تدير أرامكو السعودية موارد النفط والغاز في المملكة منذ أكثر من 80 عامًا، وقد مثَّلَ الابتكار التقني المستمر خلال هذه السنوات القوة الدافعة لأعمال التنقيب والإنتاج في الشركة، ومازال يمثل عنصرًا أساسًا لنجاحها في المستقبل، وبفضل الإنجازات التقنية التي حققتها الشركة، أصبحت أعمال التنقيب أكثر فاعلية وأقل تكلفة، وأوجدت مصادر جديدة للإمدادات، وعززت قدرتها على استخلاص كميات أكبر من النفط والغاز لضمان النمو المستدام.

إن مواصلة النمو الذي تحافظ عليه أرامكو السعودية في مجال اكتشاف احتياطيات النفط والغاز الجديدة ليس وليد اليوم، بل هو امتدادٌ للروّاد الأوائل الذين حطّوا رحالهم في المملكة في ثلاثينيات القرن الماضي وتمثّلت مهمتهم، ببساطة، في التنقيب عن النفط. وقد كانت السنوات الأولى محفوفة بالآمال والإحباطات على حدٍّ سواء، إلا أنَّ إصرارهم أثمر عن نتائج مذهلة، ومنها اكتشاف بئر الدمام رقم 7، التي أطلق عليها الملك عبدالله بن عبدالعزيز، رحمه الله، مسمى (بئر الخير). وعلى الرغم من تراكم الاحتمالات التي جاءت في غير صالحهم، إلا أنهم تسلَّحوا بالثقة والمثابرة، ليضعوا أيديهم عقب ذلك على أول بئر، استطاعت أن تشكِّل، مع الاكتشافات اللاحقة، الفصول الافتتاحية لقصّة أرامكو السعودية.

وبعد سبعة عقود، لا يزال التنقيب عن المواد الهيدروكربونية في المملكة جاريًا، وكأنما أصبح دمًا يجري في عروق الشركة. ولعل أفضل ما يُبرهن على ذلك هي الأعمال السيزمية، التي فازت بها الشركة بعصا السبق كما هو متوقع منها، وذلك من خلال قسم تجميع البيانات الجيوفيزيائية.

نافذة إلى عالم ما تحت سطح الأرض

تُعَدُّ الأعمال السيزمية أعمالًا ديناميكية تسعى لتوسيع آفاق المعرفة عبر مختلف المستويات البشرية والتقنية، ويشهد التنقيب خلال هذه الفترة أيامًا مثيرة، من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب، وفي قلب هذه الأحداث يبرز فريق قسم تجميع البيانات الجيوفيزيائية، وقد يرى البعض في التطور الذي حدث في التقنيات السيزمية وعلى مدى السنوات القليلة، أمر يُثير الدهشة والفضول، وهو كذلك بلا شك.

إن منظر شاحنة بوزن يبلغ 65 طنًا، يبدو مهيبًا وهي تجثم على رمال الصحراء وتهزّ التربة من دون حراك، تخدع العين بجمودها بينما هي في الواقع، تستعد لإطلاق منصة من الصلب لهز التربة، مثبتة أسفل هيكلها. وما أن تستقر قاعدتها فوق أرض الصحراء التي تحتها، حتى تبدأ بهز الأرض بزلزلة للمنطقة المحيطة بها.

الموجات السيزمية الناتجة عن هذه الاهتزازات، تمثِّل البيانات الأولية التي تشكّل أساس الأعمال السيزمية في أرامكو السعودية، وتُعد شاحنة هزّ التربة مصدر الطاقة السيزمية الأكثر أمانًا، إلا أن هذه الطريقة لم تكن هي التي اتبعها الجيولوجي ماكس ستاينيكي ورفاقه في التنقيب عن النفط، فحتى عام 1970م، كان الجيولوجيون يعتمدون على بُنية السطح الخارجي في مناطق التنقيب، لسبر احتمالية وجود المكامن الهيدروكربونية تحت سطح الأرض. فقد حفروا في المناطق المحتملة لكنهم كانوا على وشك الاستسلام حتى عند بئر الدمام رقم 7. ولكن التطورات في مجال السيزميات قلَّلت بشكل كبير من مخاطر الحفر دون اكتشاف شيء. وفي العقود التي تلت سبعينيات القرن الماضي، حدثت نقلة نوعية في فهمنا لما يقع تحت سطح الأرض، ويرجع الفضل في ذلك بشكلٍ كبير للتقنية السيزمية، حيث يتمّ استخدام التقنية السيزمية للموجات الصوتية الناتجة عن الاهتزازات لجمع المعلومات والبيانات التي توفِّر بدورها نافذة إلى عالم ما تحت سطح الأرض، وهو حلم الجيولوجيين في الحقب الماضية.

ونتيجة لذلك، تعمل طواقم العمل السيزمية في جميع أنحاء المملكة على مدار الساعة، سعيًا لاستخلاص احتياطات المواد الهيدروكربونية، كما تُفسح التقنية السيزمية المجال للتنقيب على نطاق وإطار زمني، كانا يُعدَّان ضربًا من المستحيل منذ عقود قليلة مضت. ولذا، فإن مواقع طواقم العمل السيزمي العشرة على مستوى المملكة، بعيدة كل البعد عن العشوائية، فهي مثل قطع الشطرنج، تتموضع وتتنقل باستراتيجية وتخطيط، ولا تُعد تلك الطواقم وحيدة مع الدعم الذي يقدِّمه قسم تجميع البيانات الجيوفيزيائية.

مراحل المسوحات الأولية

تسير عجلة العمل كالتالي، يقوم الجيولوجيون بفحص الصور ثنائية الأبعاد من المكمن الهيدروكربوني المحتمل، ورغم أن نتائج هذه الصور ليس لها دلالات نهائية، إلا أنها إيجابية وتبرِّر الانتقال إلى المرحلة التالية، وهو التنقيب السيزمي ثلاثي الأبعاد، ثم يتمّ بعد ذلك الاتصال بقسم تجميع البيانات الجيوفيزيائية، ووضع خريطة لإحداثيات منطقة التنقيب ومؤشراتها، بعد التخطيط المستفيض وتحليل الموقع. عقب ذلك يتمّ طرح الاقتراح والمشاركة مع الفريق السيزمي، الذي ينتقل إلى منطقة التنقيب المقترحة، حيث يبدأ الاختبار السيزمي في اكتساب فهم أعمق لبنية ما تحت سطح الأرض، وتكتمل العملية بإرسال بيانات معقَّدة، إلى قسم تجميع البيانات الجيوفيزيائية يوميًّا، والذي يعمل مع فرق أخرى في إدارة التنقيب، لمعالجة وتفسير البيانات السيزمية ثلاثية الأبعاد.

تقنيات متطورة حديثة

يشهد التطور التقني في الشركة قفزات هائلة تُسهِّل من أعمال الاختبارات السيزمية، نتيجة لمواصلة الشركة تحفيز وتشجيع الإبداع. ومثالٌ على ذلك، استخدام التقنيات الجيوكيميائية التي ابتكرتها داخليًا بعقول أبنائها، واستخدام الكاشفات الجيولوجية وهي تلك المركبات العضوية الموجودة في النفط الخام للمساعدة على تقييم توزيع السوائل الجوفية وهجرتها وتراكمها، إذ تُسهم البيانات التي يتسنى الحصول عليها بواسطة هذه الأساليب في الحد من المخاطر المرتبطة بالمناطق الواعدة الجديدة وتتيح فرصًا جديدة للتنقيب.

كما أن الشركة صنعت واختبرت غواصتين ذاتيتي التوجيه مصممتين لجمع المعلومات السيزمية في المناطق البحرية الضحلة، وتستطيع هاتان الغواصتان المبتكرتان خفض تكاليف جمع المعلومات بنسبة 30% واختصار الزمن المستغرق لجمع هذه المعلومات بنسبة 50%، بما يساعد على توفير بيانات عالية الجودة بتكلفة أقل.

بالإضافة إلى ذلك، فإنه وباستخدام تقنية «الالتقاط» الفوري لنقاط الاهتزاز، يمكن الآن في مدة تتراوح ما بين عامين إلى ثلاثة أعوام، تخزين نفس البيانات التي كانت تستغرق في السابق فترة زمنية أطول تتراوح بين 15 إلى 20 عامًا.

المعنى الاقتصادي

إن الأعمال السيزمية مهمة للشركة لأنها تجنبها حفر آبار غير منتجة، كما تسمح لها بتحديد المكامن، وقد تبيَّن أن طرق التنقيب السابقة كانت مكلِّفة، فقد كان من المعتاد إرسال أبراج الحفر إلى مواقع تنقيب، دون معرفة بنية جوف الأرض على وجه اليقين، أما الآن فلا يتمّ إرسال أبراج الحفر إلا بعد جمع بيانات سيزمية مكثفة، مما يزيد من احتمّال العثور على المواد الهيدروكربونية بشكل كبير. وفي حين تلتقط الأجهزة السيزمية لقطة لمشهد مساحة واسعة تحت سطح الأرض فإن ذلك قد يؤدي إلى اكتشاف عدد من الآبار، ولذلك فإن إحضار أبراج الحفر إلى الموقع قبل الحصول على البيانات السيزمية هو كالحفر العشوائي من الممكن أن يؤدي إلى خسائر مالية، بينما تسمح الأعمال السيزمية بالحفر إلى الهدف مباشرة والحصول على نتائج مُرضية، بالرغم من أنه لا يزال يتعذَّر ضمان ذلك إلا أنها تعطي مؤشرات قوية جدًا، حيث تختلف التحديات باختلاف التضاريس في جميع أنحاء المملكة.

لقد تطوَّرت الأعمال السيزمية بشكل كبير من واقع الإسهامات النظرية للجيوفيزياء. فمن خلال الصيغ الرياضية المتطوِّرة والرقمية، أصبح بالإمكان الآن التصوير على مستوى القدم بدلًا من مئات الأقدام، مما يساعد على زيادة تبسيط تفسير البيانات، ويجعل الحفر مُجدي التكلفة وأكثر فاعلية.

كما أنَّ هناك زيادة بمقدار 2500 ضعف في البيانات الناتجة عن الأعمال السيزمية منذ عام 2005م، وهذه الزيادة تتطلب من الفرق العاملة من جميع أنحاء دائرة التنقيب أن يؤدوا عملهم على أفضل مستوى. ويعمل فريق قسم تجميع البيانات الجيوفيزيائية مع مركز كمبيوتر التنقيب الذي يوفِّر القدرة الحاسوبية لمعالجة البيانات، وفي الواقع، تجرى جميع إجراءات المعالجة وتحليل البيانات داخليًا، حيث يقوم علماء الشركة بوضع خوارزميات خاصة بهم لحل تحديات معقدة متعلِّقة بالبيانات، ومع استمّرار تطور التقنية السيزمية، فإن قسم تجميع البيانات الجيوفيزيائية يضمن أن تظل أرامكو السعودية في الصدارة.

الاهتمام بالسلامة والبيئة

تعمل الطواقم السيزمية في جميع أنحاء المملكة، في مجموعة واسعة من التضاريس المختلفة، من الربع الخالي إلى البحر الأحمر، وكل ما يقع بينهما. ولكن هنالك خاصية واحدة ثابتة بغض النظر عن موقع العمل، لا تنازل عن السلامة، فهي التزامٌ صارمٌ بسياسات الصحة والسلامة والبيئة في أرامكو السعودية.

ولذلك، يُطلب من الطواقم تقديم خطط شاملة للصحة والسلامة والبيئة، للتحقق منها والموافقة عليها. وإلى جانب مديري طواقم أرامكو السعودية، تقوم فرق الصحة والسلامة والبيئة بزيارات للطواقم العشر بشكل دوري، وذلك للتأكد من الالتزام الصارم بالخطط، فالنظام ناجح ويأخذه الطاقم على محمل الجد أينما كانوا، حتى أنهم وصلوا في بعض الحالات إلى 8 ملايين ساعة عمل من دون وقوع إصابات مهدرة للوقت.

وإلى جانب السلامة، تُعد حماية البيئة الفطرية في طليعة اهتمام وأعمال أرامكو السعودية. لذلك كانت السلامة والبيئة من أبجديات أعمال المسح السيزمي، أيضًا. فقد تمّ التشديد على الطواقم العشرة العاملة في المسح السيزمي باتباع إجراءات قسم تجميع البيانات الجيوفيزيائية، وإجراءات معالجة مياه الصرف الصحي الصارمة من قبل أرامكو السعودية من خلال محطة معالجة مياه الصرف الصحي. وينبغي إعادة استخدام مياه شبكات الصرف الصحي والنفايات السائلة كماء للري أو استخدامه للحدّ من الغبار في المناطق غير المحظورة. كما يتم مراقبة عمليات نقل الصرف الصحي من نقطة التوليد إلى محطات معالجة مياه الصرف الصحي عن كثب، ويجب أن تتوافق مع قانون النفايات الخطرة لأرامكو السعودية.