أدركت المملكة التوجهات العالمية القادمة في صناعة البتروكيميائيات وتحدياتها وتقلباتها والدور الأعظم المنتظر لعملاقي النفط والكيميائيات في العالم شركتي “أرامكو” و”سابك” لقيادة سوق الكيميائيات والكيميائيات المتخصصة في العالم وإعادة هيكلته وخلق كيان متين في تحول جذري مذهل، وفق رؤية “مركز معلومات الكيميائيات المستقلة” العالمي وقراءته لتحول المملكة لتعزيز مكانتها في القطاع المرتبط بتحالف العملاقين “أرامكو” و”سابك” واللذين بدأا مرحلة مهمة لابتكار تقنيات وموارد جديدة لإنتاج الكيميائيات دون الاعتماد الكلي على الغاز الطبيعي.
وأشار التقرير إلى أن المملكة قد استوعبت ديناميكية سوق البتروكيميائيات جيداً لتسير في اتجاه تصاعدي مغاير متجاوزة منافسيها من الذين سبقوها لهذه الصناعة، وأن المملكة لم تصل لهذا المستوى من النمو بسبب بيعها للخام غير المكرر بكميات ضخمة وبهوامش منخفضة، وإنما بقدرة المملكة على تغيير المفهوم الخاص بصناعات المصب وتطوير موارد ولقيم الصناعات الكيميائية وتعظيم سلسلة القيمة المضافة، مستشهداً بمجمع “صدارة للكيميائيات” بالجبيل2 والذي يجسد المفهوم الجديد لصناعات المصب في المملكة من خلال طرحه لمنتجات كيميائية أساسية ومتخصصة ووسيطة تمثل القاعدة لقيام عشرات المصانع التحويلية وفروعها وصولاً للمنتج النهائي الاستهلاكي في دورة صناعية اقتصادية يتم تنفيذها في موقع واحد، في وقت تدخل “صدارة” البالغة حجم استثماراتها 75 مليار ريال نفسها بالشراكة مع هذه المشروعات لجذب مزيد من الصناعات البلاستيكية والكيميائية التحويلية المحلية والعالمية مستهدفة إقامة 300 صناعة شاملة مدعمة بكافة مراكز القوى التي تقدمها لهم “صدارة”.
ووجد الشريكان “أرامكو” و”داو” في “صدارة” المنحى الذي سيغير مفهوم صناعة البتروكيميائيات بخلق موارد جديدة ذاتياً بقدرة المجمع على نحو غير مسبوق على معالجة الإيثان والنافثا من خلال وحدة تكسير اللقيم المختلط لإنتاج كيميائيات متخصصة عبر 26 مصنعا تمهد للمنتجات النهائية بدء من الملطفات وانتهاء بقطع غيار السيارات، في وقت تمنح تقنية تكسير اللقيم المختلط إمكانية تعديل مستويات إنتاج المواد الكيميائية للشركة ما بين لقيم النافثا والإيثان حسب طلب السوق.
وتواصل مصانع البتروكيميائيات في المملكة تقدمها في تنويع مواردها سعياً لعدم الاعتماد الكلي على الإيثان لمخاوف العجز وتوجيهه الأكبر لقطاع الكهرباء والتحلية، واتجهت بعضها لاستخدام النافثا لقيما للبتروكيميائيات إلا أن مخاوف قلة إمدادات الإيثان تؤثر على إنتاج النافثا وديمومتها، مما حد بكبار المنتجين للبحث عن تقنيات أخرى تولد اللقيم دون الاعتماد على إمدادات الغاز الطبيعي ما نتج عنه ولادة أكبر تحالف في صناعة النفط والكيميائيات يضم عملاقي الصناعة شركتي “أرامكو” و”سابك” وتأسيس أكبر مجمع في العالم لتحويل النفط الخام إلى كيميائيات بحجم استثمارات تصل لنحو 112,5 مليار ريال (30 مليار دولار).
والمشروع أحرز تقدماً كبيراً في مراحله التحضيرية للتقنيات التي سوف ستخدم لتحويل 400.000 برميل في اليوم أو 20 مليون طن في السنة من النفط الخام الخفيف لإنتاج تسعة ملايين طن من البتروكيميائيات وهو ما يعني تحويل 45 % للمواد الكيميائية لكل برميل من النفط، وتستهدف تقنية أرامكو في المشروع تحويل 70 – 80 % لكل برميل من النفط إلى مواد كيميائية.
في وقت بدأت مصانع بتروكيميائية سعودية تخطط لاستخدام غاز البترول المسال لقيما مباشراً وخاما لإنتاج البتروكيميائيات ما دفع “أرامكو” بصفتها أكبر منتج ومسوق لغاز البترول المسال لتصعيد إنتاجها لأكثر من 33 ألف برميل يومياً (حوالي 12 مليون برميل سنوياً)، في وقت هيأت بعض المصانع وحدات تكسير نافثا تتمتع بالقدرة على استخدام غاز البترول المسال واستبدال حوالي 10 – 15 % من النافثا.
ودعم التقرير قراءته لقوة مستقبل التحول الكيميائي السعودي الوشيك والذي يتجه لقيادة سوق البتروكيميائيات العالمي بالتحالف الأكبر المنتظر بين عملاقي النفط والكيميائيات “أرامكو” و”سابك” برغبة الأولى الاستحواذ على 70 % من حصص الأخرى الأمر الذي وصفه المحللون بالتحول الجذري للعملاقين من أطر المنافسة الثنائية المحمومة للريادة العالمية المنفردة في صناعة البتروكيميائيات إلى التلاحم والتمازج والاندماج لتكوين أكبر الكيانات الصناعية الثنائية المدمجة الضخمة لصناعة النفط والتكرير والكيميائيات ومشتقاتها.
وبالتالي سيخلق الدمج للمملكة بطلًا وطنيًا للبتروكيميائيات بحصة سوق دولية مضمونة مع تحرير بعض رأس المال لصندوق الاستثمارات العامة والذي من المخطط أن يهيئ لأرامكو الفرصة التاريخية لتستحوذ على إجمالي حصص الصندوق في “سابك” والتي في حين اكتمالها تتوج المملكة بلا منازع بقمة العالم مهيمنة بالمرتبة الأولى في صناعة وتقنيات وإنتاج وتسويق الكيميائيات محدثة أكبر تحول جذري للمشهد الصناعي العالمي.
ومع توقع انخفاض الطلب على النفط الخام من قطاع الشحن البري والجوي في العقود القادمة هرعت شركة “أرامكو” لتأمين أسواق النفط قبل أن ينخفض الطلب، وبحسب وكالة الطاقة الدولية من المتوقع أن تكون البتروكيميائيات أحد المصادر الرئيسة لنمو الطلب على النفط حتى العام 2040، وإن الطلب على المواد الكيميائية عالية القيمة يقيس مسار الناتج المحلي الإجمالي بصورة أوثق من الطلب على الطاقة الأولية والانبعاثات المتصلة بالطاقة.
ورغم وجود عدد من الشكوك حول مزيج الطاقة في المستقبل، إلا أن السيناريو الجديد لسياسة الوكالة، الذي يتميز بالضغط الصعودي الثابت على أسعار النفط (85 دولارا للبرميل بحلول 2025)، يزعم بأن الإيثان كمادة وسيطة ستتوسع حتى منتصف 2020 قبل أن تستعيد النافثا حصتها في السوق على المدى الطويل. وفي جانب سيناريو الطاقة المتجددة والبديلة تتوقع الوكالة أن ينخفض النفط في جميع القطاعات باستثناء البتروكيميائيات.
في وقت تشير التوقعات أن يصل الطلب المجتمع على النافثا وغاز البترول المسال والإيثان إلى حوالي 6 ملايين برميل يومياً إلى 2040، وهذا النمو الكبير بسبب قلة الخيارات البديلة من النفط لصناعة الكيميائيات والتي ستؤدي إلى زيادة الطلب العالمي على الطاقة حيث من المتوقع أن يرتفع الطلب العالمي على اللقيم من 11 مليوناً إلى 16 مليون طن سنوياً حتى العام 2040.