في تباين للمرة الثانية رفضت هيئة الخبراء تعديلات مجلس الشورى الذي قرر تعديل مواد نظام العمل وخفض ساعاته للموظف في القطاع الخاص ومنحه إجازة يومين أسبوعياً، حينما صوت الأعضاء بالأغلبية على أنه لا يجوز تشغيل العامل تشغيلاً فعلياً أكثر من 40 ساعة في الأسبوع، وبما لا يزيد على ثماني ساعات يومياً، وخفض ساعات العمل الفعلية خلال شهر رمضان للمسلمين، بحيث لا تزيد على ست ساعات في اليوم، أو 36 ساعة في الأسبوع، وتمسك المجلس بتعديل المادة 98 من نظام العمل وصوت بالأغلبية مجدداً في 23 ربيع الثاني عام 1437، ورفع قراره إلى خادم الحرمين الشريفين قبل نحو عامين، بعد مناقشة تقرير لجنة الإدارة والموارد البشرية في الشورى والأخذ برأيها ومبرراتها بشأن خفض ساعات العمل ومنح إجازة يومين للموظف، كما رد على مبررات الغرف التجارية والمحذرين من خفض ساعات العمل والمعارضين لمنح اليومين، وهو القرار الذي استبشر بها أكثر من مليوني سعودي يعملون في هذا القطاع، وكانوا يترقبون موافقة مجلس الوزراء على ذلك.
بهذه التعديلات التي انتهت منها هيئة الخبراء وينتظر مناقشتها تحت قبة الشورى في جلسة قريبة ظهر هناك اتجاه مختلف بعد انتظار طال على حسم التباين بين مجلس الشورى والوزراء بشأن خفض ساعات العمل ومنح إجازة يومين للعامل في القطاع الخاص، وقد كشف تقرير انتهاء الهيئة من تعديلات جديدة درستها مؤخراً تسير باتجاه إعادة الحال إلى نظام العمل المقر في 23 شعبان عام1426 وتشغيل العامل 48 ساعة في الأسبوع، مع إضافة فقرة للمادة 98 تعطي مجلس الوزراء حق خفض ساعات الحد الأقصى لساعات العمل لبعض الأنشطة على ألا تقل عن 40 ساعة في الأسبوع.
وألغت التعديلات المقترحة إجازة اليومين التي أقرها مجلس الشورى ضمن تعديل المادة 104 من نظام العمل حينما أكد أن العامل يستحق يومي راحة في الأسبوع بأجر كامل يكون أحدهما الجمعة، فجاء النص الجديد المقترح ليعيد النص السابق لهذه المادة ليكون” يوم الجمعة هو يوم الراحة لجميع العمال” واقترحت هيئة الخبراء إضافة فقرة تنص على أن لمجلس الوزراء زيادة يوم راحة أسبوعية للعاملين في الأنشطة التي يحددها، وشملت التعديلات المقترحة زيادة ساعات العمل على ثماني ساعات في اليوم و48 ساعة في الأسبوع، وعارضت بذلك تعديل مجلس الشورى الذي اشترط ألا تزيد ساعات العمل الأسبوعية على 45 في المنشآت التي تقتضي طبيعة العمل فيها أداء العمل بالتناوب، وأعطت التعديلات الجديدة المقترحة الصلاحية لمجلس الوزراء لتحديد متوسط ساعات العمل اليومية أو الأسبوعية في حال تخفيضه لها عن ثماني ساعات يومياً و48 أسبوعياً.
وتابعت مصادر التعديلات المقترحة، وحصلت على تقرير للجنة الشؤون الاجتماعية والأسرة والشباب التي أصبحت المعنية بدراسة ما يخص أنظمة العمل ووزارته بدلاً من لجنة الإدارة والموارد البشرية، وقد أيَّدت اللجنة التعديلات الواردة من الحكومية ـ هيئة الخبراء بمجلس الوزراء ـ وأظهرت قناعتها بمبررات مجلس الغرف السعودية التي رفعتها إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، والآثار السلبية التي قد يترتب عليها تخفيض ساعات العمل وإعطاء راحة لجميع العاملين الخاضعين لنظام العمل، ومن ذلك أن العمالة الوافدة في القطاع الخاص -تسعة ملايين عامل- يعملون جلهم في القطاعات الإنشائية والتشغيل والصيانة والخدمات الاجتماعية والشخصية والزراعة، الأمر الذي يجعلهم المستفيد الأكبر من أي مزية يوفرها لهم نظام العمل، وكذلك ما ستحصل عليه العمالة -بما تمثله من أعداد- من مكاسب تتمثل في استحقاقها لأجر يوم وفق عقود عملها لا تعمل خلاله بموجب ما سيطبق من التعديلات النظامية على ساعات العمل وأيام الراحة الأسبوعية مما يزيد تكاليف هذه العمالة وينعكس على تكاليف السلع والخدمات التي يقدمها القطاع.
ومن الآثار السلبية التي أوردها مجلس الغرف السعودية، وجود فراغ زمني لتلك العمالة الوافدة قد يدفعها لممارسة العمل بطريقة غير نظامية مما يزيد الأعباء على الجهات الرقابية فضلاً عن أثره في ارتفاع الأجور ومستحقات العمالة الوافدة بنسبة 30 % لتكليفها بالعمل الإضافي لتصل حوالي 37 مليار ريال سنوياً -بحساب متوسط أجور العمالة حسب متوسطات وزارة العمل- إضافة إلى ما سيحصل من تأخير وتعثر إنجاز المشروعات الحكومية خاصة التنموية الكبرى نتيجة خفض أيام العمل وعدد ساعاته، وأيضاً زيادة تكاليف ساعات العمل الإضافية وانعكاس ذلك على تكاليف المشروعات.
وتطرق مجلس الغرف السعودية لوضع سوق العمل الراهن في المملكة، مستنداً على إحصائية قبل نحو أربع سنوات، وأوضح أن الوظائف والأنشطة الاقتصادية التي تشغلها العمالة الوافدة لا يقبل بها طالبو العمل من المواطنين، مشيراً إلى أن نسبة العمالة الوطنية المتعطلة عام 1434 حوالي 629 ألف فرد يمثل الذكور منهم 42 % فيما الإناث 57 %، ويمثل خريجو الجامعات من التخصصات النظرية من الجنسين47 % من مجموع العاطلين، ويليهم خريجو الثانوية العامة بنسبة 35 %، مما يعكس حسب رأي مجلس الغرف محدودية تلك الأعداد وقدرتها على ملء الوظائف المذكورة.
وخلصت لجنة الشؤون الاجتماعية والأسرة والشباب إلى إمكانية تلافي هذه الآثار السلبية لتخفيض ساعات العمل من خلال تعديل المواد (98،100،104) من نظام العمل بحيث تضاف أحكام إليه تقضي بإعطاء مجلس الوزراء صلاحية تخفيض ساعات العمل إلى ما لا يقل عن 40 ساعة في الأسبوع، وكذلك زيادة يوم راحة بأجر كامل للعاملين في الأنشطة المستهدفة بالتوطين، وأكدت في تقريرها المدرج للمناقشة تحت قبة الشورى في جلسة غير بعيدة أن التعديل المقترح سيقتصر على إعطاء مجلس الوزراء تلك الصلاحية التي له ممارستها على الأنشطة المذكورة مع الإبقاء على الحد الأعلى لساعات العمل التي لا يجوز تشغيل العامل بالزيادة عليها بحسب ما هو معمول به حالياً في الأنشطة الأخرى بما في ذلك يوم الراحة الأسبوعية، ورأت اللجنة مناسبة الأخذ برأي الحكومة بعد أن وضعت تعديلاً يتم بموجبه إعطاء مجلس الوزراء صلاحية تخفيض ساعات العمل إلى ما لا يقل عن 40 ساعة في الأسبوع، مشيرةً إلى أنها تتوافق مع رؤية المملكة وبرامجها التنفيذية.
وخالفت لجنة الشؤون الاجتماعية بتوصياتها الجديدة الرأي السابق للشورى وجاءت مغايرة لرأي لجنة الإدارة والموارد البشرية التي نجحت مرتين متتاليتين في إقناع مجلس الشورى بالموافقة على منح إجازة العاملين في القطاع الخاص يومين في الأسبوع وخفض ساعات العمل إلى 40 ساعة أسبوعياً في الثالث عشر من ربيع الثاني عام 1435، ثم جددت اللجنة تمسكها بقرارها، وأيَّدها المجلس بأغلبية الأصوات بعد حسم تباين مجلس الوزراء والشورى في 23 ربيع الثاني عام 1437، موضحاً حينها أن مواد العمل محل النقاش سبق وأن عرضت على الشورى للتصويت عليها مرتين، وفي كلتا المرتين رأى المجلس ضرورة تخفيض ساعات العمل من 48 ساعة أسبوعياً إلى 40 ساعة على ألا تزيد ساعات العمل اليومية عن ثماني ساعات، كما رفض الأخذ بمقترح العمل 45 ساعة في الأسبوع مع إجازة يومين و9 ساعات عمل يومية.
ولم تقتنع لجنة الموارد البشرية بمبررات مجلس الغرف وغرفة الرياض بالإبقاء على ساعات العمل 48 ساعة مع إجازة يوم واحد في الأسبوع، مؤكدةً وجوب الحفاظ على تعديلاتها على مواد نظام العمل 98،100،104 وأن أي تراجع عنها يضعف من قوة النظام الجديد في جذب العامل على حساب تعديلات أخرى تجعل النظام أكثر جذباً للمستثمر وصاحب العمل، موضحة أن تعديل المواد السابقة كان في سياق مجموعة واسعة من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والإدارية والقانونية والإجرائية التي تهدف إلى تنويع بنية الاقتصاد السعودي وتهيئته للتحول إلى الاقتصاد المعرفي وتحسين مقومات تنافسية الاقتصاد السعودي، وزيادة قدرة الشركات الوطنية على جذب المواطنين للعمل فيها بدلاً من القطاع العام.