تطور متسارع شهدته البنية الهيكلية للسوق المالية السعودية، ضمن خطط شاملة للوصول لبرنامج التحول لوطني ورؤية 2030 ، بدأتها المملكة من خلال تنفيذ حزمة من الإصلاحات الاقتصادية والبرامج، التي كان لها الأثر الإيجابي على السوق، ومن بينها برنامج حساب المواطن، والتوسّع في الإنفاق الحكومي، بالإضافة إلى ارتفاع مستوى التزامها بعقودها وخططها مما يساعد الشركات على التخطيط بشكل أفضل، وغيرها من الإصلاحات التي ظهر أثرها جلياً على سداد مستحقات القطاع الخاص، وانخفاض مستويات الفرق بين الإنفاق المخطط له والحقيقي في ميزانية العام الفائت، وكذلك من جدولة برنامج الإصلاحات الحكومية بالرغم من التحديات المتوقعة التي تواجه عملية التطبيق.

وشهد الوضع الاقتصادي السعودي تحسناً خلال العامين الماضيين. إذ ارتفعت أسعار النفط بحوالي 30 % خلال الستة أشهر الماضية، مما أعطى الحكومة الفسحة اللازمة للتوسع في الإنفاق عبر تخفيض وتيرة الإقراض والسحب من الاحتياطات، وسيشهد السوق السعودي خلال العام الحالي طرح 5 % من شركة أرامكو للاكتتاب العام، وهو الأمر الذي يرى فيه المختصون بأن نفعها سيعود على السوق السعودي، وعلى الشركات السعودية والاقتصاد ككل، وسيفتح الكثير من الفرص لتنويع مصادر الدخل سواء من خلال الشراكة في شركات ضخمة وناشئة في قطاعات متنوعة داخلياً وخارجياً.

الإصلاحات الأخيرة

وفي هذا الاتجاه يرى الاقتصادي عائذ المبارك من جامعة الملك فيصل حول مستقبل السوق المالي في ضوء الإصلاحات الأخيرة بأنه لا يمكن رسم صورة واضحة لما قد يكون عليه شكل السوق في المستقبل لكثرة المتغيرات المتداخلة والتي يصعب التنبؤ بها، لكن هناك عدة إصلاحات يمكن أن تؤثر على السوق المالية، بعضها تم تطبيقه والبعض الآخر سيتم تطبيقه، حيث تم إقرار ضريبة القيمة المضافة، ورفع رسوم الطاقة والمياه، والاستمرار في الوتيرة المتصاعدة لرسوم العمالة، وهذه الإجراءات من شأنها أن تؤثر سلباً على أداء الشركات بنسب متفاوتة.

من ناحية أخرى، بدأت الحكومة في تنفيذ حزمة من البرامج ذات الأثر الإيجابي على السوق مثل برنامج حساب المواطن، والتوسّع في الإنفاق الحكومي، بالإضافة إلى ارتفاع مستوى التزامها بعقودها وخططها مما يساعد الشركات على التخطيط بشكل أفضل، ويمكن ملاحظة ذلك من سداد مستحقات القطاع الخاص، وانخفاض مستويات الفرق بين الإنفاق المخطط له والحقيقي في ميزانية العام الفائت، وكذلك من جدولة برنامج الإصلاحات الحكومية بالرغم من التحديات المتوقعة التي تواجه عملية التطبيق.

ولعله من الضروري ملاحظة أن الإصلاحات الاقتصادية ستؤثر على الشركات بأشكال واتجاهات مختلفة؛ فالقطاعات التي تعتمد في جزء من إيراداتها على الوافدين ومرافقيهم قد تتأثر سلباً برسوم الوافدين، أما بسبب انخفاض أعدادهم أو بسبب انخفاض قدرتهم الشرائية، فيما قد تستفيد القطاعات التي تعتمد في مبيعاتها على المواطنين بافتراض ارتفاع معدلات توظيف المواطنين وتحسّن قدرتهم الشرائية مع ثبات بقية العوامل، أما الشركات التي تعتمد على الطاقة في توليد إيراداتها، فإنها قد تواجه تحديات كبيرة إذا تم تنفيذ جميع الإصلاحات المخططة. فيما قد تتمكن قطاعات مثل التأمين من تحسين أدائها عند خصخصة بعض الأنشطة الحكومية.

أرامكو والأثر على السوق

وقال المبارك: النتيجة المالية لطرح الشركات في الأسواق المالية هي انتقال الأموال من المستثمرين إلى ملّاك الشركة، وفي حالة أرامكو فإن المالك هو الحكومة، ولذلك، فإن الأثر على السوق يعتمد على عوامل منها مصدر هذه الأموال، وحجمها، وكيفية استخدامها، وهذه المعلومات ليست متوفرة حالياً، ولذلك فإنه من الصعب معرفة أثر الطرح على السوق في الوقت الراهن، ولكن على سبيل المثال، إذا كانت هذه الأموال ستأتي من المستثمر المحلي وكانت قيمة الطرح مرتفعة جدًا، فإن هناك قلقاً من أن يتسبب الطرح بسحب مبالغ كبيرة من السوق. ومن المتوقع أن تقوم الجهات المختصة بدراسة هذا الجانب من الطرح.

تأثير الوضع الاقتصادي الحالي

وأوضح المبارك: أن الوضع الاقتصادي يشير إلى وجود تحسّن مقارنة بمستويات العامين الماضيين. إذ ارتفعت أسعار النفط بحوالي 30 % خلال الستة أشهر الماضية، مما أعطى الحكومة الفسحة اللازمة للتوسع في الإنفاق عبر تخفيض وتيرة الاقتراض والسحب من الاحتياطات. في هذا السياق، أعلنت الحكومة عن مستويات إنفاق جيدة من خلال أكبر ميزانية مخططة بزيادة تبلغ 5.6 % في الإنفاق ليصل إلى 978 ملياراً، بالإضافة إلى ضخ صندوق الاستثمارات ومؤسسات الاقتراض المتخصصة لأكثر من 100 مليار في شكل استثمارات وقروض، وإلى الإنفاق الناتج عن الأوامر الملكية الأخيرة.

على مستوى السوق المالية، فإن هناك عدة عوامل داخلية وخارجية ستؤثر على الشركات بأشكال مختلفة. فقد يستفيد قطاع البتروكيماويات من الارتفاعات الأخيرة في أسعار النفط وتحسن الوضع الاقتصادي العالمي، وهو ما شاهدناه عندما ارتفع مؤشر «أرقام للبتروكيماويات» بـ 20 % خلال الستة أشهر الماضية. من جانب آخر، فإن القطاع ما زال يراقب إمكانية رفع أسعار الطاقة وآثارها عليه. وفي قطاعات أخرى، فإن الأوامر الملكية الأخيرة سيكون لها أثر إيجابي عبر تخفيف آثار الإصلاحات الاقتصادية على المواطنين والمحافظة على وتيرة الاستهلاك الخاص. أما القطاع البنكي، فإنه قد يستفيد من رفع معدلات الفائدة على الدولار بسبب معدلات النمو الجيدة في أميركا.

واختتم قائلاً من الصعب الحكم على الأثر الكامل للوضع الاقتصادي وعملية الإصلاح الاقتصادي على السوق. نستطيع فقط التنبؤ بآثار بعض العوامل على بعض القطاعات. إلا أن الواضح أن المرحلة الحالية تمثل منعطفاً يحتوي في طياته على التحديات والفرص.

فرص وتحديات

من جانبه المؤسس والرئيس التنفيذي لدار الاندماج والاستحواذ «ماندا».. أحمد المنيفي: لا شك بأن سوق رأس المال في المملكة يمر بمرحلة تطور متسارع لعدة أسباب تتماشى مع التحول الاقتصادي الشامل الذي نعيشه للوصول لرؤية 2030. وهنا أود أن أشير إلى الدور الكبير الذي تقوم به هيئة سوق المال من مبادرات مهمة تم تطبيقها بالرغم من التحديات.

وقال المنيفي في رأيي من أهم التحديات أو الفرص حقيقة هو توطيد ثقافة الإفصاح والشفافية لجعل السوق المالية جذابة ليست على المستوى المحلي بل لنتعداه، ونصل للمستوى الدولي.. فما المانع من إدراج شركات عالمية مستقبلاً في تداول إذا استطعنا أن نخلق بيئة يطمئن لها كافة فئات المستثمرين.

وأردف: لا شك أن الطريق طويلة للوصول للمرحلة النموذجية لكن كل شيء تقريباً يبدأ بخطوة، وما نراه الآن يبشر بالخير فقط نحتاج قليلاً من الإيجابية والتحلي بالصبر وسماع وجهات النظر الأخرى.

السوق المالية سبيل الاستثمارات

من جهته قال المحلل الاقتصادي عضو جمعية أكسجين الأسواق الاقتصادي محمد يحيى في ظل المتغيرات الاقتصادية العالمية والإقليمية والمحلية تسعى المملكة لمواجهة التحديات التي تقف أمام التنمية والازدهار؛ والمصاعب التي تحد من جذب الاستثمارات من الخارج وفي الوقت نفسه؛ التخفيف من الاعتماد على النفط كمصدر أساس للدخل، مع الأخذ بعين الاعتبار التطورات الاقتصادية والتقنية التي يجب مواكبتها والاستفادة منها لدعم تحقيق الأهداف الإستراتيجية لرؤية 2030.

وأشار إلى أن الأسواق المالية هي أهم الوسائل للمحافظة على الاستثمارات الداخلية وجذب الاستثمارات من الخارج؛ فتطوير أنظمة وضوابط سوق المال بالشكل الذي يوفر المنافسة، ويحارب الاحتكار ويتيح الفرصة للجميع للمشاركة في تدوير عجلة الاقتصاد، من شأنه أن يشجع على ضخ الأموال فيه والتسابق على الإدراج وزيادة رؤوس الأموال.

مؤكدا بأن مواكبة الأسواق العالمية والإقليمية ومنافستها وتوفير المنتجات المالية، وتثقيف المستثمرين والشفافية في توفير المعلومات من شأنه أن يعطي للسوق المالي في السعودية كفاءة أعلى ليعكس السوق أداء الاقتصاد ككل بنسبة عالية.

وأردف اليحيى: يأتي في السياق طرح 5 % من شركة أرامكو في السوق المالي، والذي يعد الأكبر على مستوى العالم من حيث القيمة، فهو بلا شك قد يؤثر على سيولة السوق المطروحة فيه لرغبة المستثمرين والصناديق الشراء في أسهم أرامكو بسعر الاكتتاب؛ وحتى لو كان الطرح في أسواق عالمية؛ فطالما أن هناك إمكانية للاكتتاب؛ فقد ترغب الصناديق، ويرغب المستثمرون في توفير السيولة اللازمة من أجل الاستعداد للاكتتاب مما قد يتسبب في عمليات بيوع في الأسهم وربما السندات والصكوك للبحث عن استثمار قد يكون في نظر المستثمرين أكثر جدوى على حسب سعر الطرح المزمع وتوقيته.

مشيراً إلى أن طرح 5 % من شركة أرامكو للاكتتاب العام سيعود نفعه بشكل مباشر وغير مباشر على الشركات السعودية والاقتصاد السعودي ككل، فيما لو تم توظيف أموال الاكتتاب في مشروعات متنوعة غير نفطية؛ وسيفتح الكثير من الفرص لتنويع مصادر الدخل سواء من خلال الشراكة في شركات ضخمة وناشئة في قطاعات متنوعة داخلياً وخارجياً؛ أو من خلال إنشاء شركات محلية جديدة ذات صبغة إقليمية وعالمية، أو دعم وتطوير شركات موجودة لتنطلق إلى العالمية ليكون لها أثر إيجابي اقتصادي يساهم في رفع الناتج المحلي، كذلك سيكون لدى المواطنين الخيار والفرصة للمشاركة في جزء من دخل شركة أرامكو من خلال الاكتتاب الهادف للاستثمار الطويل الأجل.

التطورات والأداء

وقال المحاضر بقسم التمويل والاستثمار بجامعة الإمام عمر المنيع: بصورة عامة عند النظر إلى مستقبل السوق المالية السعودية يجب ابتداء التفرقة بين جانبين يخلط بينها الكثير، حيث يجب أن نفرق ما بين التطورات في هيكل السوق وتنظيماته وما بين الأداء المالي للسوق والذي يعتمد بصورة رئيسة على الحالة الاقتصادية.

في العادة يهتم المستثمر في الأسواق المالية بتوفر العاملين معاً وإن كان الاهتمام يكون بدرجة أكبر يكون على مستقبل النمو الاقتصادي بحكم أنه المحدد الرئيس لأداء الشركات المدرجة في السوق، إلا أن المستثمر – وخصوصاً الأجنبي – يهتم أيضاً بوجود البيئة التنظيمية المناسبة للاستثمار.

وقال المنيع: يجد المراقب للسوق المالية أن هناك تطورات جوهرية قامت بها هيئة السوق المالية فيما يتعلق بالتشريعات ومن ذلك على سبيل المثال التحديثات التي تم فرضها مؤخراً في لائحة حوكمة الشركات وكذلك في الإجراءات المتعلقة بالشركات ذات الخسائر المتراكمة بالإضافة إلى تنظيم الدعوى الجماعية في منازعات الأوراق المالية والتي تهدف جميعها إلى تعزيز حماية المستثمرين.

وأضاف: كما قامت الهيئة بإنشاء السوق الموازية والتي تسهم في تمويل الاقتصاد الحقيقي وهو الدور الأساسي المفترض لأي سوق مالي.

كما تعمل الهيئة على جذب المستثمرين الأجانب وكذلك استقطاب الشركات الأجنبية وإدراجها في السوق المحلي ليصبح أحد أهم الأسواق الإقليمية في المنطقة، ومن ذلك قيامها بفرض المعايير المحاسبية الدولية وتعديل المدة الزمنية لتسوية الصفقات.

مبيناً أنه وبشكل عام نجد أن هناك تطوراً متسارعاً فيما يتعلق بالبنية الهيكلية للسوق، كما نطمح أن تقوم الهيئة بعمل المزيد وخصوصاً فيما يتعلق ببعض الإجراءات الضرورية التي لم تأخذ نصيبها بما يكفي كفرض عقوبات أكثر غلظة على من يتداول بناء على معلومات داخلية.

أما فيما يتعلق بالأداء المالي للسوق قال: هناك عدد من التحديات التي تواجهها الشركات المدرجة كضريبة القيمة المضافة ورفع أسعار الطاقة والمقابل المالي للوافدين وكذلك الارتفاع المتوقع لأسعار الفائدة إلا أننا نأمل أن تسهم زيادة الإنفاق الحكومي وإقرار بدل غلاء المعيشة في الحد من ذلك، وخصوصاً مع ارتفاع أسعار النفط مؤخراً مما يمكّن الحكومة من مواصلة وتيرة الإنفاق وكذلك التدرج في الإصلاحات.