تشهد الأزمة الحالية بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة لأول مرة حديثاً جدياً عن استخدام محتمل للسلاح النووي منذ العام 1962 حين اشتدت حدة أزمة الصواريخ الكوبية أو أزمة الكاريبي كما تسمى في روسيا، عقب قيام الولايات المتحدة بعدد من العمليات الفاشلة التي سعت من خلالها إلي إسقاط النظام الكوبي وعلى رأسها عمليتا خليج الخنازير والنمس، حيث شرعت حكومتا كوبا والاتحاد السوفيتي المتحالفة آنذاك في بناء قواعد سرية لعدد من الصواريخ النووية متوسطة المدى، التي تتيح للاتحاد ضرب أراضي الولايات المتحدة بشكل أسهل، بعد نشر الولايات المتحدة صواريخ من نوع ثور في بريطانيا وصواريخ من نوع جوبيتر في إيطاليا وتركيا، لتصبح قادرة على توجيه ضربات لموسكو بأكثر من 100 صاروخ ذي رأس نووي.

اليوم تختلف الأزمة مع كوريا الشمالية، فالنظام الكوري الشمالي هو نظام غير عاقل بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، ومع الرئيس الحالي كيم جونغ أون، فَلتَ هذا النظام من عقاله أكثر وأكثر فهو لا يملك أي أصدقاء أو حلفاء يمكنهم التأثير أو الضغط عليه، كما أن الرئيس كينيدي تعامل مع الأزمة بصبر وبرودة أعصاب أدت إلى نجاحه في الضغط على الاتحاد السوفييتي وتجنيب العالم مأساة كبرى، ونجاحه في تعدي هذه الأزمة خلّد اسمه كأشهر و أنجح الرؤساء الأميركيين، أما اليوم فترمب يميل للتعامل بألفاظ قوية مع بيونغ يانغ مهدداً نظامه بالغضب والنار ومن الصعب التنبؤ بما قد يفعله النظام الكوري الشمالي الحالي إذا ما شعر بتهديد وجودي محدق به فقد يذهب لتسليم كل سلاحه أو قد يخاطر باستخدام كل أسلحته ضد الجيران من حلفاء أميركا مثل كوريا الجنوبية وضد الأراضي الأميركية إذا تمكن من ذلك.

قدرات كوريا الشمالية

على مر العصور وعلى مرأى ومسمع من الرؤساء الأميركيين، كانت بيونغ يانغ تقوم بتجارب صاروخية وتدعي تطويرها صواريخ برؤوس نووية، إلا أن هذا النظام يكذب كثيراً وعبر تقنياتها المتطورة تستطيع الولايات المتحدة معرفة مدى قدرات النظام الكوري الشمالي العسكرية حيث تخضعه وحلفائها في المنطقة لمراقبة شديدة، لكن في الفترة الأخيرة صرف النظام الكوري الشمالي أموالاً طائلة على تطوير منظومته الصاروخية رغم الفقر المدقع الذي يعيشه سكان بلاده، وقبل أيام أكدت جهات أميركية مختصة بمراقبة بيونغ يانغ اقتراب كيم رئيس كوريا الشمالية جونغ أون من امتلاك صواريخ برؤوس نووية قادرة على الوصول لجزيرة جوام وهي جزيرة تقع غرب المحيط الهادي، وهي أرض أميركية تقع في مجموعة جزر ماريانا، ويوجد فيها قاعدة بحرية وجوية أميركية حيوية ويسكنها حوالي 150 ألف أميركي.

وبحسب معلومات الدفاع الأميركي فإن كوريا الشمالية تمتلك نحو ألف صاروخ باليستي، إلا أن الغالبية منها قصيرة المدى ويتراوح بين 30 و 300 ميل، ومعظمها مخصصة لإصابة أهداف في كوريا الجنوبية الحليفة الوثيقة لأميركا.

أما أحدث الصواريخ التي رصدها حلفاء أميركا ويعتقد أنها الأكثر تقدماً في كوريا الشمالية فهي قادرة على الوصول إلى جميع الولايات المتحدة، ولا يوجد خارج نطاقها سوى جزيرة فلوريدا.

كل الاحتمالات واردة

وتبقى قدرة تحميل هذه الصواريخ بعيدة المدى برؤوس نووية محل جدل في أميركا إلا أن الإجراءات الاحترازية التي تتخذها أميركا هي لحساب كل الاحتمالات ويتوقع الخبراء الأميركيون أن يكون منتصف أغسطس الحالي موعداً لاكتمال بناء رؤوس نووية في كوريا الشمالية، وهو نفس الموعد الذي يتوقع أن تقوم فيه بيونغ يانغ بتجربتها قرب جزيرة جوام.

ولا يتوقع معظم المراقبين أن تتعرض الأراضي الأميركية لأي خطر حقيقي بسبب صواريخ بيونغ يانغ، حيث تتخذ إجراءات احترازية مشددة وتمتلك ترسانة صاروخية ونووية وأصبح جزء منها في كوريا الجنوبية وجاهز لاستهداف النظام الكوري الشمالي، إذا ما رصدت القوات الأميركية وحلفائها في آسيا أي تحرك جدي لإطلاق تجربة صاروخية نووية.

وكان الجيش الأميركي قد أعلن قبل أيام عن تصنيع قنابل نووية صغيرة الحجم يمكنها أن تضبط على مستويات قوة منخفضة تصل إلى 20 كيلو، ما يعني أنَ التفجير الناتج عنها لن يؤثّر على منطقة تتجاوز حدودها ميلاً واحداً “1.6 كلم”، من موقع التفجير.

وتقول قيادات الجيش الأميركي: إن الأسلحة النووية الصغيرة الجديدة، من شأنها أن توفّر خياراً جديداً للرئيس الأميركي حيث يمكن التحكم بها وبقدرتها التدميرية.

ذكرى ناغازاكي وهيروشيما

ويذهب غالبية الشعب الأميركي إلى رفض التدخل الأميركي في الدول الأخرى ورفض اتخاذ أميركا لمهمة تغيير الأنظمة ولو كانت استبدادية وهذا سبب من أسباب الذعر الأميركي من الحديث عن حرب مع كوريا الشمالية حيث يشعر معظم الأميركيين بالخجل والغبن والخسارة الاقتصادية من تدخلات أميركا في الحروب الأخيرة، بدءاً من العراق وانتهاءً بليبيا، إذ أصبح معظم الأميركيين يفضلون تخلي حكومتهم عن دور شرطي العالم ويريدون من حكامهم المنتخبين الالتفات للأمور الداخلية وتحسين أوضاع المدارس والسجون والنظام الصحي وزيادة فرص العمل بعيداً عن صرف الأموال على الحروب أو بناء الدول الأخرى، فواجه الإعلام والشعب الأميركي عبارة ترمب “الغضب والنار” بالكثير من الاحتجاجات التي أعادت إلى أذهانهم ذكرى إسقاط القنبلة الذرية الأولى في التاريخ على هيروشيما و ناغازاكي.