أكد إمام وخطيب المسجد الحرام د. عبدالرحمن السديس أن مما يبعث الأمل في النفوس ويُثبت العزائم، أن بلاد الحرمين الشريفين ماضية بكل ثقة في نُصْرَة قضايا المسلمين وخدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما، وحريصة على مقدسات المسلمين في مختلف البقاع أشد الحرص، وَمَنْ أَجْدَرُ من بلاد الحرمين الشريفين، وهي التي تتمتع بفضل الله بالعمق الديني والثِّقَل العالمي والعمق الاستراتيجي والمكانة الدولية المرموقة، وهي المؤهلة دينيًا وتاريخيًا وحضاريًا بحمل الراية في الأزمات الخانقة، وذلك بإبراز النموذج الإسلامي الحضاري الموفق، بإشراقاته وجمالياته في كل مجال من المجالات.
وقال في خطبة الجمعة يوم أمس من المسجد الحرام بمكة المكرمة: كشفت الفِتَنُ قِنَاعَهَا وخَلَعَتْ عِذَارَهَا، وإنَّا لَنُرْسِلُها هَتَّافَةً، في ختام عامِنا الهجري واستشراف عام جديد بَهِيّ، إلى تجديد الثقة والتَّغْيِير الإيجابي المُنعَكِسِ بِصِدْقٍ وإخْلاصٍ ورُسُوخٍ على صعيد الواقع والتّربية والسُّلوك، التَّغيير الذَّاتي الذي يَبْني المُجْتمعات، ويَسْتَشْرِف الخير للأجيال الفتيِّة الصَّاعدة، ليكون النَّجْاحُ معقوداً بِنَوَاصِيها، ويكون دَيْدَنُها جَمْعُ الشَّمْل ودرء الفتن ووأد الشبهات، واستشعار جَلال الأُلْفة والجماعة، وما تقتضيه مِن السَّمع والطاعة.
وتابع الشيخ السديس: إن مما يثير الأسى أن نرى أقوامًا من أبناء الأمة قذفوا بأنفسهم في مَرَاجِلِ الفِتَنِ العمياء، في بُعْدٍ واضح عن الاعتدال والوسطية، وإنَّ تَنَكُّر هذه الفئام لمبادئ دينهم ولهفهم وراء شعاراتٍ مصطنعة، لهو الأرضية المُمَهِّدَة للعدو المتربِّص؛ وأمثال هؤلاء جَرَّؤوا الخصوم على العبث بمقدسات الأمة، وممارسة الإرهاب المتتابع ضد إخواننا في الأرض المباركة فلسطين، وإننا في ختام عام منصرم وآخر مستشرف لنجدد الثقة والبَيْعَةً لولاة أمرنا وقادتنا، وأئمتنا وعلمائنا، ولنكون لهم سندًا وظهيراً في مواجهة الفتن والتحديات، ودرء الشبهات ودحر الشهوات.
وأضاف: في الوقت الذي تُشَن فيه الحملات على أجيالنا لِتَفُتَّ في هِمَمِهِم، يجدر بنا أن نُجَدِّدَ الثقة في نفوسِ أبنائنا وشبابنا، وطلابنا وفتياتنا هذه الأيام، وهم يتوجهون إلى صروح العلوم والمعارف؛ للنهل من مَعِينِ العِلْمِ والمعرفة في بداية عامٍ دراسي حافل بالمعطيات والمنجزات، فطلابنا سواعد أوطاننا، وركائز نهضتنا، وهم الأمل بعد الله في مستقبل البلاد الواعدة.
وأشار إمام وخطيب المسجد الحرام إلى أنه ما أحوج الأمة في ختام عامها إلى تجديدِ الثِّقةِ بربها سبحانه أولاً، ثم بأنفسها وطاقات أبنائها؛ في مُنَازلة الأفكارِ المتطرفةِ، ومكافحةِ فُلول الغُلُوِ والإرهاب، ودُعاةِ التَّحَرر والانحلال، والمتنكرين لدينهم وهُوِيَتِهِم والخائنين لأوطانهم والخارجين على ولاة أمرهم، وتعزيزِ قِيَمِ التسامح والحوار، والاعتدالِ والولاءِ والانتماء، مُتَسَلِّحِين بالاعتصام بالكتاب والسنة، والسَّيْر على منهج سَلَفِ الأمة.