على الرغم من القفزات المتسارعة التي حققتها ما تُعرف بالمصرفية الإلكترونية، وتطبيقات الدفع الإلكتروني عبر الهواتف الذكية، إلا أن البطاقات الائتمانية لا تزال تستحوذ اليوم على حصة الأسد فيما يخص المنتجات المصرفية وتشهد معدلات اعتماد متنامية وانتشاراً متزايداً مدفوعاً بعدة عوامل ومحركات للنمو.
فإلى جانب سهولة الاستخدام وسعة الانتشار والقبول للبطاقات الائتمانية محلياً وإقليمياً وعالمياً كوسيلة فاعلة للدفع عوضاً عن استخدام وتداول الأوراق النقدية وحملها خلال السفر والتنقل، فإن البطاقات الائتمانية تعد الوسيلة الأكثر استخداماً والأكثر قبولاً ضمن قطاع التجارة الإلكترونية الذي يشهد رواجاً منقطع النظير حول العالم، ونمواً في أعداد المستخدمين على حساب المتاجر التقليدية لاسيما مع الصعود المتنامي للعديد من مواقع التسوق الإلكترونية وانتشار ثقافتها بين المجتمعات، إذ يتيح التسوق الإلكتروني الوقت والجهد، فضلاً عن السعر المنافس الذي يحقق وفرة تصل إلى 30 % من أسعار المتاجر التقليدية.
وقد أدركت البنوك السعودية ومنذ وقت مبكر الأهمية المتزايدة للبطاقات الائتمانية، وعمدت إلى خوض منافسة فيما بينها لتعزيز القيمة المضافة لتلك البطاقات، وتوسيع خياراتها أمام العملاء، ودعمها بالمزيد من المزايا المحفّزة للاستخدام. فأطلقت مجموعة متكاملة ومنوعة من منتجات البطاقات الائتمانية مع الشركات العالمية المصدّرة لتلك البطاقات تنوعت بين فئات “الفضية والذهبية والبلاتينية” بشقيها التقليدية والمتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، فيما مضت البنوك لما هو أبعد من ذلك بطرحها بطاقات “مسبقة الدفع” والتي تتم تغذيها برصيد مالي عند الاستخدام ما أسهم في رفع حجم مستخدمي البطاقات من ناحية، وتقليص حالات التعثّر عن السداد المترتب على الاستخدام غير الكفء للبطاقات.
كما وطرحت البنوك بطاقات ائتمان المكافآت وهي البطاقات التي تقدّم مكافآت للعملاء عند تنفيذ عمليات الشراء باستخدامها، وتُقسم هذه البطاقات إلى ثلاثة أنواع رئيسيّة هي: بطاقات السفر، وبطاقات النقاط، وبطاقات استرداد النقود، ويختلف تفضيل الأفراد لأنواع هذه البطاقات وفقاً لطبيعة نفقاتهم الشخصيّة. كما يوجد بطاقات الشحن ويُطلق عليها أيضاً اسم بطاقات الخصم؛ وهي بطاقات لا تمتلك حدّاً خاص بالإنفاق مسبقاً، وتتطلّب دفع قيمة أرصدتها بشكل كامل بنهاية الشهر، وغالباً لا تعتمد على أيّ رسوم ماليّة للشحن أو حدٍّ أدنى للدفعات الماليّة؛ إذ يترتب دفع كامل الرصيد.
ووفقاً لبيانات “ساما” الصادرة في نشرتها الإحصائية لشهر مايو الماضي، فقد ارتفع حجم القروض الائتمانية مع نهاية الربع الأول من العام الحالي 2018 بنسبة 21 % بالمقارنة مع الربع المماثل من العام الماضي 2017 لتصل إلى 12,708 مليون ريال مقابل 10,427 مليون ريال، في الوقت الذي تفرض فيه مؤسسة النقد العربي السعودي تعرفة بنكية تشجيعية لاستخدامات البطاقات الائتمانية، وتشمل حداً أعلى للرسوم بقيمة 75 ريالاً للسحب النقدي لمبلغ 5,000 ريال أو أقل، ورسماً لا يتجاوز 300 ريال للسحب النقدي الذي يتجاوز مبلغ 5000 ريال. ولأن الأمن والحماية يبقى التحدي الأبرز أمام نمو استخدام البطاقات الائتمانية في العالم خاصة في ظل التطور التقني المتسارع لوسائل الاحتيال والموازي لتوسع الاعتماد على تقنيات الدفع والتجارة الإلكترونية، فقد واكبت الجهات المصدّرة للبطاقات الائتمانية في السوق السعودية التي تتبرع على عرش أكبر أسواق التجارة الإلكترونية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمعاملات يتجاوز حجمها السنوي 30 مليار ريال، نشاطها بضخ استثمارات هائلة لتدعيم برامج الحماية ورفع مستوى الوعي الوقائي من عمليات الاحتيال، وعملت جاهدة على الموازنة بين تشجيع استخدام البطاقات الائتمانية ووسائل الدفع الإلكتروني من جانب، وتوفير مستويات عالية من معايير الأمان للعملاء تبقيهم بأمن عن أي محاولات للاحتيال رغم التغير السريع في وسائله إلا أن التطوير المستمر في وسائل ومعايير الحماية للبطاقات الائتمانية والمقرون بالوعي المتزايد من قبل حاملي البطاقات لأسس وتعليمات الاستخدام الصحيح جعل من احتمالية الوقوع في مصيدة الاحتيال شبه مستحيلة.
ومع جملة الإجراءات الوقائية والاحتياطية المرتبطة باستخدام البطاقات الائتمانية إلا أن محاولات الاحتيال تبقى قائمة ومتحفّزة لاستغلال أي ثغرة متاحة لتحقيق مآربها، وعادة ما تنشط تلك المحاولات بين موسم وآخر، وخاصة في موسم الصيف والإجازات والذي يستحوذ على النسبة العظمى من استخدامات البطاقات الائتمانية بسبب الارتفاع الملحوظ في حجم الاستهلاك، وتواجد حاملي البطاقات في بلدان وأماكن غير معروفة لديهم على النحو الأمثل ما يجعلهم عرضة أكثر لاستخدامها في متاجر غير موثوقة، وبالتالي يصبحون فريسة سهلة للمتلاعبين والمتربصين.