نوهت تقارير اقتصادية عالمية بالتوجه الصائب للمملكة العربية السعودية للاستثمار الكبير جداً في النفط الخام وتحويله مباشرة إلى بتروكيميائيات متجنبة مرور النفط في عدة عمليات في المصافي لإنتاج المشتقات النفطية مثل النافثا والبنزين وغيرها ومن ثم استخدامها لإنتاج البتروكيميائيات حيث أن هذا الاستثمار الحكيم والناجح يوفر الكثير من التكاليف الإنشائية للمصافي ويقلص حاجة البتروكيميائيات لمكررات النفط والمواد الخام الأخرى المكلف إنتاجها مما يعزز من القيمة المضافة للنفط وحسن استخدام البلاد للطاقات الفائضة من النفط وتوجيهها للاستهلاك الأمثل.
وأتت التقارير مدفوعة بما أعلنه صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع مؤخراً في مقابلة «بلومبيرغ» عن العلاقة القوية المرتقبة التي تربط بين النفط والبتروكيميائيات ملفتاً سموه إلى الطلب الكبير المتنامي العالمي على البتروكيميائيات المقدر نموه اليوم بنسبة 2 % إلى 3 %، وأن الطلب على النفط لعشرين سنة قادمة من اليوم سيكون من البتروكيميائيات، وستتمكن شركتا «أرامكو» و»سابك» من إنتاج أكثر من 3 ملايين برميل من البتروكيميائيات بحلول العام 2030.
وأكد تقرير وكالة الطاقة الأميركي رؤية الأمير محمد بن سلمان في أن البتروكيميائيات تمضي قدما لتصبح أكبر محرك للطلب العالمي على النفط ملفتاً التقرير إلى التوسع الكبير في استخدامات المنتجات البتروكيميائية في الكون وتشمل البلاستيك والأسمدة والتعبئة والملابس والأجهزة الرقمية والمعدات الطبية والمنظفات والإطارات وغيرها من الضروريات التي تمس طعام ودواء وكساء ورفاهية البشرية، في وقت أصبحت البتروكيميائيات المشتقة من النفط أكبر محركات الطلب العالمي على النفط أمام السيارات والطائرات والشاحنات ووسائل النقل بأنواعها والتي تشير التوقعات لتحولها للكهربائية والطاقة المتجددة والتي بدورها تعتبر البتروكيميائيات ذات أهمية ومطلوبة لتصنيع أجزاء كثيرة من نظام الطاقة المتجددة بما في ذلك الألواح الشمسية، وتوربينات الرياح، والبطاريات، والعزل الحراري والمركبات الكهربائية.
ومن المقرر أن تستحوذ البتروكيميائيات على أكثر من ثلث النمو في الطلب العالمي على النفط حتى العام 2030، ونحو نصف النمو إلى العام 2050، مما يضيف نحو 7 ملايين برميل من النفط يوميا بحلول ذلك الوقت. كما أنها تستعد لاستهلاك 56 مليار متر مكعب إضافي من الغاز الطبيعي بحلول العام 2030، و83 مليار متر مكعب بحلول العام 2050، فيما يظل الطلب على المواد البلاستيكية المحرك الرئيس للبتروكيميائيات من منظور الطاقة حيث تضاعف منذ العام 2000 في الاقتصادات المتقدمة بعشرين ضعفا من البلاستيك وأكثر من 10 أضعاف من الأسمدة في الاقتصادات النامية على أساس نصيب الفرد، مما يؤكد على الإمكانات الهائلة للنمو العالمي.
ومن المنظر أن تقود ديناميكية صناعة البتروكيميائيات أيضاً اتجاهات جديدة حول العالم بعد عقود من الركود والهبوط في وقت تعود الولايات المتحدة الآن إلى الظهور كموقع منخفض التكلفة لإنتاج المواد الكيميائية بفضل ثورة الغاز الصخري وهي الآن موطن لحوالي 40 % من طاقة إنتاج البتروكيميائيات العالمية القائمة على الإيثان، فيما يظل الشرق الأوسط المركز الأدنى تكلفة للعديد من البتروكيميائيات الرئيسة مع مجموعة من المشروعات الجديدة التي تم الإعلان عنها في جميع أنحاء المنطقة.
وتطورت استخدامات المنتجات البتروكيميائية بفوائد كبيرة للمجتمع بما في ذلك عدد متزايد من التطبيقات في مختلف التقنيات النظيفة والمتطورة المهمة لنظم الطاقة المستدامة، ومع ذلك يمثل إنتاج واستخدام والتخلص من المنتجات المشتقة من البتروكيميائيات مجموعة متنوعة من تحديات تلوث المناخ والجودة وتلوث المياه التي تحتاج إلى المعالجة، في حين أن الزيادات الكبيرة في إعادة التدوير والجهود المبذولة لكبح المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد جارية، لاسيما في أوروبا واليابان وكوريا، إلا إن تأثير هذه الجهود على الطلب على البتروكيميائيات يفوق بكثير الزيادة الكبيرة في استهلاك البلاستيك في الاقتصادات الناشئة.
ولمعالجة هذه التحديات تبرز سيناريوهات التكنولوجيا النظيفة التي توفر مستقبلاً بديلاً يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة الرئيسة للأمم المتحدة. ويوفر هذا السيناريو طموحا طويلا يمكن تحقيقه للحد من الآثار البيئية للبتروكيميائيات من خلال خفض ملوثات الهواء من إنتاج المواد الكيميائية الأولية بنسبة 90 % تقريبا بحلول العام 2050، وخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المباشرة بنسبة 60 % تقريبًا، وتحسين إدارة النفايات لزيادة إعادة التدوير وبالتالي وضع الأساس لأكثر من نصف النفايات البلاستيكية التراكمية والمحيطة بالمحيط بحلول العام 2050، وسوف تساهم التكنولوجيا النظيفة في دعم الطلب العالمي للبتروكيميائيات من النفط.