أوضح عدد من الفقهاء والاقتصاديين إنه لا يوجد مانع شرعي من أخذ البنوك أجرًا مقابل الخدمات المقدمة للحسابات الجارية كرسوم فتح الحساب أو رسوم دورية أو رسوم للسحب النقدي ونحو ذلك؛ لأن المصرف في مركز المدين والعميل في مركز الدائن، والمحظور شرعًا أن يأخذ الدائن زيادة على المدين وليس العكس.
ورأى مشاركون في الجلسة التي حملت عنوان، “المزايا التي يمنحها المصرف لعملاء الحساب الجاري من المنظور الشرعي”، ونظمت على هامش مؤتمر مجمع الفقه الإسلامي الدولي للدورة 23، عدم جواز منح الجوائز على الحساب الجاري في البنوك إذا كانت مشروطة في العقد أو أعلن المصرف عن تلك الجوائز قبل فتح الحساب وكان الإعلان ملزمًا.
وفي بداية الجلسة شدد وزير الدولة للشؤون الدبلوماسيَّة برئاسة جمهورية غينيا د. قطب مصطفى سانو على أهمية الانتقال بالفكر المالي الإسلامي المعاصر من منهجية التكييف الاستنباطي المحدود إلى منهجية التأصيل الاستقرائي اللامحدود، أملاً في تمكين الماليَّة الإسلاميَّة من حسن توجيه جديد العقود والمعاملات، وتسديد الوافد من العقود والمعاملات القائمة.
من جانبه قال خبير فقه المعاملات المالية والدراسات المصرفية الإسلامية د. عبدالستار أبوغدة إنه لا يجوز تقديم مزايا مالية لأصحاب الحسابات البنكية الجارية سواء كانت نقدية أو عينية، لأنها تمثل منفعة على القرض ولا يجوز القرض مع منفعة للمقرض.
التكييف الفقهي
وأوضح الأستاذ السابق بجامعة الملك عبدالعزيز د. محمد علي القري أن التكييف الفقهي المعاصر الراجح لطبيعة الحساب الجاري بالبنوك أنها منظومة عقدية ولا تأخذ حكم القرض ولا الوديعة، موضحًا أن المنظومات العقدية ليست جمعًا حسابيًا لجملة من العقود بحيث يترتب على اجتماعها اجتماع حلال وحرام فيغلّب حكم الحرام على حكم الجواز والإباحة، وإنما هي جمع هندسي تتغير باجتماع هذه المكونات العقدية طبيعة العلاقة بين الطرفين بحيث لا يمكن القول هي ذلك العقد بعينه فتأخذ حكمه، وإن بقي الشبه ببعض العقود، في حين قال كبير الباحثين في المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب البنك الإسلامي للتنمية د. العياشي الصادق فداد، إن الهدايا العينية بجميع أنواعها والمزايا المالية إن كانت مشروطة في العقد أو متعارف عليها في نظام البنك المصرفي تعتبر منفعة حقيقية زائدة عن مبلغ الحساب مشترطة في العقد أو معروفة فهي من جنس الفائدة الربوية التي يدفعها المقترض للمقرض زيادة عن المقترض.
وبين رئيس الاستشارات الشرعية والحوكمة في البنك الأهلي التجاري د. موسى آدم عيسى أن إطلاق مصطلح الوديعة المصرفية على الحسابات الجارية هو من باب المجاز، ويعود الاختلاف في المسمى إلى الاختلاف في النظر الى طبيعة العلاقة. موضحًا بأن تكييف الحسابات الجارية في الشريعة والقانون على أنها قروض من العميل للبنك.
وفي بحث مشترك، قال باحثان إن الودائع في الحسابات المصرفية الجارية تكيف على أنها قروض مضمونة على المصارف المقترضة سواء كانت إسلامية أو تقليدية؛ للتطابق في الخصائص بين الوديعة المصرفية وعقد القرض المعروف شرعًا وقانونًا. مشيرين إلى أنه لا يشارك المودع في الحساب الجاري في الخسائر التي قد تنجم عن استثمارات المصرف ونشاطاته كما أنه لا يستحق أي مشاركة في الأرباح؛ لأن وديعته مضمونة يلزم المصرف دفعها عند طلب أربابها.
من جانب آخر قال أستاذ الاقتصاد وعميد كلية التجارة جامعة الأزهر سابقًا د. شوقي أحمد دنيا إن البنوك في حاجة ماسة إلى الحسابات الجارية لحاجتها إلى تحقيق المزيد من العوائد والأرباح، ولذلك تقبل على فتحها لمن يريد، بل وباتت تعمل جاهدة على جذب أكبر عدد ممكن من الأفراد والأشخاص للقيام بفتح هذه الحسابات من خلال ما تقدمه لهم من مزايا عديدة ومتنوعة بل لقد سارت إلى ما هو أبعد من ذلك إذ في حالات عديدة تلزم البنوك العملاء بفتح هذا الحساب، وحدد الأستاذ بكلية التجارة بجامعة الأزهر د. محمد عبد الحليم عمر عشر ضوابط لمنح البنوك والمصارف جوائز لأصحاب الحسابات الجارية، موضحًا بأن الضابط الأول هو أن لا تذكر المزايا في طلب فتح الحساب ولا الشروط والأحكام المرفقة باتفاقية فتح الحساب وأن لا تكون ملحوظة في الإعلانات بما يوحي بأنها من شروط الحساب. والثاني: أن تكون قائمة على التبرع من جانب البنك وبإرادة منفردة. الثالث، أن تذكر المزايا في الإعلانات وعلى موقع البنك بعبارة “يجوز للبنك منح مزايا لأصحاب الحسابات الجارية، لأن الجواز لا يعني الالتزام، والرابع، أن لا تكون هذه المزايا نقدية لأنها بذلك تكون من جنس مبلغ الحساب في صورة زيادة على المبلغ فتكون من الربا، والخامس، أن لا تعطى الجوائز لكل العملاء حتى لا تكون من جوهر هذه الحسابات وإنما تعطى لعدد محدود منهم ويتم اختيارهم بالقرعة سواء من الكل أو لفئة منهم، والسادس، أن لا تكون لها مواعيد ثابتة أو شكل واحد ولا تكون بشكل واحد متكرر حتى لا تصير بمرور الزمن عرفًا وبالتالي تصبح مثل الهدايا المشروطة، والسابع: أن لا ترتبط قيمتها بحجم مبلغ الوديعة داخل الفئة الواحدة، والثامن، أن الهدايا ذات القيمة الصغيرة والتي تمنح لجميع العملاء جائزة، والتاسع، يجوز منح المزايا المعنوية التي تمثل نوعًا من التقدير وحسن الضيافة لجميع عملاء البنك ومنهم أصحاب الحسابات الجارية، وأخيرًا الضابط العاشر، أنه يجوز للبنك منح هدايا وجوائز للعملاء قبل فتح الحساب كما يجوز أن يقدم جوائز نقدية أو عينية لبعض الجهات أو الأفراد لاستقطاب عملاء جدد.
كما رأى أستاذ الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء د. يوسف الشبيلي أنه لا يمنع شرعًا من أخذ البنوك والمصارف أجرًا على الخدمات المتعلقة بالحساب الجاري، سواء على جميع الحسابات الجارية أو على بعضها، كرسوم فتح الحساب، أو رسوم دورية على الحساب، أو رسوم للسحب النقدي، ونحو ذلك؛ لأن المصرف في مركز المدين والعميل في مركز الدائن، والمحظور شرعًا أن يأخذ الدائن زيادة على المدين وليس العكس، فلا يجوز أخذ فوائد مشروطة على الودائع الجارية؛ سواء قيل بتخريجها على عقد القرض أم على الوديعة المضمونة ولا خلاف بين العلماء المعاصرين في ذلك، لأنها بالاتفاق دين مضمون في ذمة المصرف؛ فلا تجوز الزيادة فيه. مبينًا أنه لا خلاف بين العلماء في أن الودائع الجارية تعد دينًا في ذمة المصرف، وإنما الخلاف في توصيف هذا الدين هل هو قرض، أم أنه وديعة مضمونة؟ أم أنه دين ناشئ عن عقد جديد يجمع بعض خصائص العقدين.
ولفت الأمين العام للمركز الإسلامي الدولي للمصالحة والتحكيم في دبي د. عبد الستار الخويلدي إلى عدم جواز منح الجوائز على الحساب الجاري في البنوك إذا كانت مشروطة في فتح عقد الحساب الجاري أو أعلن المصرف عن تلك الجوائز قبل فتح الحساب وكان الإعلان ملزمًا، موضحًا أن الخدمات التي تقدم للعملاء كإعطاء البطاقات أو دفتر الشيكات مجانًا فليست داخلة في دائرة المنع لأنها غير مشروطة وتنازل المصرف بصفته مقترضًا عن حقه.
كما أوضح المفتي العام للمملكة الأردنية الهاشمية د. محمد الخلايلة أن الحسابات الجارية في البنوك الإسلامية هي قروض بالمنظور الفقهي، إلا أنه ينبغي أن لا يجري فيها كل أحكام القرض في الفقه الإسلامي. مضيفاً بأن حسابات الاستثمار لدى البنوك الإسلامية تكيف على أنها مضاربة وتجري فيها جميع أحكام المضاربة في الفقه الإسلامي.
وفي نهاية الجلسة طالبت المستشارة في المصرفية الإسلامية د. خولة النوباني بإعادة النظر في التكييف الفقهي للحسابات البنكية الجارية، إذ إنه باعتبارات العميل هو عقد وديعة وباعتبارات المصرف هو عقد قرض، كما أنه في حال الالتزام بتكييف المعاصرين له بأنه عقد قرض فمن الواجب انسجام الإجراءات والامتيازات المتعلقة بهذا الحساب مع ضوابط عقد القرض.