تكتسي زيارة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع للكويت بالأهمية؛ كونها تحمل في طياتها عدداً من المضامين المختلفة، فهي ثاني زيارة للأمير محمد بن سلمان للبلاد التي سبق وأن زارها في منتصف العام 2015، واستقبله آنذاك أمير الكويت وكبار المسؤولين بالدولة، كما أن توقيت الزيارة يؤكد مساعي البلدين الشقيقين من أجل تعزيز العمل الخليجي المشترك، ومواجهة المخاطر والتحديات التي تحيط بالخليج والمنطقة العربية، إضافة إلى تدعيم التفاهمات فيما يخص التعاون الاقتصادي ومعدلات إنتاج النفط.

وتنظر الكويت شأنها شأن بقية دول الخليج للمملكة على أنها «العمق الاستراتيجي» وصمام الأمان للخليج والمنطقة؛ نظراً لمكانتها الكبيرة عربياً وعالمياً، ومساحتها التي تقترب من حجم قارة، واقتصادها القوي، ودورها المحوري في التصدي للإرهاب وداعميه، وتحطيم الأجندات الإيرانية المتعلقة بتوسعة النفوذ والحرب بالوكالة في المنطقة، وذلك من خلال الدبلوماسية السعودية التي نجحت في خلق تحالفات وتوازنات دولية استطاعت محاصرة العبث الإيراني.

وفي هذا السياق، رحب رئيس مجلس الوزراء الكويتي، سمو الشيخ جابر المبارك الحمد الصباح، خلال اجتماعه الأسبوعي الأخير، بزيارة الأمير محمد بن سلمان، مؤكداً أنها تأتي في إطار الروابط الأخوية التاريخية القائمة بين البلدين الشقيقين، وحرص قيادة الدولتين على التشاور المستمر حول مختلف القضايا والموضوعات وسبل تدعيم التعاون المشترك في مختلف المجالات والميادين.

فيما أكد نائب وزير الخارجية خالد الجار الله على عمق وتميز العلاقات السعودية – الكويتية، معرباً عن فخره واعتزازه بتطورها، مثنياً على ما تحقق من إنجازات في المملكة، وصولاً إلى الإنجاز الكبير بانطلاق قطار الحرمين الذي يصل بين مكة المكرمة والمدينة المنورة.

وفي غضون ذلك، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي تدوينات ومقاطع فيديو ترصد فرحة الشارع الكويتي بزيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عبر قصائد الشعر وكلمات المدح، التي تحدث خلالها الكويتيون عن أن وجود قيادة شابة مثل الأمير محمد يساوي دولة شابة تحمل الحيوية بمختلف أركانها، مشيرين إلى أن الأمير محمد يتصف بأنه قائد مختلف في التفكير، ويعمل على الوصول للنهضة في مختلف المجالات، واصفين إياه بالشخصية التنويرية الإصلاحية صاحبة الرؤية الثاقبة، ولعل من أبرز ما جاء في ذلك قصيدة الشاعر الكويتي حمود جلوي التي رحب خلالها بزيارة ولي العهد إلى الكويت قائلاً: «أنـورت دار الصبــاح وأسفــرت.. واستهلت في قدومك وأمطرت»، وأضاف في بيت آخر: «ما محمدٌ الباني سوى أملٍ أحيا شبابَ الأماني».

وتحرص القيادتان السعودية والكويتية استناداً إلى الروابط التاريخية وما تمتلكانه من مقومات سياسية واقتصادية على تعزيز مبدأ التشاور والتنسيق المتواصل، والتعاون المشترك في مختلف المجالات، والعمل على تعضيد القوى العربية، والوصول إلى أثر إيجابي على قضايا الأمتين العربية والإسلامية، وحفظ الأمن والسلم الدوليين.

ففيما يخص الجانب الأمني، تسعى المملكة إلى تعزيز التعاون الاستخباراتي والعسكري مع الكويت من أجل المواجهة الأمثل للمشروع الفارسي بالمنطقة، وقطع الطريق على إيران في حالة تحريكها أذرعها الميليشياوية نحو حرب بالوكالة في المنطقة على وقع العقوبات الاقتصادية التي تضع النظام الإيراني في مهب الريح، وذلك على غرار ما حدث بقضية خلية العبدلي في الكويت التي تتبع حزب الله اللبناني بدعم وتخطيط من إيران، وتم ضبط عناصرها البالغ عددهم 25 فرداً وبحوزتهم 19 ألف كيلوغرام ذخيرة و144 كيلوغراماً من المتفجرات و68 سلاحاً متنوعاً و204 قنابل يدوية، إضافة إلى صواعق كهربائية و56 قذيفة «أر بي جي»، كما تعمل الرياض على تعزيز مكافحة الإرهاب بمختلف أنواعه وانتماءاته في البلدين، واجتثاث جذوره التي تهدد الأمن والاستقرار.

أما فيما يخص الجانب الاقتصادي، تعمل المملكة على توحيد الرؤى الخليجية فيما يخص آلية تصدير النفط بعد العقوبات الأميركية المنتظرة ضد إيران في نوفمبر المقبل، والتي ستستهدف «تصفير» نسبة تصدير النفط الإيراني، مما سيؤدي إلى إرباك الأسواق، والحاجة إلى تنسيق خليجي لدعم مردود الخطوة الأميركية في تحجيم النفوذ الإيراني بالمنطقة.

وترتبط الدولتان بعدد من الاتفاقيات بالمجال الاقتصادي وخدمات النقل الجوي والاستثمار في المجال الإعلامي والثقافي.

كما تسعى الدولتان الخليجيتان إلى تحقيق «التكامل الاقتصادي» الذي يعود بالمنفعة على كل منهما، حيث إن رؤية 2030 والاقتصاديات الضخمة للمملكة يقابلها مشروعات ميناء مبارك الكويتي، وانضمام الكويت إلى مشروع الحرير الضخم الذي تقوده الصين، وبالتالي فإن التكامل الاقتصادي بين البلدين يعينهما على مواجهة التحديات، والعبور الآمن من المشكلات الاقتصادية المتراكمة التي تواجهها دول العالم.

وبالعودة للتاريخ نجد مراحل كثيرة تجسد متانة العلاقات السعودية – الكويتية الضاربة عبر العصور المختلفة، وأبرزها: أن مؤسس المملكة الملك عبدالعزيز آل سعود – رحمه الله – قد بدأ من دولة الكويت مسيرته في توحيد المملكة وإرساء قواعدها.

كما أن الأجيال الكويتية لن تنسى الموقف السعودي الخالد الذي ساند الكويت ودافع عن استقلالها وشرعيتها أثناء غزو صدام للبلاد، حيث تصدت المملكة لهذا الاحتلال، وبذل جنود المملكة دماءهم دفاعاً عن الكويت، كما استقبلت المملكة القيادة السياسية الكويتية والحكومة وأبناء الشعب الكويتي على أراضيها في ذلك الوقت، وعملت على تقديم مختلف أوجه المساعدة لهم، في إطار مساهمتها الفاعلة في تحرير الكويت.

ومنذ ذلك الحين، أجرى ولاة العهد في البلدين الشقيقين العديد من اللقاءات والاجتماعات والزيارات المتبادلة التي أسهمت في توافق السياسة النفطية لدى البلدين، الأمر الذي أدى إلى الاستقرار في الأسواق العالمية للنفط باعتبارهما من أكبر المنتجين في العالم، إضافة إلى توحيد الصف الخليجي منذ قيام مجلس التعاون الخليجي مطلع الثمانينات تحت راية المصيرية والاستمرارية.

ودشن البلدان مجلس التنسيق السعودي – الكويتي في 18 يوليو العام 2018م، الذي شمل تحت مظلته مختلف أوجه التعاون بعد ارتفاع حجم التبادل التجاري بينهما من 506 ملايين دولار العام 2001 إلى أكثر من 2.2 مليار دولار العام 2015 بنسبة 331.5 بالمئة.