذي يثير الأسئلة حول قدرة شركات التأمين على فرض أجندتها الربحية البحتة على الأنظمة والقوانين المنظمة لسوق التأمين، حتى ذهب مراقبون إلى القول أن تحكم شركات التأمين في مستوى الخدمة الطبية التي يحصل عليها المؤمن عليه قد وصلت إلى الحد الذي بات الأطباء فيه يتنازلون عن أدبيات مهنة الطب العظيمة، ويسايرون ما تحدده وثيقة المريض من مستوى الخدمات الطبية التي تبلغ الحد الأدنى في أكثر من 75% من وثائق التأمين الطبي في المملكة.

وفي وقت تأتي ميزانية مجلس الضمان الصحي التعاوني في المملكة من شركات التأمين، ومن بعض المستشفيات والجهات الطبية، يبقى السؤال حول قدرة هذا المجلس في فرض مصلحة حاملي الوثائق الطبية على الجهة التي يحصل منها المجلس على دخل وقوته، الأمر الذي أدى إلى أن تحتوي وثيقة الضمان الصحي التعاوني الموحدة 24 مرضاً وعلة مستثناة لا يشملها التأمين، مما يدفع حسب مختصين أكثر من 60% من حاملي تلك الوثيقة إلى الحصول فقط على العناية الطبية الأولية على أقل تقدير.

غياب القوانين..

أكد الدكتور أدهم جاد -المستشار الاقتصادي لشؤون التأمين وإعادة التأمين- أن الفارق الرئيسي في مسألة مقارنة وثيقة التأمين الطبي في المنطقة العربية مقارنة بغيرة في الدول المتقدمة هو القانون، مشيراً إلى غياب القوانين المنظمة لتقديم خدمة التأمين الطبي في المنطقة العربية يعتريها كثير من أوجه الضعف، وقال: من خلال تجارب الدول المتقدمة في مجال التأمين أًصبح لدى تلك الدول قوانين وجهات متخصصة في هذا المجال، مما دفع بالخدمة إلى مستويات أرقى بكثير مما هو موجود لدينا بفضل تلك القوانين.

وأضاف: إن ما ينقصنا في المملكة والمنطقة العربية هو وجود قوانين فاعلة، تعمل على ضبط التجاوزات التي تحدث بشكل غير أخلاقي سواء من قبل مقدمة الخدمة، أو بعض المستفيدين، مما يدفع بشركات التأمين إلى مواجهتها بمزيد من التحفظ والحذر، الأمر الذي يؤدي إلى تراجع استفادة حامل الوثيقة من الخدمات العلاجية التي كان من المفترض أن يحصل عليها.

وللأسف لدينا أنظمة خاصة بضبط وتنظيم سوق التنظيم، لكن ليس لدينا قوانين، والأنظمة أقل فاعلية من القوانين، وهذا ما يفسر تراجع الاستفادة من التأمين الطبي لشريحة كبيرة من المؤمن عليهم في المملكة والمنطقة، كما أن معظم شركات التأمين تمارس هذا العمل بهدف ربحي بحت، وهذا ما يجعلها تستغل غياب القوانين الضابطة لأداء السوق بممارسات من أجل تعظيم أرباحها بأشكال مختلفة، غالباً يدفع ثمنها المؤمن عليه.

وقال: إن الخلل في سوق التأمين يعود إلى غياب الخدمة المجتمعية، وذلك بسبب قصور أداء الجهات المشرفة على قطاع التأمين، وتضارب أدوار تلك الجهات، مما أوجد الثغرات التي تستغلها شركات التأمين في العالم العربي وليس فقط في المملكة.

وقد عملت المملكة على مواجهة تلك المشكلات من خلال وثيقة الضمان الصحي التعاوني الموحدة، والتي تعمل على حصول جميع حاملي الوثائق على نفس الخدمة الأساسية، ويبقى الاختلاف فقط في الحدود المالية، وهذا مقبول ومعروف عالمياً، لكن الذي يحد من تأثيره الإيجابي في المملكة والدول العربية اجمالاً هو التدني في مستوى الخدمة الطبية للمؤمن عليهم التي يجدونها في المستوصفات وبعض المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية، والمشكلة التي يواجهها المؤمن عليهم خاصة في المستويات الأقل من الوثائق أن المتاح أمامهم هي مجرد مستوصفات تفتقد لأبسط مستويات الخدمة العلاجية اللائقة.

ويمكنني القول أن الشريحة الأعظم من المؤمن عليهم هم من حملة الوثائق الدنيا، وللأسف حقهم مهضوم في الحصول على رعاية صحية لائقة، وأشعر بالإحباط وأنا أقول لك أن نسبة كبيرة من المؤمن عليهم في المملكة وحتى على مستوى العالم العربي يحملون وثائق ليس لها قيمة تذكر، مما يحرمهم من حق الحصول على الرعاية الطبية التي يطمحون إليها، مما يجعل 60% من التغطيات لحاملي الوثائق في العالم العربي لا تؤهلهم وثائقهم تلك في الاستفادة منها، بينما في الدول المتقدمة 90% من حاملي وثائق التأمين الطبي يستفيدون من مميزاته.

جهل..

أكد د. عبدالوهاب الخميس -المستشار في قطاع التأمين الصحي والنظم الصحية، واستشاري الإدارة الصحية- أن وثيقة التأمين الصحي الموحدة في المملكة هي وثيقة جيدة في مجملها وتغطي الخدمات الرئيسية بما في ذلك الرعاية الصحية الأولية والثانوية والتخصصية، وقال: يعني كون وثيقة الضمان الصحي التعاوني موحدة أنه لا يجوز تقديم خدمات صحية أقل مما هو منصوص عليه في الوثيقة، كما إن قيمة منافع وحدود التغطية موحدة وبحد أدنى لا يمكن النزول عنه، فمثلا الحد الاقصى الذي يتوجب على المريض دفعة لزيارة العيادات الخارجية وزيادة الطبيب العام والاخصائي والاستشاري موحدة بين جميع بطاقات التأمين ولا يجوز الزيادة عن الحدود المنصوص عليها في وثيقة التأمين سواء كان المؤمن عليه يحمل وثيقة VIP أو اقل فئة من وثائق التامين الصحية والتي تختلف مسمياتها بين شركات التأمين.

وفي مسألة الأسنان، الوثيقة المحلية تمنح المؤمن عليه تغطية تصل إلى 2000 ريال في السنة، فضلا عن تغطية كل الوثائق التأمينية للحالات النفسية الحادة والغسيل الكلوي وغيرها من الخدمات، وفي هذا الإطار فإن الخدمات الطبية المنصوص عليها في وثيقة التأمين الموحدة يجب أن يحصل عليها جميع المؤمن وبنفس المستوى في الجانب العلاجي. أما فيما يتعلق بالفروقات بين وثائق التأمين الصحي فمرتبطة بجوانب في مجملها مرتبطة بالخدمات الأخرى بأعداد المستشفيات من ضمن الشبكة أو نوعية الغرف في التنويم أو اضافة خدمات أو تقليل نسبه التحمل ونحو ذلك.

وحول سؤال عن اقتصار تغطية المستوى الأقل من وثائق التأمين على المعالجة في المستوصفات التي تقدم فقط رعاية أولية، قال د.الخميس إن التغطية التأمين يجب أن تشمل جميع الخدمات المنصوص عليها في وثيقة التأمين الموحدة حتى في حالة عدم توفر العلاج من ضمن نطاق الشبكة المذكور في بوليصة التأمين فإنه يمكن تحول المؤمن عليه لمستشفى عام أو تخصصي خارج الشبكة (حسب الحاجة) إذا لم يكن العلاج متوفر من ضمن الشبكة. وفي حالة عدم حصوله المؤمن عليه على هذا الحق، فإنه من حقه التقدم بشكوى إلى مجلس الضمان الصحي التعاوني.

وحول الاستثناءات الكثيرة والتي تغص بها وثائق التأمين، أكد د.الخميس أنه لا يجوز أن تستثني اي وثيقة تأمين القواعد المنصوص عليها في وثيقة التأمين الموحدة، وفي حال استثنت أحد شركات التامين خدمات منصوص عليها من ضمن الوثيقة الموحدة، فإنه من حق المؤمن تقديم شكوى لمجلس الضمان الصحي التعاوني

وذكر الدكتور الخميس أن أحد المشاكل التي يعاني منها سوق التأمين متعلقة بما أسماه ازمة ثقة، وقال: إن هناك تلاعب كبير مما أفضى إلى ضعف الثقة بين شركات التأمين ومقدمي الخدمات العلاجية وكذلك المستفيدين من الخدمة، وهذا بدوره يدفع شركات التأمين إلى التحوط ورفض بعض الحالات التي قد تحمل أكثر من رأي طبي وما إذا كانت الحالة علاجية أو تجميلية. وإذا فقدت الثقة في هذا المجال، سيصيب الخدمة خلل يفقد المستفيد الحصول على الخدمة الطبية اللائقة.

وذكر أن ضعف الوعي بفوائد التامين الصحي والخدمات التي تغطيها الوثيقة الموحدة أدى إلى ضعف الاستفادة من وثيقة التامين الصحي من قبل المؤمنين. وقال: هذه الجهالة وعدم معرفة الحقوق لدى من لديهم تأمين صحي أدى إلى تلاعب بعض شركات التأمين بالنظام، ففي دراسة حديثة حول مدى معرفة المؤمنين بفوائد التأمين الصحي، وجدت الدراسة أن 7.5% يعرفون المبلغ المطلوب لزيارة الطبيب، فيما 64% يعرفون التكلفة لزيادة طبيب في العيادات الخارجية بما في ذلك التحاليل والمصاريف الاخرى. كما اوضحت الدراسة أن 13% فقط يعرفون التكلفة المطلوب دفعها للتنويم و15% يعرفون تكلفة تلقى الدواء بينما يعرف 9.6% فقط تكلفة علاج الاسنان وفق لبوليصة التأمين الصحي الموحدة.

خيارات..

أكد مازن النمري -المدير العام لتأمينات الحياة والصحي بإحدى شركات التأمين بالأردن- أن المواطن العربي يحظى بالعديد من خيارات تغطيات التامين الصحي التي توفرها شركات التامين المحلية او حتى العالمية، مؤكداً أنها تتساوى تلك الخيارات مع التغطيات المتوفرة في الدول الأجنبية، وقال: قد تمنح ايضا المواطن اختيار العلاج في الدول الاجنبية كأوروبا واسيا الشرقية وحتى امريكا الشمالية، فتغطيات التامين متوفرة للمواطن بدرجات مختلفة وله حرية اختيار البرنامج الذي يتناسب مع احتياجاته وامكانياته المادية.

وحول الاستثناءات الكثيرة التي تعتري وثيقة التأمين لأغلب المواطنين العرب، قال: تحديات التأمين الطبي تكمن في توفير التغطية التأمينية المناسبة لكل فرد ينوي الحصول عليها، وعلى شركة التأمين شرح التغطيات التأمينية بكل شفافية ومصداقية للمؤمن عليه قبل التعاقد وعلى المؤمن عليه التأكد من شروط التغطية والاستثناءات قبل التعاقد مع شركة التأمين، وذلك لتفادي اختلاف وجهات النظر بعد التعاقد. فمثلاً تغطية الاسنان تتوفر بعدة تغطيات وبسقوف ومنافع محددة وبأقساط متفاوتة وقد تتوفر كمنفعة اضافية وليس ضمن عقد التامين الصحي الاساسي.

وحول أبرز عوامل الضعف في وثيقة التأمين الصحي للمواطن العربي والتي تستدعي المعالجة، قال: وثائق التأمين الصحي هي عقود قانونية ويجب اخذ موافقة الجهات الرقابية قبل تسويقها من قبل شركة التامين وذلك لضمان حقوق المؤمن عليهم، ونظرا لعنصر المنافسة في الاسواق الحرة فان شركات التامين تسعى للحصول على ثقة المواطن بتوفير أفضل التغطيات ضمن الاقساط الفنية السليمة وتتفاوت نوعية الخدمات حسب قدرات وطاقات الشركات التي توفر هذه التغطيات.

واستبعد النمري أن يكون هناك تراخياً في الأنظمة المعنية بالتأمين في الدول العربية حيال شركات التأمين، وقال: لا أعتقد أن هناك تراخياً من قبل الجهات الرقابية وأن نقول ان شركات التامين تسعى للربح على حساب المواطن قد يكون هذا الكلام غير دقيق كون الكثير من شركات التامين لا تحقق ارباح في هذا النوع من التامين، على سبيل المثال نتائج التامين الصحي في الاجمال للسوق الاردني في عام 2016 كانت سلبية.

وأضاف: أعتقد أن مسؤولية الارتقاء بمفهوم التامين الصحي بحاجة إلى التعاون والتنسيق بين جميع الأطراف بمن فيهم شركات التأمين والجهات الرقابية وحتى المدارس والجامعات لنشر ودعم الوعي والثقافة التأمينية في الوسط العربي والاستفادة من التجارب الايجابية في الدول التي تتوفر بها خبرات تأمينية متطورة.