تدرس مؤسسة النقد العربي السعودي “ساما” سن تشريع ووضع إجراءات جديدة لدفع شركات التأمين الأضعف إلى الاندماج مع الشركات الأقوى، لتعزيز القطاع، بعد توجّه لإيجاد عدد أقل من الفاعلين الأقوى في السوق، فيما طالب مختصون من مؤسسة النقد إيجاد كيانات واعدة وقادرة على المنافسة، مشيرين إلى أن تأثير اندماج شركات التأمين قد يحد من تنافسية السوق في ظل سيطرة عدد محدود من شركات التأمين على الحصة السوقية، وقالوا إن أهم مناحي مشكلة قطاع التأمين يتعلق بضعف الملاءة المالية لبعض شركات التأمين، هذا الضعف كان جلياً خلال الفترة الماضية ما تسبب في مشاكل في قطاع التأمين لا حصر لها.
قال المختص في قطاع التأمين د. عبدالوهاب الخميس: “قد أتفق جزئياً مع محافظ مؤسسة النقد من أن الاندماج الذي تشهده سوق التأمين أحد الخيارات المتاحة لدعم استمرارية شركات التأمين لكنه من مبدأ آخر العلاج الكي. كان بإمكان مؤسسة النقد إيجاد كيانات واعدة وقادرة على المنافسة لو كان رأس المال اللازم لتأسيس شركة تأمين مرتفعاً حسب ما تخبرنا به بعض الدراسات العلمية وواقع سوق التأمين لبعض الدول”.
وأضاف الخميس، أعتقد قبل الموافقة على اندماج شركات التأمين أن من المهم المحافظة على تنافسية السوق وجودة الخدمات المقدمة من قبل شركات التأمين، فالاندماج قد يؤدي إلى سيطرة عدد من شركات التأمين ما يحد من التنافسية في السوق. على المستوى الدولي التقارير تشير إلى انخفاض قيمة صفقات الاندماج والاستحواذ في قطاع التأمين 58 في المئة مقارنة بعام 2015 بينما نجد أن قيم الاستحواذ والاندماج في المنطقة العربية ارتفعت بنسبة 4 في المئة عام 2016 عما كانت عليه عام 2015.
وأكد الخميس أن أحد أهم مناحي مشكلة قطاع التأمين يتعلق بضعف الملاءة المالية لبعض شركات التأمين، هذا الضعف كان جلياً خلال الفترة الماضية ما تسبب في مشاكل في قطاع التأمين لا حصر لها. أتفهم وجود مبررات منطقية لمحدودية رأس المال اللازم لتأسيس شركة تأمين أو إعادة تأمين المقدر بـ 100 مليون ريال و200 مليون ريال لشركة إعادة التأمين قبل قرابة 14 عاماً لأنها كانت مرحلة تأسيسية لقطاع التأمين، لكن أعتقد أن مرحلة تأسيس وتشجيع الدخول في صناعة التأمين قد تجاوزناها خصوصاً أن حجم السوق في ارتفاع متواصل، لذا فنحن بحاجة إلى الانتقال لمرحلة التطوير وضبط جودة القطاع التأميني.
وأشار الخميس إلى أن الوجه الآخر من تأثير اندماج شركات التأمين أن هذا الاندماج قد يحد من تنافسية السوق في ظل سيطرة عدد محدود من شركات التأمين على الحصة السوقية. فوفقاً لواقع سوق التأمين السعودية فالاندماج قد يتسبب في احتكار لسوق تأمين من قبل عدد محدود من شركات التأمين. فمثلاً، يخبرنا التقرير الصادر من مجلس الضمان الصحي التعاوني عام 2015 عن سيطرة ثلاث شركات تأمين على 80 % من سوق التأمين الصحي السعودي، بمعنى أن ثلاث شركات تأمين صحي فقط استحوذت على 14 مليار ريال من القيمة السوقية للتأمين الصحي والمقدر بـ18 مليار ريال من أصل 36 مليارًا كقيمة سوق التأمين بشكل عام.
وبين أن أولوية المرحلة القادمة يفترض أن تكون إعادة النظر في شروط إصدار التراخيص الخاصة بطلب تأسيس شركات التأمين لأن مجمل الأسباب التي تعانيها شركات التأمين مرتبطة بملاءتها المالية، فضعف الملاءة المالية أدى إلى ضعف الاستثمار في الموارد البشرية المؤهلة ومن ثم تقديم منتجات تأمينية مميزة، رأس المال المطلوب لتأسيس شركة تأمين في حاجة إلى مراجعة، ودول كثير عززت من قطاع التأمين ورفع جودته عبر زيادة رأس المال المطلوب كأحد أهم شروط إعطاء تراخيص مزاولة نشاط التأمين، وهناك عديد من الدراسات العلمية التي تدعم سياسة رفع رأس المال كإحدى أهم وسائل ضبط جودة قطاع التأمين.
وأشار الخميس إلى أن سياسة أخرى يجب أن تعطى أولوية وهي سياسة تشجيع ودعم الاستثمار الأجنبي في قطاع التأمين خصوصاً أن شركات إعادة التأمين، وهي المؤثر القوي في القطاع غير وطنية. فمثلاً أعلى شركة من حيث القيمة السوقية في سوق التأمين الصحي هي في أساسها شركة تأمين غير وطنية، ولا شك أن دخول شركات تأمين عملاقة ولديها خبرة طويلة في صناعة التأمين سيسهم في رفع جودة القطاع وسيسهم في توطين صناعة التأمين.
من جهته أكد المختص بالتأمين رائد الحميد أن عمليات الاندماج بين الشركات تخضع لشروط وضوابط عدة تنظمها أنظمة الدولة المختلفة، وعمليات الاندماج بين شركات التأمين ليست بمعزل عن هذه الشروط والضوابط النظامية، ولا سيما بأنها شركات مساهمة عامة مدرجة في السوق المالية، فلا بد لشركات التأمين الراغبة بالاندماج الحصول على موافقة مؤسسة النقد العربي السعودي “ساما” أولاً بحكمها الجهة الرقابية والإشرافية على قطاع التأمين في المملكة، وتدرس ساما حالياً وضع إجراءات جديدة تُشجع شركات التأمين الأضعف في السوق إلى الاندماج مع الشركات الأقوى، مما يُعزز قطاع التأمين.
وقال الحميد: إن إندماج بعض شركات التأمين مع بعضها كان مطلباً ضرورياً من عدة سنوات وليس الآن، لكن أن تتخذ هذه الشركات قرارها بالاندماج الآن أفضل من اضطرارها لقفل أبوابها والخروج من السوق نهائياً نتيجة الخسائر المتراكمة التي بلغت في بعض هذه الشركات ما يزيد على خمسين بالمئة من رأس مالها المدفوع، مما قد يُعرض الشركة للانقضاء بقوة النظام في حال عدم تدارك الموقف بحكمة.