في قلب الصحراء، وبالقرب من محطة الضخ رقم 3 التي لا يفصلها عن مدينة الرياض أكثر من 100 كيلومتر، هناك قصة تستحق أن تُروى أبطالها شباب سعوديون استطاعوا تحقيق إنجاز مهم يتمثَّل في إنشاء أول محطتين لضغط وضخ الغاز الطبيعي في المملكة. وهما أول محطتين من مجموع المحطات التي سوف تُسهم في تحقيق نقلة نوعية لتلبية الطلب المتسارع على الغاز الطبيعي في المملكة، كما تقلِّل الطلب على الزيت الخام واستخدامه في توليد الطاقة الكهربائية، ويُعزِّز المحافظة على البيئة من خلال استخدام الغاز الطبيعي كوقود نظيف.

الوضع الحالي

يشهد الطلب على الغاز الطبيعي في الوقت الحالي تزايدًا على مستوى المملكة، لدعم قطاعي المرافق والصناعة في المقام الأول. ولتلبية هذا الطلب، اعتمدت الشركة برنامجًا لتوسعة شبكة الغاز الرئيسة من مرحلتين. حيث سترتفع طاقة شبكة الغاز الرئيسة إلى 9.6 بلايين قدم مكعبة قياسية في اليوم باكتمال المرحلة الأولى وذلك مع نهاية 2017م. بينما ستشهد المرحلة الثانية زيادة طاقة شبكة الغاز الرئيسة إلى 12.5 بليون قدم مكعبة قياسية في اليوم في عام 2019م. وقد تم التعجيل بالمرحلة الأولى من المشروع لتلبية التاريخ المحدد لبدء تشغيل محطة توليد الكهرباء المستقلة رابغ 2 في بداية هذا العام لتفادي حرق الوقود السائل الذي يوفِّر حافزًا اقتصاديًا.

نطاق المشروع

يتضمَّن المشروع مدّ 960 كيلومترًا من وصلات خطوط الأنابيب بقطر 56 بوصة. ويتضمَّن مشروع خط الأنابيب محطات صمامات الخط الرئيس، ومرافق إطلاق واستقبال أجهزة الكشط، ومنشآت توصيل الأنابيب أثناء تشغيل الخط، ومرشح شوائب خطوط الأنابيب ووصلات التخطي العلوية، ومرافق عداد قياس المنتجات المسلَّمة.

ويشمل المشروع محطتيّ تقوية ضغط الغاز في محطتي الضخ شرق/ غرب رقم 3 و5 وتشمل أنابيب مداخل ومخارج رئيسة، ومرشحات لشوائب خطوط الأنابيب، وعدادات الغاز، ووحدات ضواغط متعددة ومبردات للغاز عند المنفذ، وتشمل المباني عددًا من معدات وأجهزة قياس الغاز، ووحدة الضغط والدفع، والتحكم والتشغيل.

أهمية المشروع

الهدف الرئيس لهذا المشروع الحيوي هو المحافظة على استمرارية الأعمال، وتلبية الطلب، حيث سيتيح هذا المشروع للشركة الوفاء بالتزامها بتوريد غاز البيع إلى مدينة الملك عبدالله الاقتصادية ومحطة توليد الكهرباء المتكاملة رابغ 2، كما سيدعم اقتصاد المملكة من خلال استخدام غاز البيع بدلًا من الوقود السائل.

وسوف يتم ضخ غاز البيع إلى المحطة عبر خطوط أنابيب شبكة الغاز الرئيسة، حيث يتم قياسه وتنقيته من الشوائب داخل مرافق المحطة قبل ضغطها باستخدام مرحلة واحدة لرفع ضغط الغاز، ثم يتم تبريد الغاز المضغوط قبل أن يتم قياسه وإعادة ضخه إلى خطوط أنابيب الشبكة الرئيسة.

الشباب.. سرُّ النجاح وطاقة الإنجاز

أكثر ما يلفت الانتباه عند زيارتنا للمشروع هو أن أغلب المشرفين على أعمال الإنشاء في المشروع هم من الشباب.

في البداية يقول محمد منزوري، مهندس ثانٍ بالمشروع: “أغلب المشرفين على أعمال الإنشاء منذ بداية المشروع شباب، بعضهم حديث التخرج وهذا هو أول مشاريعهم على الإطلاق، ورغم ذلك فإن معدلات الإنجاز قياسية في كل مناطق العمل بالمشروع، ويتابع الشباب سير العمل بصورة يومية مع المقاولين، ونقوم يوميًّا بمناقشة العمل وتبادل الخبرات بين الجميع”.

فهد فرحان الراشد، المسؤول عن استكمال الأعمال الميكانيكية في المشروع، يقول: “بدأنا العمل في هذا المشروع من الصفر، كل هذه المساحة التي تراها الآن كانت صحراء، لكننا تمكنا من تحويلها إلى حقل عمل مزدحم بفضل الجهود المخلصة وتشجيع الإدارة”.

وعن طبيعة الأعمال الميكانيكية التي يقوم بها، يقول الراشد: ننتهي الآن من العمل في وحدة “البودرة السوداء”، وهي الوحدة التي يدخل إليها الغاز غير النقي الذي يكون غالبًا مصحوبًا بالشوائب، وذلك لتنقيته في 12 دورة تنقية، يدخل بعدها في فلتر آخر للتنقية.

ويضيف: “نحن أكثر من 90 مهندسًا من أرامكو السعودية، دورنا هو تعزيز الاتصال بين جميع عناصر المشروع من مقاول ومنفذين والإدارة في أرامكو السعودية، نحن نعمل 12 ساعة يوميًّا، ولا نجد في ذلك إرهاقًا أو مجهودًا زائدًا لأننا ننظر إلى الهدف الأكبر الذي سوف يتحقق، وهو مشروع ضخم يُسهم في نهضة بلادنا.

“شهادة ميلادي الحقيقية كمهندس”

ذياب محمد العوفي، مساعد مهندس، تخرَّج في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن العام الماضي، وهو مشرف على إنشاء وحدة المنافع والكهرباء بالمشروع، يؤكد أنه منذ اليوم الأول للعمل منحته إدارة المشروع الثقة وطلبت منه الإشراف على إنشاء هذه الوحدة رغم أن هذا هو مشروعه الأول. يقول العوفي: “متحمس للغاية للمشاركة في هذا المشروع الذي أعتبره شهادة ميلادي الحقيقية كمهندس، ونحن هنا نمزج بين الشباب ذوي الخبرة وهؤلاء الذين يعملون لأول مرة في مشروع عملاق مثل هذا”.

أحمد داغستاني، مستشار عقود في المشروع، الذي تخرَّج في جامعة ديبوال الأمريكية، متخصصًا في إدارة الأعمال يؤكد أن إدارة المشروع تؤمن بالشباب وقدرتهم على الإنجاز، لذا منحتهم الثقة وساعدتهم على تحقيق هذه الإنجازات، فأغلب الأعمال الإنشائية سبقت الوقت المحدد، كما أن نسبة السعودة مرتفعة في جميع مراحل المشروع.

منصور عبدالله الجمعان، الذي تخرَّج في جامعة الملك فيصل متخصصًا في الهندسة الميكانيكية، وهو مسؤول عن متابعة الأعمال الإنشائية في وحدة النتروجين، يقول إن دور الوحدة سحب النتروجين من الجو وتخزينه للاستخدام في المحطة، مشيرًا إلى أن العمل في مشروع المحطة أضاف له خبرات لم يكن ليحصل عليها إلا بعد سنوات طويلة.

ربط الشرق والغرب

مدير المشروع بالوكالة، صالح الوادعي يشرح تفاصيل الإنجاز في هذا المشروع قائلًا: “هذا المشروع أحد مشروعات التحوُّل الاستراتيجي في المملكة للاعتماد على الغاز بدلًا من البترول، وهدفه ربط شرق المملكة بغربها من خلال شبكة الغاز الرئيسة، بحيث يوفِّر يوميًّا ما قيمته 580 ألف دولار من الزيت الخام كان يتم حرقها لتوليد الكهرباء، ولأول مرة في تاريخ أرامكو السعودية نقوم بإنشاء مثل هذا المشروع وهو محطات لضغط الغاز”.

ويضيف الوادعي: “بفضل من الله ثم بجهود وسواعد أبناء هذا الوطن المعطاء وبمتابعة دقيقة من قبل الإدارة العليا حصل هذا المشروع قبل أن يتم الانتهاء من العمل به على جائزة دولية من معهد الصناعات الإنشائية الذي يقع مقره في ولاية أورلاندو بالولايات المتحدة الأمريكية، وسوف نتسلَّم الجائزة في المؤتمر السنوي للمعهد قريبًا.

ويقول الوادعي: إن البطل الحقيقي وراء هذا الإنجاز هو العمل الجماعي، وتحمل المسؤوليه، ونقل المعرفة. فعلى الرغم من أن %90 من العاملين في المشروع لديهم خبرة أقل من عامين في العمل، وهناك 17 موظفًا ممن التحقوا بالمشروع حديثًا ولم يكملوا في العمل عامًا واحدًا، إلا أننا وضعناهم في قلب العمل ومنحناهم الثقة، وبالمقابل أبدعوا وتمكنوا من تحقيق هذا الإنجاز، فقد منحنا صلاحيات للشباب بإشراف من الإدارة وتأكدنا من قدرتهم على مواجهة التحديات، والآن لدينا جيل كامل من الشباب يستطيع إدارة مشروع كبير بمفرده، وهذا بحد ذاته إنجاز يُضاف إلى إنجازات شركتنا العملاقة”.

ويختم الوادعي حديثه قائلًا: “إحدى المبادرات التي قمنا بها في هذا المشروع هي الاتفاق مع المقاول، وهو شركة صينية، على توظيف جميع الشباب السعودي المُتخرج في جامعات صينية، لكي يكون همزة الوصل بينهم وبيننا، كذلك قمنا بترجمة كتيب السلامة الخاص بأرامكو السعودية إلى اللغة الصينية لكي يستخدمه عمال المقاول وبالتالي نتأكد من أن الجميع ملتزمون بأنظمة وقوانين السلامة وهو ما حدث عندما أكملنا 11 مليون ساعة عمل بدون أي إصابة عمل”.