اختتمت المرحلة الثانية من مناورات (درع الخليج المشترك – 1) بالمنطقة الشرقية للمملكة العربية السعودية بمشاركة قوات عسكرية من 24 دولة شقيقة وصديقة بقوات برية وبحرية وجوية وقوات للدفاع الجوي وقوات خاصة، بالإضافة إلى قوات أمنية وعسكرية سعودية من وزارتي الحرس الوطني والداخلية، ويهدف التمرين إلى استمرار الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة، فهو يأتي ضمن الاستراتيجية الشاملة لوزارة الدفاع بالمملكة العربية السعودية.
ويصنـّف التمرين كأحد أكبر عملية حشد لقوات عسكرية بالمنطقة، مثل عملية عاصفة الصحراء، والمناورات العسكرية “رعد الشمال” التي أجريت في مارس العام 2016م بحفر الباطن بالمملكة العربية السعودية، ويـُعد الأضخم في المنطقة على الإطلاق، سواء من ناحية عدد القوات المشاركة، أو نوعية الأسلحة المستخدمة، والخطط العسكرية المنفـّذة.
واستهدف التمرين إظهار قوة التخطيط العسكري السعودي، والقدرة الفائقة على إدارة العمليات الحربية، واستخدام أحدث تقنيات التسليح، والنظم العسكرية العالمية للدول المشاركة، والذي تتصدر أربع دول منها التصنيف العالمي ضمن قائمة أقوى عشرة جيوش في العالم في مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية.
وشملت عمليات التمرين بالذخيرة الحيـّة: تطهير منشأة من ضربة كيميائية، وضرب منصات صواريخ للقوات الجوية، وعمليات السفن البحرية، والدفاع الساحلي، وتطهير قرى، وعمليات اقتحام وتطهير قرى للقوات الخاصة، وإسناد لقوات سطحية، ويسعى التمرين لتحقيق التعاون المشترك، والتنسيق العسكري المتكامل بين الدول المشاركة؛ لمواجهة التهديدات والمخاطر التي تحيط بالمنطقة والدول الأعضاء.
24 دولة
وكشف المتحدث الرسمي لتمرين درع الخليج المشترك -1 العميد ركن عبدالله بن حسين السبيعي أنّ التمرين من أضخم التمارين الميدانية على مستوى الشرق الأوسط وله أهمية كبيرة، وستُختتم هذه التمرينات بتمرين مشترك مختلط من مختلف الجنسيات، وهناك 24 دولة مشاركة بمختلف قدراتها العسكرية، مُشيراً إلى أن هذا التنوع ما هو إلا مكسب كبير للتمرين مما أعطاه زخماً أكبر، مؤكداً أن التمرين حمل بين طيّاته مكاسب عدة مثل: تبادل الخبرات العسكرية وتوحيد المفاهيم في مجال العمل المشترك.
وأوضح العميد ركن السبيعي أن التمرين جاء على مراحل، أصعبها مرحلة الحشد، والمقصود منها هو نقل القوات المشاركة في التمرين من مناطق تعسكرها سواء داخليا أو خارجياً إلى مناطق منافذ الوصول داخل الدولة وفعلاً تمت هذه المرحلة، ومرحلة الانتشار ويقصد بها عسكرياً هو نقل القوات من مناطق الحشد إلى مناطق التدريب وأيضاً تمت هذه المرحلة باحترافية، ومرحلة الاستخدام الفعلي للقوات وتنقسم إلى مرحلتين وهي: مرحلة تمرين مركز القيادة ومرحلة المناورات الميدانية، مبيّناً أنّ من أبرز النتائج المرجوة من هذا التمرين هو توحيد مفاهيم العمل المشترك والتدريب ضمن عمليات تحالف عسكرية بنفس هذا الحجم.
توحيد قواعد الحرب
ووصف قائد كلية القيادة والأركان للقوات المسلحة السعودية سابقاً اللواء الركن د. شامي الظاهري أن التمرين من أضخم التمرينات العسكرية، لافتاً إلى أنّ التمرين يحمل رسائل استراتيجية مهمة للمجتمع الدولي وللمواطن السعودي ولعل أهمها أن القوات المسلحة السعودية على أهبة الاستعداد والكفاءة القتالية للدفاع عن الوطن، وأنها هي درع الوطن وحصنه الحصين.
وقال: إن التمارين المختلطة مع الدول الشقيقة والصديقة تسهم في توحيد قواعد الحرب المشتركة وقواعد الاشتباك، وتُسهم في تجربة معدات وأجهزة جديدة لدى القوات المسلحة المشاركة في هذه المناورات، وتُساهم في التعرف على طبيعية وتضاريس وطبوغرافية المناطق ومسرح العمليات التي يقام فيها التمرين، كما أنها ستُساهم في رفع معدلات الكفاءة القتالية والفنية للقوات المسلحة السعودية في استخدام الآليات والمعدات العسكرية المتقدمة والحديثة، لا سيما أن المملكة العربية السعودية تمتلك جيشاً متطوراً ومتجدداً في معداته وفي تدريبه، كما أن المناورات العسكرية المشتركة والمختلطة تعزز إرادة القتال والروح المعنوية العالية للمقاتل السعودي في العمليات العسكرية في ميدان المعركة.
توازن القوى
وأكد اللواء د. الظاهري أن كثيراً ما يركز المحللون العسكريون على أعداد وتجهيز وتسليح القوات المسلحة فقط، وذلك حين يناقشون توازن القوى (balance of power ) للدول وخصوصاً في حالة الحرب وهذه العناصر لا شك مهمة للغاية في التعرف على قدرات القوات المسلحة وهي ما يعرف بالقدرات الملموسة، ويتناسون ما هو أهم وأكثر فاعلية وهي القدرات المحسوسة، ككفاءة القيادة السياسة والعسكرية لإدارة وقيادة المعركة، والعقيدة العسكرية، والتدريب الميداني والمناورات العسكرية المتخصصة والمشتركة والمختلطة، والروح المعنوية العالية وإرادة القتال، وهذه العناصر كلها تتعزز وتتطور بالمناورات العسكرية المشتركة والمختلطة.
وأشار إلى المضامين العسكرية والسياسية والأمنية، قائلاً: تعتبر منطقة الخليج العربي منطقة اقتصادية مهمة للمنطقة ولعجلة الاقتصاد العالمي، وهناك دول ترغب التوسع والتمدد في هذه المنطقة وسرقة خيراتها، لذا فهي رسالة لكل من يضمر الشر للمنطقة وأبنائها، أن قواتها المسلحة ذات كفاءة وفعالية واحترافية عسكرية عالية، جاهزة ومسلحة بأحدث الأسلحة والمعدات والتقنيات العسكرية، ولديها الإرادة والتصميم والعقيدة للدفاع وحماية هذا الوطن ومقدساته بعد الله من كل من فيه شر لهذه البلاد وأهلها.
ووصف المناورات بأنها أضخم المناورات العسكرية في منطقة الخليج في سلسلة المناورات التي تقوم بها القوات العسكرية الملكية السعودية، وبرعاية وزارة الدفاع السعودية ومشاركة قوات عسكرية من 24 دولة، عبر تحالفات عسكرية مع دول شقيقة وصديقة حيث إن التحالفات العسكرية في حال السلم والحرب هي من أهم سمات هذا العصر، حيث إن أميركا والتي لديها أكبر قوة عسكرية في العالم وأرقى التسليح لا تخوض الحروب وحدها، بل بتحالفات مع دول أخرى والمملكة في عملياتها الدفاعية أيضاً كوّنت تحالفات، كالتحالف الإسلامي العسكري ضد الإرهاب والتحالف العربي لعملية عاصفة الحزم.
محاصرة الإرهاب
فيما رأى اللواء طيار ركن متقاعد عبدالله غانم القحطاني أن هذا التمرين النوعي بتوقيته ومكانه وأعضائه المشاركين يبين الدور المهم والفاعل للمملكة العربية السعودية ولسياستها الدفاعية التي يقودها سمو ولي العهد حيث جعل من المملكة مرتكزاً للتمارين والتحالفات العسكرية الدفاعية المشتركة، وحشد الجهود لمحاصرة التوسع والتهديد الإرهابي الإيراني في المنطقة بأكملها التي تهدد العالم وخطوط الملاحة البحرية والسلم الإقليمي وتهديد المدن بالصواريخ بعيدة المدى، كما أن هذه الاستراتيجية السعودية تبين النجاح في إقناع الولايات المتحدة الأميريكية بالعودة وبقوة للشرق الأوسط بعد الانكفاء السابق وإخلاء الساحة لقوى دولية وإقليمية أخرى؛ مما أحدث خللاً في التوازنات والأمن الإقليمي وهذا التمرين يوضح ذلك بكل أبعاده، وهذا نجاح سعودي لصالح المنطقة برمتها.
وقال: بما أن التمرين الأول (درع الخليج المشترك 1) وبهذا الحجم الكبير من حيث عدد الدول المشاركة وبهذا التخطيط العالي هو بلا شك مبعث فخر واعتزاز لكل مواطن سعودي وعربي، فليس من السهل أن تقوم أي دولة بتنظيم تمرين مشترك واسع متعدد الجنسيات واستضافة قوات عسكرية في هذه الظروف وإجراء تمرين كبير بعشرات الآلاف من الجنود والضباط والقادة والمعدات، خصوصاً وأنه جاء في توقيت تتصدر فيه المملكة دول العالم في محاربة الإرهاب وملاحقة عناصره وداعميه، وفي وقت كذلك والمملكة تقود عمليات عسكرية وأمنية لإفشال عمليات إرهابية تقف خلفها إيران في اليمن وغيره الساعية لتهديد أمن الإقليم وخطوط الملاحة البحرية وأمن المنطقة والعالم.
تمارين عظمى
ويصف اللواء القحطاني هذا التجمع الدولي في التمرين الذي قوامه عدد 24 قوة عسكرية ضمن تمرين عسكري مشترك مختلف الجوانب هو في الواقع يعتبر تمريناً استراتيجياً مهماً لتوحيد السياسات المختلفة لجميع الدول المشاركة تجاه مواجهة التهديدات الإرهابية والعسكرية وميليشيات التخريب السياسي والأمني التي تهدد دول العالم كما تفعل ثورة الإرهاب الخميني وفروعها في المنطقة، مؤكداً أن المملكة أصبحت وبكل اقتدار تخطط وتستضيف وتقود تمارين عظمى كهذا التمرين الذي يعتبر الأكبر على مستوى الشرق الأوسط من حيث الحشد، وجميع الدول المشاركة لديها الغايات نفسها التي تسعى لتحقيقها من خلال عمل إداري وميداني مشترك يكسبها الخبرة والعمل في بيئة عمل مختلفة ضمن قوات مختلفة التدريب وربما العقائد، ومن هنا فتمرين درع الخليج المشترك -1 هو مكسب وفرصة فريدة لاكتساب مهارات وخبرات حقيقية لكل القوات المشاركة وبالنتيجة هذا يعزز مكانتها ويبرز أهمية أدوارها وعملياتها المختلفة منفردة أو ضمن تحالفات.
إدارة أزمات
ولفت اللواء القحطاني إلى أنّ التمرين يعد الأول من نوعه من حيث الحجم ونوعية التسليح المتطور في التقنية ومن حيث مستوى التخطيط، والخبرات الواسعة للدول المشاركة التي تعتبر بعضها من أفضل قوات دول العالم، وقال إن التمرين لم يأتِ عبثاً أو لغرض عادي غير مهم بل هناك مضامين مهمة واستراتيجيات مختلفة سياسية تتمثل في إدارة أزمات مختلفة قائمة ومحتملة يجب أن تعيها الدول والمنظمات الإرهابية، وبطبيعة الحال هناك أهداف عسكرية ليس أقلها توحيد الجهد وتنسيق العمل المشترك ودمج القوات في ميدان عمليات واحد أو مسرح عمليات شامل، إضافة إلى إشعار أعداء السلام والحرية أنه لن يسمح لها باستخدام القوة والأسلحة العسكرية في العدوان على الغير وهذا جانب مهم يجب أن تفهمه الدول المارقة بالمنطقة. ويبقى الجانب الأمني في التمرين هدف استراتيجي كبير يتم التعاون لصيقاً لمواجهة قيامه ونتائجه ومسبباته ومن يقف خلفه وينفذه ولا شك أن هذا المضمون يتخذ في التمرين عناية مستقلة تخطيطاً وتنفيذاً، الرسالة هنا واضحة لداعمي الإرهاب ومموليه والمخططين له أن المملكة وحلفاءها وأصدقاءها أصبحوا يضعون التمارين الكبرى التي تتعامل بقوة مع تكتيكاتهم بجهد قوي وموحد وبتضامن مشترك.
صناعة الاستقرار
ونوّه اللواء القحطاني إلى أنه لا يمكن للمملكة أن تنظم وتستضيف مثل هذا التمرين العالمي المهم والكبير والمتقدم جداً دون أن تشارك فيه بفعالية قصوى وبلا حدود على كافة المستويات الإدارية والعملياتية والاستخبارية والقيادية واللوجستية وهذا بلا شك يتطلب مشاركة كافة تشكيلات وقيادات القوات العسكرية السعودية المختلفة العسكرية والأمنية، مضيفاً: “لأول مرة تجتمع معدات ثقيلة بقوات مسلحة بهذا الحجم لغرض تمرين عسكري وأمني وقيادي وإجراء رماية حية وفوق ذلك يتم حشد معدات ومنظومات عسكرية متطورة بشكل كبير في مكان واحد لتنفيذ سيناريوهات مختلفة تحاكي تهديدات محتملة، وهذا التنوع فرصة مواتية تساهم في بناء تصور قيادي وعملياتي وتكتيكي لاستخدام مختلف منظومات قتالية ومساندة مختلفة الاستخدام والتشغيل والصيانة، وهنا تتضح براعة فكرة مكان التمرين والتخطيط له وهذا بفضل الله ثم بجهود القوات المسلحة السعودية وحكمة قادة المملكة الساعية لبسط الاستقرار في المنطقة والمساهمة في تحقيق السلم العالمي”.