يعكس الخلاف الحاصل بين خبراء ومحللي الأسواق النفطية حجم الفجوة الحاصلة في سوء تقدير الأثر المتوقّع لخروج صادرات النفط الإيرانية من الأسواق، ما رفع سلباً سقف هذه التوقعات عن الحدود المرنة لمسارها، ورمى مؤشر الأسعار لمستويات لا تدعمه إطلاقاً العوامل الراهنة في الأسواق النفطية العالمية.
ويرى خبير في أسواق الطاقة أن أولئك الذين قالوا بعدم كفاية الطاقة الإنتاجية الفائضة لتغطية أي نقص يحصل بالأسواق النفطية وحدوث ارتفاع كبير في مستويات الأسعار غُيّبت عنهم عدّة عوامل مؤثرة بداخل الأسواق العالمية منها على سبيل المثال لا الحصر أن الولايات المتحدة الأميركية لديها القدرة على سحب مليون برميل يومياً لأكثر من سنة وذلك من احتياطاتها الاستراتيجية، ومليون برميل آخر يومياً لثلاثة أشهر متتابعة من المخزونات النفطية التجارية.
يقول لـ “الرياض” خبير أسواق الطاقة الدكتور أنس الحجي ما يدور حالياً بأوساط الصناعة النفطية عبارة عن جملة من الخلافات بين الخبراء والمحللين والإعلاميين حول كمية الانخفاض الذي حصل في الأسابيع الأخيرة وهو بلا شك كبير، والأكبر من ذلك الانخفاض الذي لم يحصل بعد إلى الآن، ولو نظرنا إلى تاريخ العقوبات الاقتصادية حول العالم بشكل عام بالإضافة إلى العقوبات السابقة على إيران سنخرج بنتيجة مفادها أن الصادرات النفطية الإيرانية ستنخفض، ولكن ليس بالشكل الذي يتردد على وسائل الإعلام، وبالتالي فإن هناك طاقة إنتاجية فائضة لتغطية الانخفاض الحاصل في صادرات إيران، إلا أن هذا يعني انخفاض الطاقة الإنتاجية الفائضة، فإذا فقدنا إنتاج فنزويلا لاحقاً فإنه يصعب عندها التعويض عن فقد إنتاج فنزويلا وإيران معاً، وبمجمل القول نستطيع التأكيد على أن المتخوفين من عدم كفاية الطاقة الإنتاجية الفائضة وتوقعاتهم بحدوث ارتفاعٍ كبيرٍ في أسعار النفط يتجاهلون عدة حقائق أهمها:
1- السحب من الاحتياطي النفطي الاستراتيجي في الدول المستهلكة خاصة في الدول العظمى، ويكفي هنا أن نذكر أن الولايات المتحدة الأميركية تستطيع سحب مليون برميل يومياً ولأكثر من سنة، بالإضافة إلى أن جميع الدول الأعضاء في وكالة الطاقة الدولية التي يبلغ عددها حوالي 29 دولة تمتلك احتياطيات للنفط الخام ومنتجات نفطية ستسحبها إذا لزم الأمر، كما أن هنالك احتياطيات أخرى كبيرة في الصين.
2- ارتفاع الأسعار سيخفض نمو الطلب على النفطـ وبالتالي فإننا لا نحتاج نفس الكميات التي كنا سنحتاجها قبل ارتفاع الأسعار.
3- المخزون التجاري ما زال مرتفعٌ نسبياً وهي نقطة سُردت من باب التذكير، فالمخزون التجاري للنفط الخام بالولايات المتحدة يكفي حالياً لسحب مليون برميل يومياً (بخلاف المليون برميل الآنفة الذكر) لمدة ثلاثة أشهر متتابعة دون أي تأثير سلبي على عمليات المصافي.
وأضاف الدكتور الحجّي قائلاً هناك مبالغة كبيرة في تصوير أثر العقوبات على إيران ونتائجها على أسواق النفط العالمية، وبشكلٍ عام فإنه من المتوقع أن يشهد الربع الرابع من العام الحالي نمواً قوياً في الطلب على النفط إلا إذا أثر انخفاض عملات اقتصادات الدول الناشئة في طلبها على النفط، وعلى الرغم من ذلك – حال حدوثه – فإن انخفاض الأسعار نتيجة ذلك في الربع الرابع سيكون محدوداً، لذلك فإن المشكلة ستكون محصورة في الربع الأول من العام 2019م حيث إن هذه الفترة تشهد عادةً تراجع الطلب على النفط فصلياً بحوالي مليون برميل يومياً، والأمر في النهاية سيعتمد على قرار منظمة الدول المصدرة للنفط OPEC خلال اجتماعها في شهر نوفمبر المقبل مع قرب نهاية العام.