بصلابة الصحراء وسخائها خرجت المملكة في حلةٍ جديدة تنبئ عن اقتصادٍ فتيٍ، استطاع التعاطي مع الأحداث والأزمات الخارجية باحترافية مالية، والإنفاق بسخاء على «المواطن» وكل القطاعات الخدمية التي تلامس احتياجه، فبحكمة «ملك» استطاعت المملكة أن تقف قوية على بداية الطريق الصحيح؛ لتصحيح الوضع الاقتصادي للمملكة ووضعه في أقوى حالاته المستقبلية بإذن الله.
عدد من مختصي وخبراء الاقتصاد أكدوا متانة الاقتصاد الوطني، وتنوّع أدواته العاملة على تطويره يرافقه إنفاق واهتمام سخي بـ «المواطن»، كذلك البنى التحتية والقطاعات الأخرى الأساسية في اقتصاد المملكة.
في ذات الشأن قال أستاذ الإدارة الإستراتيجية وتنمية الموارد البشرية الدكتور عبدالوهاب القحطاني: عكست أرقام الميزانية المعلنة صلابة اقتصاد المملكة في ظل الأزمات المتتالية إقليمياً، فالصرف بسخاء على البنى التحتية والقطاعات الأساسية في الاقتصاد الوطني كالخدمات والدفاع والأمن إنما يدل على قوة الاقتصاد الوطني المبشّر بالخير.
وأوضح الدكتور القحطاني أن المملكة تمتلك النية في السير بتوقعات متدنية لأسعار النفط أي أنها أنشأت نوعاً من الحصانة ضد صدمات الأسواق العالمية التي ربما تلامس مؤشرات الأسعار خلال المستقبل.
من جهته قال رئيس المعهد الدولي للطاقة والبيئة والتوقعات الإستراتيجية الدكتور راشد أبانمي: الكل ينظر بفخر واعتزاز للإدارة المالية بالمملكة، فتوجهها الحالي هو تخفيض الاعتماد على النفط كمصدر دخل، وقد وضعت السياسة المالية للمملكة في الميزانية المعلنة للعام 1439 – 1440 أسعار النفط عند مؤشرات متدنية، وغالباً ما يتم ذلك من خلال القراءة الفاحصة لمستويات هذه الأسعار خلال الفترات الماضية، فعندما تطلق المملكة على مستويات الـ 50 دولاراً تقريباً مصطلح المتدني فذلك يشير إلى المقارنة مع الفترات الماضية.
وتابع بقوله كان إنتاج المملكة سابقاً أقل من الإنتاج الحالي والأسعار حينذاك أقل بكثير ولم تكن هنالك أي مشاكل، إنما العقبات تتمثل في اعتياد الدول المنتجة للنفط على المداخيل الكبيرة من النفط لمدة من الزمن ولكن السؤال الوجيه حالياً هو هل متوسط الأسعار الحالية يعدّ متدنيا بالنسبة للمملكة بغضّ النظر عن الدول الأخرى متوسط الأسعار الحالية لا يعدّ متدنياً؛ كون إنتاج المملكة عاليا والأسعار ضمن حدود الـ 60 دولاراً، فالإنتاج الحالي للمملكة قرابة الـ 9.5 ملايين برميل يومياً يصدّر منه 7 ملايين برميل يومياً و2 مليون برميل تستهلك داخلياً بأسعار شبه عالمية، وبذلك يتم بيع جملة الإنتاج بأسعار عالمية تقريباً أي بعوائد مجزية للاقتصاد الوطني، فمتوسط الأسعار الحالية يعدّ غير متدنٍ.
وذكر أن أرقام الميزانية عكست احترافية التعامل مع صدمات أسعار النفط، ومن المعلوم أن المملكة لديها التزامات كبيرة وكثيرة كتوسعة الحرمين الشريفين -شرفهما الله- ومشاريع التنمية الأخرى بمختلف المدن، وما نراه الآن هو توجّه حقيقي نحو الاتزان، لا سيمّا أن قرابة الـ 30 عاماً الماضية شهدت نوعاً من التراخي في المصروفات وهو الأمر الذي حدا الاقتصاد الوطني بالتوجه نحو التصحيح الفعلي، وهي فترة زمنية تحتاج إلى الوقت الزمني الكافي مقروناً بالترشيد قد تصل لدورة اقتصادية واحدة (خمس سنوات) على وجه التقريب.
من جهتها قالت شركة جدوى للاستثمار إن ميزانية هذا العام تدعم الأهداف الكلية لرؤية المملكة 2030، مع تركيز قوي على دعم تنويع الاقتصاد، وحماية الأسر ذات الدخل الضعيف من الزيادة الضرورية في أسعار الطاقة، والإنفاق على البنيات التحتية الأساسية المادية والاجتماعية.
وأشارت في تقرير أصدرته حول ميزانية المملكة للعام 2018 إلى أن بنود الميزانية تؤكد التزام الحكومة المتواصل بالمحافظة على مستوى مرتفع من الإنفاق؛ حيث واصلت الحكومة دعمها للاقتصاد بإقرارها ميزانية للعام 2018 تضمنت أعلى مستوى من المصروفات التقديرية على الإطلاق، بلغ حجمها 978 مليار ريال، مقارنة بإنفاق بقيمة 890 مليار ريال في ميزانية عام 2017، وبناءً على إيرادات تبلغ 783 مليار ريال.
وتوقعت جدوى أن لا تتجاوز إصدارات الدين 117 مليار ريال في عام 2018، والتي ستؤدي، بافتراض عدم تسديد أي مبالغ، إلى ارتفاع الدين العام في نهاية عام 2018 إلى نحو 555 مليار ريال أي ما يعادل 19 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بـ 438 مليار ريال في نهاية عام 2017.
وأضافت أنه رغم أن الصرف في ميزانية عام 2018 شمل جميع القطاعات، إلا أن أولويات الصرف جاءت متسقة مع الأولويات في الأعوام القليلة الماضية، حيث شكلت مخصصات قطاع الخدمات العسكرية والأمنية، وقطاع التعليم، وقطاع الصحة والشؤون الاجتماعية، وقطاع الموارد الاقتصادية نسبة 77 بالمئة من إجمالي المخصصات.
وقالت شركة جدوى في تقريرها إن تخصيص مبلغ 205 مليارات ريال كإنفاق رأسمالي خلال عام 2018، مقارنة بمبلغ 180 مليار ريال خصصت عام 2017 يكشف عزم الحكومة المتجدد على دعم النمو في القطاع الخاص.
من ناحية أخرى، ارتفع النمو السنوي في الإيرادات غير النفطية بنسبة 38 بالمئة، على أساس سنوي، عام 2017، ويعود ذلك بالدرجة الأولى إلى الزيادة السنوية الكبيرة في الضرائب على السلع والخدمات، وبيع بعض الأصول الحكومية، وكذلك زيادة الدخل الاستثماري، وجاءت الإيرادات النفطية الحكومية الفعلية، والتي بلغت 440 مليار ريال، أقل من الإيرادات المقدرة في الميزانية والتي كانت عند 480 مليار ريال. ويبدو أن هذا الأمر ناتج عن تغيير في معدل الضريبة، بموجب مرسوم ملكي صدر في مارس 2017.
كذلك كشفت الميزانية عن تقديراتها للإيرادات والمصروفات حتى عام 2023، حيث يتوقع أن تنخفض الإيرادات النفطية كنسبة من إجمالي الإيرادات، من 58 بالمئة عام 2017 إلى 42 بالمئة عام 2023. وفي جانب المصروفات، يتوقع أن تشهد المملكة ميزانيات توسعية حتى عام 2023، بحيث تبلغ 1,34 تريليون ريال عام 2023. لكن، ووفقاً لبيان الميزانية، لن يسمح لمعدل الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي بأن يزيد بأكثر من 25 بالمئة فوق مرحلة التوازن، مما يعني، وفقاً لتقديراتنا، استطاعت المملكة بأن تراكم ما يقارب 800 مليار ريال من الديون بحلول عام 2023.