أفاد معهد المحاسبين القانونيين في إنجلترا وويلز ICAEW، في أحدث تقرير له (رؤى اقتصادية: الشرق الأوسط للربع الأخير 2017)، أن العديد من الاقتصادات في منطقة الشرق الأوسط، وبالتحديد اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي، تمضي بمرحلة انتقالية نحو «الوضع الطبيعي الجديد» في 2018، مما يسمح للإنفاق بالبدء في التعافي تدريجياً.
وبوجه عام، من المتوقع أن ينمو إجمالي الناتج المحلي لدول مجلس التعاون الخليجي من 0.3 % فقط في 2017 إلى 2.8 % العام المقبل، بالإضافة إلى تسارع من 1.4 % في 2017 إلى 3.2 % العام التالي على النطاق الأوسع لدول الشرق الأوسط. وتقول المؤسسة المتخصصة في المحاسبة والتمويل: إن هناك العديد من المخاطر التي لا تزال تعترض النمو في المنطقة، بما في ذلك المخاطر الناجمة عن المعضلات السياسية والأمنية.
ويوضح تقرير رؤى اقتصادية: الشرق الأوسط للربع الأخير 2017، والذي تم إعداده من قبل «أكسفورد إيكونوميكس» – شريك معهد المحاسبين القانونيين ICAEW والمتخصّص في التوقعات الاقتصادية، أن المالية العامة تبدو الآن على مسار أكثر استدامة في معظم الاقتصادات بدول مجلس التعاون الخليجي، وذلك بفضل ثلاثة عوامل رئيسية: ضريبة القيمة المُضافة المرتقبة؛ والتغيير الاجتماعي الهام في المملكة مع رفع الحظر على قيادة المرأة للسيارة؛ ونتيجة لفترة من التقشف الضروري التي شهدت تقنين الإنفاق بحوالي 20 % من 2015 إلى 2017 على مستوى دول المجلس.
ومع احتمال الحفاظ على خفض إنتاج النفط طوال 2018 وفقاً لاتفاق «أوبك – بلس»، والعكس من ذلك في 2019، من المتوقع أن يتعافى نمو إجمالي الناتج المحلي إلى حوالي 4 % في كل من دول مجلس التعاون الخليجي وبقية دول الشرق الأوسط على نطاق أوسع. وفي هذا السياق، نتوقع أن ينتعش إجمالي الناتج المحلي النفطي من انكماش بنسبة 2.3 % في 2017 إلى نمو بنسبة 1.7 % في 2018، ونحو نقطة مئوية واحدة أقوى في عام 2019. ومن المتوقع للنمو في القطاع غير النفطي بدول مجلس التعاون الخليجي أن يتعافى من 2.4 % في 2017 إلى 3.7 % في 2018، و4.7 % في العام التالي.
ويقول توم روجرز، المستشار الاقتصادي لمعهد المحاسبين القانونيين ICAEW، والمدير المساعد في مؤسسة «أكسفورد إيكونوميكس»: «من المرتقب أن تتحسّن آفاق النمو الاقتصادي في بلدان الشرق الأوسط، وخصوصاً دول مجلس التعاون الخليجي، خلال 2018 والأعوام التالية. لكن المخاطر السياسية والأمنية تبقى عالية، وقد تقوّض أو تؤخّـر التعافي في المنطقة».
المملكة على المسار الصحيح
سيكون 2018 عاماً رئيسياً للتحوّلات التي تشهدها المملكة في عدة اتجاهات. وللمرة الأولى، سيدفع المواطنون السعوديون ضريبة القيمة المضافة على السلع والخدمات التي يشترونها، وسيُسمح للمرأة بقيادة السيارة، وقد يتمكّن المستثمرون الخاصون (والأجانب) من امتلاك حصة في أرامكو السعودية.
إن المملكة على أعتاب مرحلة واعدة من التنويع الاقتصادي والتغيير الاجتماعي على مدى عقود من الزمن.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الزيادة المتوقعة لأسعار خام برنت إلى 55 دولاراً أميركياً في 2018، وارتفاعها بقيمة دولار أو اثنين في العام التالي، سوف يقدم بعض الدعم للإنفاق الحكومي والنمو. وفي هذا السياق، من المتوقع أن تلعب المملكة دوراً محورياً في ضمان تمديد اتفاق «أوبك – بلس» خلال اجتماع 30 نوفمبر.
وبعيداً عن قطاع النفط، لا تزال الظروف التجارية تتسم بالإيجابية نسبياً. وقد بدأت الودائع المصرفية الخاصة أيضاً في التعافي خلال أشهر الصيف، لتوفر بعض الدعم لقوة الإنفاق في 2018. وعلى نحو أكثر إيجابية، يمكن لخطط السماح للسيدات بقيادة السيارة أن توفر لبعض الأسر ما قيمته 1,000 دولار أميركي في الشهر – خاصة وأن السيدات يستخدمن سائقاً أو سيارة أجرة للذهاب إلى أماكن عملهن.
ومع ذلك، يبدو من غير المرجح أن يكون لرفع الحظر على قيادة المرأة للسيارة تأثير فوري على توظيف الإناث. فمع نسبة تبلغ 20 %، تعتبر مشاركة المرأة في قوى العمل منخفضة حتى حسب المعايير الإقليمية (تتصدر الإمارات العربية المتحدة الطليعة مع نسبة قدرها 42 %، مقارنة بحوالي 50-60 % في الدول الغربية)، وتهدف الحكومة إلى زيادة هذه النسبة إلى 30 % بحلول عام 2030. وللقيام بذلك، سوف تحتاج المملكة إلى تضييق الفجوة في توقعات الأجور بين العاملين السعوديين والمغتربين.
إن قرار ولي العهد بإعادة البلاد إلى «الإسلام الوسطي المعتدل والمنفتح على العالم»، وبالتصدي للفساد يشكّل خطوات إيجابية للغاية. وكذلك أيضاً المبادرتين البارزتين مؤخراً – منطقة سياحية رئيسية على ضفاف البحر الأحمر، ومدينة صناعية كبرى تشمل ثلاث دول (السعودية والأردن ومصر). وستعتمد كلتاهما بشكل كبير على الاستثمارات والخبرات الداخلية.
ويقول مايكل آرمسترونغ، المحاسب القانوني المعتمد والمدير الإقليمي لمعهد المحاسبين القانونيين ICAEW في الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب آسيا: «تسير المملكة في الاتجاه الصحيح فيما يتعلق بالإصلاحات الاقتصادية. ومن الواضح أن هناك زخماً متزايداً في المملكة وراء التحول نحو اقتصاد يحركه السوق. لكن هذا التحول سوف يستغرق بعض الوقت، وعلى مدى السنوات المقبلة سيظل الاقتصاد متأثراً بشكل كبير بمحركات النمو التقليدية – قطاع النفط، وأهمية الإنفاق الحكومي».
ومن المتوقع أن ينتعش اقتصاد المملكة من انكماش بنسبة 0.3 % في 2017 نتيجة انخفاض إنتاج النفط إلى حد كبير إلى نمو قياسي بنسبة 2.3 % في 2018. ومع عودة إنتاج النفط في 2019 إلى مستويات ما قبل التخفيض، من المتوقع أن ينمو إجمالي الناتج المحلي بنسبة 3.8 %. ولكن في غياب جهود الإصلاح الأكثر طموحاً خلال السنوات القليلة المقبلة، من المرجح أن يكون هذا هو الحد الأقصى للنمو.