بناء على ما تضمنته ميزانية المملكة 2018، التي تشمل أعلى معدل إنفاق بحجم 978 مليار ريال، تطابقت توقعات معظم التقارير الاقتصادية حول تحسن ملموس سيشهده الاقتصاد السعودي خلال العام القادم بدعم من كلا القطاعين النفطي وغير النفطي، في ظل توقعات بارتفاع الإيرادات النفطية بنسبة قد تصل إلى 11،8 % مقارنة بما كانت عليه في 2017، والتوسع الكبير في ميزانية تحفيز القطاع غير النفطي عبر إنفاق سخي من طرف صندوق الاستثمارات العامة وصناديق التنمية المحفزة للقطاع غير النفطي وذلك على وجه الخصوص لفئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وهو ما سيسهم في الحد من تأثير ارتفاع معدل التضخم المتوقع وتراجع الإنفاق الاستهلاكي جراء ضريبة القيمة المضافة وتعديل أسعار الطاقة.

دعم النمو الإيجابي للقطاع غير النفطي

وتوقع تقرير صادر عن جدوى الاستثمار حدوث تحسن في الاقتصاد العام القادم، مدعوماً بالقطاعين النفطي وغير النفطي وأن يسجل الناتج المحلي الإجمالي لقطاع النفط تحسناً، لزيادة الإنتاج النفطي مع الخروج التدريجي لدول أوبك والمنتجين الآخرين المستقلين من اتفاقية خفض الإنتاج. كذلك، يتوقع أن يتحسن النمو في القطاع غير النفطي نتيجة للميزانية التوسعية، حيث ينتظر أن تؤدي مجموعة مختارة من حزم التحفيز إلى إنعاش النشاط.

ونبه جدوى الاستثمار إلى مخاطر ربما تؤدي إلى جعل النمو الفعلي يأتي أقل من توقعاتها فالإنفاق الاستهلاكي ربما يتأثر سلباً بتطبيق ضريبة القيمة المضافة، وإن كان هذا التأثير سيتم تخفيفه من خلال الدعم عبر حساب المواطن، ورغم أن هذا الدعم سيوفر حماية لمعظم الأسر محدودة الدخل، لكن المزيد من الأسر الغنية ستتحمل تكاليف مرتفعة بسبب زيادة تعرفة الكهرباء، من ناحية أخرى، ستؤدي زيادة رسوم” المرافقين “إلى الضغط على أسر الأجانب، كما سيشهد القطاع الخاص زيادة التكاليف المرتبطة بتطبيق رسوم العمالة الأجنبية، علاوة على ذلك، ورغم عدم تطبيق أي زيادة أخرى على منتجات الطاقة حتى الآن، إلا أن وزارة الطاقة أعلنت أن التعديلات على أسعار الطاقة سيتم تحديدها في الربع الأول لعام 2018. وسيتحدد مدى تأثير رفع أسعار الطاقة على التكاليف التشغيلية لشركات القطاع الخاص وكذلك الدخل المتاح للإنفاق للأسر، بناءً على ما هي أسعار الطاقة التي سيتم رفعها وبأي قدر سيتم رفعها.

واعتبرت جدوى للاستثمار أن الإنفاق الحكومي عام 2018 سيكون كافياً لمواصلة دعم النمو الإيجابي للقطاع غير النفطي إضافة إلى ذلك، ستؤدي حزمة التحفيز المستهدف والتي تركز على المنشآت الصغيرة والمتوسطة، والإسكان، والتشييد، ونمو الصادرات، وبعض المبادرات الأخرى، إلى تعزيز النمو في القطاع الخاص. وبالمجمل، فإن الميزانية التوسعية ستكون قادرة على حماية الاقتصاد من التأثيرات السلبية المحتملة للإجراءات المرتقبة، مثل: ضريبة القيمة المضافة، وزيادة رسوم المرافقين، وتطبيق رسوم على العمالة الوافدة، وإصلاح أسعار الطاقة.

ارتفاع معدل التضخم

كما توقعت جدوى للاستثمار، أن يرتفع معدل التضخم بدرجة كبيرة عام 2018 نتيجة لتضافر عاملين هما؛ تطبيق ضريبة القيمة المضافة وتعديل أسعار الطاقة. فيما يتصل بضريبة القيمة المضافة، يتوقع أن يأتي تأثير ضريبة الـ 5 بالمئة متبايناً وسط مكونات مؤشر تكلفة المعيشة. أما بالنسبة للطاقة، فقد تم بالفعل الإعلان عن زيادة في تعرفة الكهرباء، حيث تقرر زيادة التعرفة على القطاعات السكنية، والتجارية، والزراعية، والصحية، والتعليم الخاص، والمؤسسات الخيرية، ابتداءً من أول يناير 2018م، وأكدت أنه رغم توقعاتنا بأن يرتفع التضخم إلى 5,2 بالمئة عام 2018، لكن هذا الرقم ربما يتم تعديله بمجرد الكشف عن بقية بنود إصلاح أسعار الطاقة خلال الربع الأول للعام 2018م.

سياسة توسعية

بدوره توقع تقرير للراجحي المالية أن التحفيز المالي الكبير الذي تضمنته موازنة المملكة 2018، سيدعم النمو وأن الموازنة تلبي احتياجات الاقتصاد، ولازالت تسير في اتجاه خفض العجز المالي، وأن التقديرات تشير إلى أن الإيرادات غير النفطية ستنمو بمعدل جيد في المستقبل منسجمة مع أهداف رؤية المملكة 2030م، وبرنامج التحول الوطني، كما أن الموازنة ستمكن الاقتصاد من تجاوز سلبيات فترة الإصلاحات وتبعات فرض ضريبة القيمة المضافة ورسوم الأجانب وزيادة أسعار الكهرباء والطاقة والمياه وما تحمله تلك الإصلاحات من تحديات تجاه شركات قطاع المستهلكين والمنشآت الصغيرة والمتوسطة مما يؤدي إلى عودة للنمو إلى أوضاعه السابقة إذ تشير التقديرات إلى نمو الناتج المحلي الحقيقي بنسبة 2،7 % لعام 2018م.

وأشار تقرير الراجحي المالية إلى توقع سياسة توسعية وارتفاع في حجم الإنفاق في الميزانية بأرقام مطلقة يدعمه إنفاق صندوق الاستثمارات العامة وصناديق التنمية الوطنية التي تعزز الإيراد غير النفطية يدعمها في ذلك ارتفاع العوائد النفطية وغير النفطية وهو ما سيؤدي إلى انتعاش نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لعام 2018 ومعالجة التحديات الاقتصادية المتمثلة في كفاءة الطاقة والإسكان والبطالة.

وأشار تقرير الراجحي المالية إلى عدد من العوامل التي ستسهم في دعم نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي خلال العام 2018 والسنوات القليلة القادمة مثل ارتفاع معدل إنفاق المستهلكين في الاقتصاد نظراً لحصول أعداد أكبر من المواطنين على وظائف رسمية وما لذلك من أثر مضاعف وتحسن كفاءة الإنفاق الحكومي نتيجة للعديد من عمليات الترشيد خلال العامين المنصرمين، إضافة إلى قدرة الحكومة على المحافظة على وضعية سياستها المالية التوسعية في المستقبل نظراً لتوفر المجال لديها لزيادة نسبة الاقتراض سنوياً بدون محاذير تجاوز السقف المحدد وأيضاً إمكانية تسييل أصول تبلغ قيمتها 100 مليار دولار وهو إجراء يساعد عند الحاجة إليه على تحقيق إيرادات إضافية يمكن استخدامها لزيادة الإنفاق الحكومي.

الإنفاق الرأسمالي والاستثماري التوسعي

كما أكد العديد من الاقتصاديين والمحللين الماليين أن ما تضمنه بيان إعلان الميزانية من تشديد على الاهتمام بالإنفاق الرأسمالي والاستثماري التوسعي سيعطي دفعة تحفيزية قوية للقطاع الخاص بالمملكة للإسهام بقوة في الناتج المحلي العام خلال العام القادم وما بعده، وأشروا إلى عدد من المؤشرات التي تضمنها إعلان الميزانية ومن تلك المؤشرات الالتزام بتواصل الصرف على القطاعات التنموية المختلفة في جميع مناطق المملكة بمعدلات مرتفعة والتأكيد على إطلاق اثني عشر برنامجاً لتحقيق أهداف الرؤية في تنويع القاعدة الاقتصادية، وتمكين القطاع الخاص من القيام بدور أكبر مع المحافظة على كفاءة الإنفاق والإشادة بما تحقق من خفض في عجز الميزانية للعام المالي الحالي بنسبة تجاوزت ( 25 % ) مقارنة بالعام المالي الماضي رغم ارتفاع الإنفاق والتشديد على النية لخفض العجز في ميزانية العام القادم ليكون أقل من ( 8 % ) من الناتج المحلي الإجمالي رغم الحجم الكبير والتوسعي في الميزانية والإشارة إلى مشاركة الصناديق التنموية وصندوق الاستثمارات العامة في الإنفاق الرأسمالي والاستثماري بما يزيد عن حجم الإنفاق الرأسمالي من الميزانية في السنوات السابقة بالإضافة إلى استمرار الحكومة في الإنفاق الرأسمالي وزيادته بنسبة 13 % ،إضافة إلى التأكيد أيضا على تخصيص مبالغ أكبر من السابق لعدد من القطاعات التي تمس المواطنين ومنها الإسكان والتعليم والصحة، وكذلك مواصلة جهود تشجيع وتيسير إجراءات الاستثمار في المملكة، وتحسين مستوى الخدمات الحكومية، وتنفيذ المشروعات في قطاعات التشييد والبناء والسياحة والثقافة والترفيه، بالإضافة إلى تنفيذ برامج للخصخصة التي من المتوقع أن تتيح فرصاً جديدة لنمو الاستثمار الخاص وتوليد مزيد من فرص العمل، والعمل على تطوير إطار ونظام للشراكة بين القطاعين العام والخاص.