أكد بحث جديد على إمكانية نقل التجربة اليابانية في محاربة مشكلة البطالة وتحويل الشباب من ساحات التعليم إلى مجالات العمل المختلفة وفق آلية ومعايير محددة تُوائِم بين مناهج التعليم ومتطلبات الصناعة، وذلك إلى الاقتصادات الناشئة، لا سيما في المملكة، مبينًا أن التجربة اليابانية تقدم رؤًى مفيدةً وتسهم في بناء القدرة المحلية لتعليم السياسات التي يبدو بعضُها أسهلَ تطبيقًا في الوقت الحالي بفضل تطوُّر تقنية المعلومات والذكاء الاصطناعي، ولفت إلى أن هناك بعض السياسات الأخرى التي تتطلب تصميم معايير داعمة لتوطين الممارسات.
وحلَّل د. ماكيو يامادا، الباحث بمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، في دراسته التي صدرت حديثًا عن المركز تحت عنوان: «كيف حققت اليابان نسبة بطالة 1 %: تمهيد التحول من التعليم إلى العمل»، كيفيةَ تمهيد اليابان لتحوُّل مواطنيها الشباب من التعليم إلى العمل في سبيل تحقيق توزيع الموارد البشرية في الصناعات الجديدة، من خلال نظام تحول يعتمد على تعديل توقُّعات الشباب بالنسبة للوظائف في مرحلة مبكرة أثناء دراستهم في المدارس، مع المعرفة المسبقة حول الأعمال التي من المرجّح أن يحصلوا عليها؛ ما أسهم في تعديل الطلاب لتوقُّعاتهم غير الواقعية عن العمل قبل دخول سوق العمل الفعلي، دون انخفاض طموحاتهم المهنية، وذلك من خلال توفير برامج تدريبية للطلاب داخل الشركات، مدعومة ماديًّا من قبل الحكومة اليابانية.
وركز الباحث في دراسته على ثلاثة عناصر للنجاح في مواجهة اليابان لمشكلة البطالة وتمهيد تحول الشباب من التعليم إلى العمل، موضحًا أن هذه العناصر قد تُعطي رؤًى مفيدةً لصُنَّاع السياسات في الاقتصادات الناشئة التي تواجه مشكلة البطالة. وذكر أن أول العناصر هو أن اليابان لم تتغلب على عدم تطابق المهارات من خلال معالجة المشكلة مباشرة، بل من خلال بناء النظام الذي حقق تطابق التوقعات. وقال: «شكّلت الحكومة اليابانية الحلقةَ المؤسّسية بين المدارس والشركات الخاصة من خلال مكاتب لاستقرار الوظيفة، وزودت هذه الحلقة المؤسسية الباحثين عن العمل من الشباب بالمعارف حول الطلب القائم على الموارد البشرية، ولذلك ساعدتهم في تعديل توقُّعاتهم عن العمل وفقًا لمتطلبات سوق العمل، في حين أنها مكّنت الشركات الخاصة أيضًا، ولاسيما الشركات الصغيرة والمتوسطة، من تجنيد القوى العاملة في كل أنحاء الدولة».
وأضاف: «قامت الشركات الخاصة بتزويد المعرفة والمهارات الخاصة بالعمل من خلال إعداد البرامج التدريبية لموظّفيها، مع بعض الاستثناءات؛ حيث لم تنجح المحاولات الأولى للحكومة اليابانية في تطوير التعليم الصناعي العام بسبب غياب نظام يعكس المهارات المطلوبة في الصناعة على المناهج الدراسية، ومن جهة أخرى، فإن الدعم المالي من الحكومة للشركات الخاصة بالتدريب خفَّف بشكل فاعل من مخاوف هذه الشركات، ولاسيما الشركات الصغيرة والمتوسطة التي كانت متردِّدة حيال الاستثمار في التدريب؛ لخوفها من عدم قدرتها على استرداد تكاليف التدريب».
وأشار إلى أن ثالث عناصر نجاح اليابان في مواجهة مشكلة البطالة، يتمثَّل في أنَّ قطاع التعليم الياباني، وإن لم يكن قادرًا بشكل كافٍ على مكافحة مشكلة عدم تطابق المهارات، إلا أنه أسهم في إمكانية تدريب الشباب في المدارس، موضحًا أنه تم التركيز على فكرة «كوو» الكونفوشيوسية أو مكافأة الوالدين، وأيضًا أخلاقيات العمل، ولاسيما فضيلة الاجتهاد -الاعتقاد بأن العمل الجاد جيد في حد ذاته- في التلاميذ، وذكر أن هذا النوع من التعليم أسهم في وجود القوى العاملة الجاهزة للعمل المنتج على الرغم من أن استغلال إمكاناتها احتاج إلى المؤسسات الاقتصادية التي زوَّدتها بنظام الحوافز.
وأبانت الدراسة، التي جاءت ضمن دورية «دراسات» البحثية التي يصدرها المركز، أن اليابان كانت دولة تعاني من التقدم البطيء فيما يخص تنويع اقتصادها، فبالرغم من تحديث الدولة السريع بعد العام 1868م إلا أنها بقيت تعاني من مشكلة عدم تطابق المهارات بين مناهج التعليم ومتطلبات الصناعة على مدار النصف الأول من القرن العشرين. ومع وجود نسبة متزايدة من مخرجات التعليم في المجتمع من دون عمل، بقيت بطالة الشباب المشكلةَ الاقتصادية الرئيسة، ولكن بعد عدة عقود نجحت الدولة في تطوير القوى العاملة المنتجة من خلال الاستفادة من ديموغرافياتها التي شهدت «تضخم في الشباب»، ومعها بُنيت الصناعات التنافسية الموجهة للتصدير. وحققت الدولة نسبة بطالة 1 % على التوالي؛ حيث إن الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد في اليابان ازداد إلى ما يقارب عشرة أضعاف خلال 16 سنة بين 1960 و1975م.