إعلان المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، في جدة عن اعتماد استراتيجية مشتركة للتكامل الشامل والكامل بين البلدين، اقتصادياً وتنموياً وعسكرياً، خلال انعقاد الاجتماع الأول لمجلس التنسيق السعودي الإماراتي، برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة في دولة الإمارات العربية المتحدة، يأتي في ظل ظروف حساسة ومعقدة، تمر بها منطقتنا العربية المضطربة، وتتطلب تضافر كل الجهود المخلصة لدرء الأخطار التي تحيق بالأمة العربية.

إعلان استثنائي

هذا الإعلان الذي يمكن وصفه بالاستثنائي، تم فيه الكشف عن 44 مشروعاً أطلق عليها «استراتيجية العزم» وهي استراتيجية مدروسة بعناية فائقة، وعمل عليها أكثر من 350 مسؤولاً من البلدين الشقيقين في 139 جهة حكومية وسياسية، وعسكرية، ركزت على المحور الاقتصادي والمحور البشري والمعرفي والمحور السياسي والأمني والعسكري.

ولتحقيق الأهداف المرجوة وضع قادة البلدين 60 شهراً لتنفيذ المشروعات الاستراتيجية التي تهدف إلى بناء نموذج تكاملي استثنائي قوي وحصين بين البلدين الشقيقين، من شأنه أن يدعم مسيرة التعاون الخليجي المشترك ويساهم في حماية المكتسبات وخلق فرص جديدة أمام أبناء الشعبين الشقيقين.

حيث أشار صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى أن هذه الخطوة المهمة تؤكد على العلاقات التاريخية والشراكة الراسخة، والمصير الواحد، وما تشهده العلاقات السعودية الإماراتية اليوم هو ثمرة الرؤية المشتركة للبلدين الشقيقين، اللذين تجمعهما ملامح مستقبل واعد لشعبيهما معاً.

علاقات مثالية

الحقيقة التي يجب الاهتمام بها في هذه المناسبة المهمة، هي أن العلاقات المثالية بين الإمارات العربية المتحدة وشقيقتها الكبرى المملكة العربية السعودية، أمر ليس مستغربا في البلدين الشقيقين، اللذين تميزا بحكمة قيادتيهما السياسيتين، والمحددات الوطنية والأخلاقية التي تنظم سياستي البلدين، والروابط التاريخية والجغرافية والثقافية والقومية المتينة التي تربط بين الشعبين، لا سيما أن المملكة تلعب دوراً مهماً ومحوريا ومؤثراً في منطقة الخليج، ذات الثقل العربي والإسلامي والاقتصادي البارز، كانت وما تزال تضبط ايقاع سياستها الخارجية عامة والعربية خاصة على أولوية العلاقات الطيبة والحسنة بين الدول، مشكلة بذلك أنموذجاً يحتذى في العلاقات الدولية، بالإضافة إلى أن المملكة بقيادتها الرشيدة التي تتولى مقاليد الأمور منذ عشرات السنين تدرك جيداً مدى أهمية التلاحم العربي، لا سيما داخل الأسرة الخليجية، وأهمية دولة الإمارات العربية المتحدة التي تشكل العضد الأخوي المتين، بما تمتلكه من رؤية سليمة وإمكانيات كبيرة وشراكة استراتيجية وعلاقة مصيرية.

يأتي هذا الإنجاز الجديد ليكرس نهجاً ثابتاً وراسخاً في سياسة البلدين الشقيقين على مواجهة المخاطر التي تهدد المصالح العربية والأمن القومي العربي في السنوات القليلة الماضية، أبرزها الاندفاع الإيراني والأطراف الإقليمية التي لها أطماع في المنطقة للتدخل في الشؤون العربية، بما يحمله هذا التدخل من مخاطر كبيرة على منطقة الخليج العربي خاصة وعلى الأمن القومي العربي بشكل عام.

قوة دفع

إن حرص المملكة والإمارات على علاقات أخوية قوية ومتينة بينهما من شأنه أن يشكل قوة دفع رائدة للعمل العربي المشترك الذي أثبت نجاحا غير مسبوق في عاصفة الحزم التي قادتها المملكة، ومن بعدها عملية إعادة الامل إلى اليمن الهادفة إلى الحفاظ على هذا البلد العربي، وإبقائه بعيدا عن مخالب الضبع الإيراني المتحفز للانقضاض في أول فرصة سانحة تمكنه من النفاذ إلى عمق الوطن العربي وتسويق أفكار لا يمكن ان تخدم إلا المشروعات التوسعية الطائفية الإيرانية في المنطقة، وهي مشروعات تتقاطع مع مشروعات أجنبية أخرى.

العلاقات الأخوية بين البلدين ليست حديثة العهد ولا هي وليدة مصالح آنية، إنما هي علاقات أسرية وعائلية وقومية وتاريخية قديمة قدم التاريخ، لذلك يصح القول إن العلاقات الإماراتية – السعودية ليست علاقات دولتين جارتين وحسب، إنما شراكة أخوية استراتيجية وانسجام وتناغم في جميع الرؤى والمواقف والأهداف والمصير المشترك، ويمكن بناء أو وضع حجر الأساس لمشروع عربي متكامل ومنسجم وقوي ومتين يستطيع لجم القوى الخارجية المتربصة بالمنطقة والتصدى لها، من خلال سياسات واعية ومدركة وفطنة وحكيمة وحازمة في آن واحد.

لا بد لنا من القول إن الإمارات العربية المتحدة وشقيقتها الكبرى المملكة العربية السعودية، تتجهان بخطى ثابتة وواثقة نحو مستقبل مشرق لمنطقة الخليج العربي وللعرب جميعا، خاصة أن القوي والمتنفذ هو الذي يستطيع التأثير في عجلة التاريخ، واستغلال الفرص لصالح مشروع عربي نهضوي يكون رداً مناسباً على كل المخاطر التي تتربص بأمتنا العربية، التي تعصف بها أحداث ساخنة كبيرة تهدد أمنها واستقرارها ومستقبلها.