يشهد العالم تغيرات كبيرة بمصادر الطاقة التي تتحكم بمفاصل الحياة اليومية للبشر، ولا شك أن الطاقة الأحفورية بأنواعها الثلاث الفحم والنفط والغاز، والتي تنتج أكثر من 85 % من طاقة العالم هي أهم مصادر الطاقة على الإطلاق، ولكن هذا النوع من الطاقة يواجه حاليا تحديات تتلخص باتفاقية باريس للمناخ التي تطالب بالحد من استخدام الفحم والنفط، ونتج عن ذلك تباطؤ النمو باستهلاك العالم للفحم، وذلك بسبب عزم الصين وأميركا وأوروبا تقليل حرق الفحم واستبداله بأنواع أخرى أقل تلوثا، وهذا أدى إلى نمو كبير بإنتاج واستهلاك الغاز والطاقة المتجددة، وفي هذا الصدد صدر قبل أيام تقرير BP الإحصائي السنوي ملقياً الضوء عن أهم معالم الطاقة العالمية خلال العام الماضي ويعتبر هذا التقرير من أهم المراجع عن الطاقة العالمية.

وبحسب هذا التقرير فقد بلغ الاستهلاك العالمي من الطاقة في2017 مايعادل 13.5 مليار طن نفط مكافئ وبزيادة 2.2% عن استهلاك عام 2016 أي بزيادة ما يعادل 253 مليون طن نفط مكافئ، وكان النمو باستهلاك العالمي للطاقة مدعوما بارتفاع استهلاك العالم للغاز الطبيعي بنحو 83 مليون طن نفط مكافئ والطاقة المتجددة بحوالي 70 مليون طن نفط مكافئ والنفط والفحم والطاقة النووية والمائية كما يعرض الشكل 1.

وجاءت الصين بالمرتبة الأولى باستهلاك الطاقة بالعالم وتلتها أميركا. فلقد استهلكت الصين وأمريكا لوحدهما نحو 40% من إنتاج العالم للطاقة بالعام الماضي، وجاءت بعدهما الهند ثم روسيا فاليابان، ووصلت نسبة استهلاك المملكة للطاقة حوالي2% من إجمالي الطاقة العالمية في 2017.

أما بالنسبة لمصادر الطاقة بالعالم فيبقى النفط اكبر مصدر للطاقة بالعالم ويأتي بعده الفحم ثم الغاز. ويلاحظ انخفاض طفيف لحصة النفط وانخفاض للفحم مقابل ارتفاع طفيف للغاز. وحاليا يستهلك العالم حوالى 99 مليون برميل نفط باليوم ويتوقع ان يصل الاستهلاك في 2040 الى 120 مليون برميل باليوم وهذا يعكس استمرار نمو الطلب على النفط الذى يتطلب الكثير من الاستثمار بصناعته لتأمين الامدادات اللازمة للعالم.

ومن جهة أخرى، يعتبر الفحم أكثر مصدر للطاقة في الانبعاثات الكربونية ولوحظ وصول استهلاك العالم للفحم إلى القمة فى عام 2014 وبدأ بعدها بالانخفاض التدريجى الا ان كميات الفحم المستهلك ارتفعت فى 2017 وهو شئ مثير للاستغراب. ويعود هذا الارتفاع بسبب الاستهلاك المرتفع للهند وروسيا وتركيا والصين. ولكن ومع الزيادة البسيطة بحرق الفحم إلا أن حصة الفحم فى خليط الطاقة العالمي انخفضت بسبب الارتفاع الكبير للغاز والطاقة المتجددة. ويمكن القول ان الغاز الطبيعي هو المصدر الوحيد من مصادر الطاقة الاحفورية الذى يشهد نموا كبيرا ولعله الاعلى بين كل مصادر الطاقة الاحفورية وغيرها؛ وأما مصادر الطاقة الأحفورية الأخرى من النفط والفحم فلقد ارتفع استهلاكهما بشكل بسيط ولكن انخفضت نسبتيهما فى خليط الطاقة العالمي، ومع الانخفاض الكبير بتكاليف انتاج الطاقة الشمسية والرياح، فلقد شهد العالم ارتفاعا ملحوظا باستهلاكها في 2017.

الاحتياطيات العالمية للنفط والغاز

وصلت الاحتياطيات العالمية للنفط التقليدي في نهاية 2017 الى حوالي 1697 مليار برميل منخفضة بـ500 مليون برميل عن احتياطيات 2016 رغم استهلاك العالم لحوالى 35 مليار برميل سنويا وهذا يشير الى زيادة الاكتشافات النفطية ولكن بوتيرة خفيفة. وأما أهم الاحتياطيات لأكبر الدول المنتجة للنفط فتتقدم المملكة الجميع باحتياطيات ثابتة عند 266 مليار برميل وبانتاج سنوي يقارب 3.6 مليار برميل. وارتفعت احتياطيات فنزويلا إلى 303 مليار برميل إلا أن هذه الاحتياطيات لا تتفق مع واقع صناعة النفط فيها حيث انخفض إنتاج فنزويلا اليومي من 3 مليون برميل إلى 1.4 مليون برميل. وحافظت معظم دول اوبك وامريكا وروسيا على احتياطياتها النفطية مقارنة بالعام 2016.

ويعد الغاز الطبيعي المصدر الوحيد من الطاقة الاحفورية الذي ينمو استهلاكه بوتيرة مستمرة منذ زمن بسبب قلة الانبعاثات الكربونية والكبريتية الصادرة عن حرقه مقارنة بالفحم والنفط. ولقد ارتفعت احتياطيات العالم للغاز في 2017 قليلا الى 193.5 تريليون متر مكعب. وتتربع روسيا على عرش صناعة الغاز بامتلاكها أكبر الاحتياطيات التي تقدر بنحو 35 تريليون مترمكعب وجارتها تركمانستان تملك 19.5 تريليون متر مكعب ولكن وجود تعاون وثيق بينهما بنقل وبيع الغاز للخارج اثرعلى ارتفاع اسهم روسيا بتجارة الغاز الدولية عن باقي دول العالم.

وارتفع الاستهلاك العالمي للغاز الطبيعي في 2017 بـ3% اذ يستهلك العالم سنويا نحو 3.7 تريليون متر مكعب. وتأتي اميركا في مقدمة المستهلكين وتستهلك لوحدها 20% من الانتاج العالمي للغاز وتستهلك روسيا 12% والصين 7% ويتوقع ان ينمو استهلاك الصين كثيرا بالسنوات القليلة القادمة بسبب عزمها استبدال الفحم بالغاز والطاقة المتجددة. وتأتي المملكة في المرتبة السابعة عالميا باستهلاك الغاز الطبيعي اذ تستهلك حوالى 111 مليار متر مكعب سنويا أو بحدود 3% من الإنتاج العالمي للغاز.

الطاقة المتجددة

سجل العام الماضي2017 رقما قياسيا بتقدم الطاقة المتجددة على كافة المجالات. ولقد ارتفعت قدرة الطاقة المتجددة بالعالم وانخفضت تكاليفها وزادت الاستثمارات فيها الى 280 مليار دولار. ولقد ساعد كثيرا تطور التقنيات المساعدة على تقدم سريع للطاقة المتجددة واما عدد الدول التى تدعم الطاقة المتجددة فلقد ارتفع كثيرا فى 2016 و2017، ولقد ارتفعت قدرة العالم لانتاج الطاقة الشمسية والرياح فى 2016م بـ800 جيجاوات ثم ارتفعت القدرة العالمية مرة اخرى في 2017م بـ940 جيجاوات وهذا يعكس الاهتمام العالمي المتزايد بهذه الطاقة وخصوصا في الصين المتعطشة لكل أنواع الطاقة.

وبحسب تقرير بريتش بتروليوم الاخير فلقد ارتفع استهلاك العالم للطاقة المتجددة (الشمسية والرياح) في 2017 إلى ما يعادل 487 مليون طن نفط مكافئ اى بزيادة سنوية مقدارها 70 مليون طن نفط مكافئ حصة الصين لوحدها 25.3 مليون طن نفط مكافئ وامريكا 12 مليون طن نفط مكافئ وهذا يعنى ان 53% من النمو باستهلاك الطاقة المتجددة للصين واميركا.

الطاقة النووية

خلال السنوات العشر الأخيرة، انخفض الاستهلاك العالمي للطاقة النووية من 622 مليون طن نفط مكافئ الى 596 مليون طن أي بحوالى .4% وهذا يعود بشكل رئيس لخفض بعض الدول لاستهلاكها لاسباب متعددة مثل كارثة فوكوشيما باليابان وعدم تقبل الجماهيرالالمانية لهذا النوع من الطاقة. ولقد خفضت اليابان والمانيا وفرنسا من استهلاكهم لهذه الطاقة باخر 10 سنوات بحوالى 80 مليون طن نفط مكافئ وهو السبب الرئيس لانخفاض الطلب على الطاقة النووية بالعالم. وبالمقابل فلقد رفعت الصين والهند وروسيا من استهلاكهم لهذه الطاقة المثيرة للجدل بحوالى 57 مليون طن نفط مكافئ لنفس الفترة. ولذلك نرى الطاقة النووية تنخفض فى اماكن وترتفع فى اماكن اخرى. ويعتبر ارتفاع طلب الصين لهذه الطاقة ملفتا للنظر فهي الآن تقود اي نمو عالمى بتوليد الطاقة السلمية النووية.

وفى المقابل تشهد امريكا استقراراً باستهلاك الطاقة النووية عند 192 مليون كن نفط مكافئ منذ عشر سنوات أي ان اميركا تملك تقريبا ثلث الطاقة النووية بالعالم وتأتي فرنسا بعدها بحوالى 15% ثم الصين وروسيا.

واما بالنسبة لمصادر توليد الكهرباء بالعالم فى عام 2017 فلا يزال الفحم اكبر هذه المصادر بتوليد 38% من كهرباء العالم وبعده الغاز الطبيعي بـ23% وبعده المائية 16% والنووية .10.3% ويبقى النفط والمتجددة فى آخر القائمة حيث اكتفى كل مصدر بتوليد 3% فقط من كهرباء العالم. والجدير بالذكر ان النفط هو مستخدم تقريبا فقط بدول اوبك بتوليد الكهرباء.

وفي الختام

ينمو الطلب العالمي للطاقة مع ارتفاع عدد السكان وارتفاع مستوى المعيشة فى كثير من البلدان خاصة الصين والهند. فلقد ارتفع الطلب العالمى على الطاقة بين 2016 و2017 بما يعادل 253 مليون طن نفط مكافئ حصة الصين منها 85 مليون طن نفط مكافئ اى الثلث. وتاتى بعدها الهند التى ارتفع طلبها للطاقة ب31.5 مليون طن نفط مكافئ. واما امريكا وكندا فلقد ارتفع طلبهما للطاقة معا بما يعادل 17 مليون طن نفط مكافئ وروسيا بـ10 مليون طن نفط فقط. وهذا يعكس اهمية الصين والهند فى عالم الطاقة ولا سيما مع وجود حوالى 30% من سكان الارض فى هاتين الدولتين.

رفعت الصين استهلاكها للطاقة بـ85 مليون طن نفط مكافئ كانت على الشكل التالي:21 مليون طن نفط و 27 مليون طن نفط مكافئ غاز و8 مليون طن نفط مكافئ طاقة نووية و25 مليون طن نفط مكافئ طاقة متجددة (رياح وشمس). وهذا احد اهم التطورات العالمية في عالم الطاقة وهو الصعود السريع لمصادر الطاقة المتجددة وذلك بسبب انخفاض تكلفتها وصداقتها للبيئة ولقد وصلت تكلفة انتاج كل كيلووات ساعة من هذه الطاقة بالامارات الى 0.11 ريال. ولذلك سوف يرى العالم دولاً عديدة تحذو حذو الصين بالمستقبل القريب.

ولقد اعلنت المملكة عن رؤيتها فى هذا المجال وخاصة فيما يتعلق بـ “خطة الطاقة الشمسية 2030” بحيث ستتمكن من الوصول إلى إنتاج 200 جيجاوات بحلول عام 2030م. ولسوف تبهر العالم برؤية المملكة للمستقبل المشرق وبسرعة ستتحول المملكة من حرق وقود النفط لتوليد الكهرباء الى الطاقة الشمسية والرياح والغاز الطبيعي اصدقاء البيئة.