يشارك منتخب بيرو في المجموعة الثالثة، ضمن منتخبات كأس العالم صيف 2018 في روسيا، وهو أحد منتخبات قارة أميركا الجنوبية، واسم بيرو مشتق من اسم أحد حكام الدولة المحليين الذين حكموا البلاد في أوائل القرن السادس عشر، وعاش بالقرب من خليج سان ميغيل في بنما، وحين زار المستكشفون الإسبان تلك المناطق البعيدة عن الأنظار، أصبح يطلق على هذه المناطق بيرو اشتقاقاً من مسمى حاكم هذه البلاد المجهولة للعالم، وسيشارك منتخبها في مونديال روسيا، ضمن المجموعة الثالثة إلى جانب منتخبات فرنسا وأستراليا والدانمارك .
البريطانيون.. مستمرون
تدين الكثير من الدول بالفضل إلى المهاجرين البريطانيين، سواءً كانوا طلاباً أو موظفين أو تجاراً، فهم الذين نقلوا كرة القدم إلى كثير من هذه الدول التي لم تكن تعرف الساحرة الصغيرة عن قرب، ولا شك أن دولة البيرو كانت واحدة من الدول التي انتفعت من وجود البريطانيين فوق أراضيها، فقد دخلت كرة القدم بيرو في عام 1845م وتعتبر بفضل هذا التاريخ المتقدم، بأنها واحدة من أقدم الدول التي عرفت كرة القدم، ودخلتها هذه الساحرة المستديرة من بين بقية دول العالم، وكانت كرة القدم تلعب بعيداً عن الاحترافية، وتدار بطريقة الهواة وفكرهم، وظلت مستمرة على هذا النحو إلى حين عام 1925 والذي يعتبر بداية الحقبة الاحترافية للكرة البيروفية.
أول نادٍ
مع دخول الكرة إلى أراضي بيرو بقيادة الإنجليز وتحت إشرافهم، أصبحت فكرة إنشاء الأندية وتأسيسها أمراً ضرورياً، ففي عام 1859م قام عدد من المهاجرين البريطانيين بتأسيس أول نادٍ كروي في البيرو، وعلى الرغم أنه لم يكن النادي محدداً فقط لكرة القدم، بل كان يضم إلى جانبه لعبة الكريكت والتي تعتبر من الألعاب الشعبية الدارجة في العالم آنذاك، واختار البريطانيون اسم “ليما” ليكون الاسم الرسمي لهذا النادي، وذلك نسبة إلى عاصمة البيرو “ليما” والتي كانت مقراً لهذا النادي الجديد، ويعتبر نادي اتحاد ليما البروفي ثاني أقدم الأندية تأسيساً في رياضة بيرو، حيث تم تأسيه عام 1896م، ومن ضمن الأندية القديمة في تأسيس كرة القدم داخل البيرو، يعتبر نادي أليانزا ليما واحداً منها؛ فقد تأسس عام 1901، وفي ذات العام ولد نادي سبورتيفو سينسيانو واتخذ في كوسكو مقراً له، كما تأسس نادي اتلتيكو تشالاكو عام 1902، وقدم عدد من النجوم إلى المنتخب البيروفي في مشاركاته العالمية والقارية.
دوري هواة
لأن البدايات التي تأسست بها كرة القدم فوق ملاعب بيرو، كان يغلبها الكثير من البساطة وعدم تنظيم المباريات، فقد تقرر أن يتم إنشاء دوري للهواة، تُلعب فيه المباريات والتي يؤرخ لبدايتها عام 1892م، وهو العام الذي شهد أول مباراة كروية فوق ملاعب البيرو، وظل دوري الهواة محاط بالكثير من العشوائية وعدم اتباعه لنظام واضح، حيث كانت الأندية التي تشارك فيه مزيج بين أندية بريطانية وأخرى من البيرو فقط، وطغت على الدوري كثير من القرارات الارتجالية مما كان له بالغ الأثر في إحداث الكثير من الفوضى والاعتراضات لدى الأندية المنافسة في الدوري.
تأسيس اتحاد رياضي
ازدياد عدد الأندية في بيرو، والاندفاع الكبير لمشاهدة مباريات دوري الهواة، دفع بالكثير من المقربين لكرة القدم في طرح فكرة إنشاء اتحاد كرة قدم، يكون مسؤولاً عن صياغة أنظمة وقوانين هذه اللعبة، فتم تأسيس اتحاد كرة القدم عام 1922م، وفي عام 1924 انضم الاتحاد الجديد إلى عضوية الاتحاد الدولي لكرة القدم “الفيفا”، كما انضم عام 1925م إلى عضوية اتحاد أميركا الجنوبية، وفي ذات العام قرر اتحاد الكرة تغير دوري بلاده من دوري للهواة إلى دوري محترف، وصاغ أنظمته وعدل على الكثير من القرارات السابقة، لتبدأ الرياضة البيروفية حقبة جديدة، ارتسمت ملامحها بالكثير من الاحترافية، وانضمت أندية بيرو إلى مسابقات القارة الأميركية الجنوبية بفضل هذا التطور الملحوظ.
المنافسات العالمية
الانتقال من مرحلة الهواة إلى الاحترافية، كان سبباً في أن يلبي اتحاد كرة القدم مطالب الكثير من الرياضيين في إنشاء منتخب يحمل ألوان وطنهم بيرو، فتم عام 1926 البدء في مرحلة تكوين المنتخب الوطني لدولة بيرو، وذلك ليكون مستعداً في استضافة بطولة أميركا الجنوبية في عام 1927، والتي كانت أول ظهور دولي لمنتخب بيرو، حيث استضافة العاصمة ليما منتخبات القارة الأميركية الجنوبية، ولكن البيرو ظهر كما كان متوقعاً بشكل مهزوز وضعيف، فقد خسر أمام منتخب الأوروغواي 4/0، ثم انتصر بصعوبة بالغة على بوليفيا 3/2، وخسر مباراته الأخيرة أمام الأرجنتين 5/1، ليحتل بذلك المرتبة الثالثة في مجموعته بعدما جمع نقطتين فقط، ورغم أن هذه المشاركة كانت محبطة للكثير من جماهير بيرو، لكنها مجرد بداية للمنتخب حديث التأسيس.
أول ظهور
كانت بطولة كأس العالم قد انطلقت عام 1930، واحتضنتها ملاعب الأوروغواي، ورغم أن منتخب البيرو ليس بالمنتخب القوي الذي يمتلك قدرات فنية عالية، إلا أنه حضر في أول ظهور له في كؤوس العالم، وذلك بفضل قلة المنتخبات المتواجدة في الساحة العالمية، حيث وجه الاتحاد الدولي لكرة القدم إليه دعوة المشاركة في البطولة الأولى، واستجاب الاتحاد البيروفي لمطالبه وغادر منتخبه إلى الأوروغواي للمشاركة، ولم ترقِ المشاركة لتطلعات الكثير من أبناء بيرو، فقد غادر منتخبهم مبكراً من دور المجموعات، بعد أن خسر أمام رومانيا 3/1، ثم خسر أمام الأوروغواي 1/0.
مشاركة تاريخية
رفض منتخب بيرو المشاركة في كأس العالم النسخة الثانية عام 1934م، وانسحب من التصفيات التمهيدية التي لعبت في قارة أميركا الجنوبية، وظل غائباً عن الحضور حتى كأس العالم 1970 والذي أقيم فوق ملاعب المكسيك، وقدم منتخب بيرو خلاله مشاركة تاريخية، ففي المباراة الأولى حقق فوزاً صعباً أمام بلغاريا بعد أن حول تأخره إلى انتصار بنتيجة 3/2، وفي المباراة الثانية اكتسح منتخب المغرب 3/0، لذلك لم تكن خسارته أمام ألمانيا في المباراة الأخيرة بنتيجة 3/1 مؤثرة على مسيرته في البطولة، وفي ربع النهائي لم يستطع منتخب بيرو مجاراة القوة الفنية للمنتخب البرازيلي، حيث توقفت مسيرته أمام المنتخب البرازيلي بعد أن خسر المباراة 4/2 ليغادر البطولة.
غياب طويل
غابت البيرو عن نسخة كأس العالم عام 1974، وعادت للظهور في صيف 1978 حيث أقيمت البطولة في الأرجنتين، وعبر منتخب بيرو دور المجموعات متصدراً مجموعته التي ضمت إلى جواره هولندا واسكتلندا وإيران، دون أن يخسر أي مباراة من المباريات الثلاث التي لعبت في دور المجموعات، وعلى النقيض تماماً لم يحقق أي فوز في المجموعة النهائية التي ضمت إلى جواره الأرجنتين والبرازيل وبولندا، حيث تذيل منتخب بيرو الترتيب، وفي نهائيات كأس العالم 1982م في إسبانيا، جاءت مشاركة بيرو مخيبة للآمال، حيث غادر المنتخب بألوانه الحمراء المقلمة باللون الأبيض من دور المجموعات، حيث تعادل في أول مباراتين ثم خسر بنتيجة تاريخية أمام بولندا 5/1.
عودة بعد غياب
في تصفيات أميركا الجنوبية المؤهلة لنهائيات كأس العالم صيف 2018، كان منتخب بيرو ينافس ضمن المنتخبات الباقية على خطف أحد المقاعد، لكن خسارته للعديد من النقاط حصرت طموحاته في الحصول على مقعد يؤهله إلى خوض مباراة فاصلة أمام ممثل قارة أوقيانوسيا، والتقى بمنتخب نيوزلندا في ملعبه وانتهت المباراة بالتعادل 0/0، وفي العاصمة ليما احتشدت الجماهير البيروفية تهتف لمنتخبها، وذلك لتحفيزهم على التواجد للمرة الخامسة في كؤوس العالم، وقبل نهاية الشوط الأول سجل النجم جيرفسون فارفان الهدف الأول لبلاده، وفي منتصف الشوط الثاني أحرز كريستان راموس الهدف الثاني الذي أعاد بيرو إلى نهائيات كأس العالم منذ الحضور الأخير في مونديال إسبانيا عام 1982.
القائد مهدد
كانت فرحة شعب بيرو تملأ أرجاء القارة الأميركية الجنوبية، بعد أن ضمنت بلادهم فرصة التواجد في نهائيات كأس العالم الصيف المقبل، ولم يتوقف صخب الاحتفالات إلا بقرار انضباطي أعلنته لجنة الانضباط في الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا”، وذلك بإيقاف قائد منتخب بيرو باولو غيريرو لمدة عام، وذلك على إثر تورطه بتناول المنشطات، وهي التهمة التي رفضها غيريرو وبعد عدة محاولات نجح في تقليص العقوبة إلى إيقافه 6 أشهر، ورغم تخفيف العقوبة إلا أنه مازال سيغيب عن الحضور في بطولة المونديال، ومازال قائد بيرو يسعى مع الفيفا لتخفيف العقوبة أكثر أو رفعها بالكلية ليتمكن من المشاركة في مونديال روسيا، ويحظى القائد البيروفي بدعم وتأييد كبير في بلاده، حيث يطمح الجميع إلى رؤيته في المونديال المقبل، وعلى رأس الداعمين له رئيس الدولة مارتين فيزكارا الذي أعلن دعمه الكامل لقائد بلاده في تصريح بثته وكالة الأنباء الإسبانية قال فيه:”أتمنى أن ينضم مع البعثة المغادرة إلى روسيا، إنه لاعب جيد وسيضيف للمنتخب الكثير من الأداء الفني والخبرة، فريقنا لا يعتمد على لاعب واحد، لكن وجوده سيضيف الكثير من التميز لنا”.
بطل الكوبا مرتان
لا يحمل منتخب بيرو في سجلاته عدداً من البطولات، حيث يقتصر تاريخه على بطولتين حققهما لكأس أميركا الجنوبية، حيث كان تتويجه الأول عام 1930 في البطولة التي لعبت فوق ملاعب عاصمته ليما، واستطاع منتخب بيرو أن يتوج بلقب البطولة للمرة الأولى، دون أن يخسر أي مباراة في النسخة التي لعبت بنظام المجموعة الواحدة، وفي عام 1975 لعبت البطولة التي تغير مسماها إلى بطولة كوبا أميركا، وتجاوزت بيرو دور المجموعات، وفي نصف النهائي لعبت بيرو أمام البرازيل مباراتين وكسبت الأولى 3/1 وخسرت الثانية 2/0، وأجريت قرعة لتحديد المنتخب المتأهل للمباراة النهائية، وجاءت من نصيب بيرو التي التقت بمنتخب كولومبيا في ثلاث مباريات لتحديد البطل، واستطاعت بيرو أن تكسب جميع هذه المباريات الثلاث لصالحها وتتوج بطلة لأميركا الجنوبية للمرة الثانية.