بعد أن نجحت شركة “سابك” بامتياز في الاستحواذ على قطاع البلاستيك والكيميائيات المتخصصة في شركة جنرال إلكتريك الأميركية عام 2008 بقيمة 43,5 مليار ريال والتي اعتبرت أكبر صفقة استحواذ عربية في الغرب والتي حاول الكونجرس الأميركي أبطالها لدواعي أمنية في ظل موجه شكوك عارمة في ذلك الوقت حول قيمة الصفقة ومدى جدواها الاقتصادية شنها عشرات المحللين السعوديين آنذاك، ساهم هذا الاستحواذ في توسعة عولمة “سابك” لتبلغ المرتبة الرابعة عالمياً في المبيعات والأرباح والأصول والأولى في المنتجات المتخصصة وجملة منجزات وعوائد يصعب حصرها.
وبعد هذا النجاح الكبير الذي واصلت “سابك” على أثره حصد أكبر الأرقام التاريخية طوال السنين الماضية وحتى الآن، قررت شركة “أرامكو” السعودية خوض غمار تجربة “سابك” الضخمة من خلال إعلانها عن خطة للتحول الاستراتيجي تمكنها من التحول من كونها الشركة الأولى الرائدة في العالم في مجال الطاقة لتصبح الشركة الرائدة في العالم في مجال الطاقة والكيميائيات معاً واضعة الشركة نصب عينها أن الريادة والهيمنة العالمية لتزعم قطاع الكيميائيات لن يتحقق دون الاستحواذ الكبير على أكبر الشركة العالمية الرائدة في صناعة البتروكيماويات سواء في المملكة أو خارجها وذلك على خطى “سابك” في استحواذاتها الموفقة والمتميزة.
وهذا ما دفع “أرامكو” للتخطيط العميق للاستحواذ على أكبر الحصص في شركة “سابك” والتي في حال إتمامها ستجد “أرامكو” الفرصة سانحة ومواتية أمامها بشكل كبير جداً لتحقيق أحلامها وتفعيل استراتيجيتها التحولية لقيادة سوق البتروكيماويات العالمي بالمرتبة الأولى من دون منازع حيث لم يشفع إقدام أرامكو، سواء على تنفيذ أكبر المشروعات الكيميائية في العالم وأبرزها مشروع “صدارة”، أو المشاركة في تطوير وتملك مصافي التكرير العالمية ودمجها مع الكيميائيات والتي عظمت من شأنها في السنتين الأخيرتين، في تحقيق هدف الريادة العالمية للبتروكيميائيات.
في حين ترى “أرامكو” إمكانية بلوغها القمة في إنتاج وتسويق البتروكيمائيات بعد أن نجحت في رفع طاقتها الإنتاجية المحلية والدولية للكيميائيات إلى 31,1 مليون طن متري سنوياً حيث بلغ إجمالي إنتاجها المحلي 18.5 مليون طن سنوياً عبر مجمعاتها المدمجة للتكرير والبتروكيميائيات في شركات “صدارة”، و “بترورابغ”، و “ساتورب”، فيما بلغ إنتاجها خارج المملكة طاقة 12.6 مليون طن، وفي حال الاستحواذ على “سابك” البالغة طاقتها الإنتاجية أكثر من 70 مليون طن تنفرد “أرامكو” بصدارة العالم للكيميائيات بطاقات تفوق 100 مليون طن.
وفيما كان جل اهتمام “أرامكو” في العقود الماضية ينصب على استثمارات إنتاج النفط والغاز والتوسع الكبير جداً في قطاع التكرير والمعالجة والتسويق ومن ثم المشروعات المدمجة المتكاملة للتكرير والكيميائيات والتي حققت خلالها أكبر الإنجازات والمكتسبات، دفعها ذلك للهيمنة الكيميائية في ظل تأكدها من دوام نمو هذا القطاع بمعدل 3 % كأسرع من معدل نمو الاقتصاد العالمي أو الطلب الإجمالي على الوقود، مع توقعات مضاعفة نموه أضعاف بمقدار 50 % عما هو عليه الآن على مدى الـ20-25 سنة القادمة، وبحلول عام 2040 سيأتي 15 % من الطلب على النفط من البتروكيميائيات في وقت تبلغ قيمة أعمال الصناعة الكيميائية العالمية حالياً أربعة تريليونات دولار، وتمضي قدماً لبلوغ خمسة تريليونات دولار، في وقت تستحوذ البتروكيميائيات على أكثر من ثلث النمو في الطلب العالمي على النفط حتى عام 2030، ونحو نصف النمو إلى عام 2050، مما يضيف نحو سبعة ملايين برميل من النفط يوميا بحلول ذلك الوقت، فضلاً عن استعداد القطاع لاستهلاك 56 مليار متر مكعب إضافي من الغاز الطبيعي بحلول عام 2030، و83 مليار متر مكعب بحلول عام 2050.
في حين تمضي أرامكو للتوسع الكيميائي في الصين وكوريا والهند وماليزيا وأوروبا بضخ استثمارات بحوالي 300 مليار ريال وتسعى لإتمام شراكات جديدة خلال العام الجاري 2018 لتدعم خططها لقيادة سوق البتروكيميائيات العالمي بالمرتبة الأولى بحلول 2040، في وقت قطعت الشركة خطوات متقدمة للهيمنة في صناعة البتروكيميائيات في الهند من خلال مشروع مشترك مناصفة مع ثلاث مصاف هندية لبناء مصفاة تضم منشآت بتروكيماويات على الساحل الغربي للهند بتكلفة تقديرية تبلغ نحو 165 مليار ريال.