شهدت الرياض صباح أمس أكبر حدث لشرح نتائج الميزانية العامة للدولة التي صدرت يوم أمس الأول، وبدأت أعمال جلسات ملتقى الميزانية الذي نظمته وزارة المالية، بعنوان “توجهات الميزانية العامة للدولة”.
وفي جلسة العمل الأولى شارك كل من وزير المالية محمد بن عبدالله الجدعان، ووزير الاقتصاد والتخطيط محمد بن مزيد التويجري، ومحافظ مؤسسة النقد العربي السعودي د. أحمد بن عبدالكريم الخليفي.
وفي مستهل الجلسة تحدث وزير الاقتصاد والتخطيط محمد بن مزيد التويجري حيث أكد أن النمو الاقتصادي الذي تشهده المملكة مطمئن ولله الحمد، لا سيما وأن هذا النمو وافق التوقعات في عام 2018م، ولبى خطط وبرامج رؤية المملكة 2030 المحددة لهذا العام، كم تحقق المنشود بتفعيل دور التنوع الاقتصادي في هذا النمو.
وقال التويجري إن مشاركة القطاع الخاص كانت فاعلة، وأن الهدف الأساسي المأمول من النمو أن ينعكس على دخل الفرد وحياته، وحيال النتائج المحققة خلال عام 2018م فيما يتعلق بالعمل على النمو الاقتصادي للمملكة، أوضح أن المتوقع كان الوصول إلى نسبة 1.8 %، إلا أن الجهود المستمرة والعمل الجماعي لجميع الجهات الحكومية المعنية وتفاعل القطاع الخاص الذي تجاوب مع الدعم الحكومي له، جعل الجميع أمام حقيقة أنه تم تجاوز المتوقع بتحقيق 2.3 % في معدل النمو الاقتصادي، معرباً عن أمله بالوصول بهذا النمو إلى نسبة 2.6 % في عام 2019م، وذلك بناءً على الخطط الموضوعة لهذا الأمر المتمثلة بمواصلة الدعم الحكومي عبر المشروعات الكبرى واستمرار تحفيز القطاع الخاص للمشاركة في النمو الاقتصادي الوطني.
وعن آلية تحفيز القطاع الخاص للمشاركة بفعالية أكبر في النمو الاقتصادي الوطني أوضح التويجري أن التطلعات كبيرة في هذا الشأن، خصوصاً مع حرص الدولة على الاستمرار بجدية في عملية التنسيق الدائم مع هذا القطاع لفهم احتياجاته بصورة محددة، والوقوف المباشر على نتائج الإصلاحات الاقتصادية على هذا القطاع، لافتاً إلى الخطة المزمع تنفيذها في هذا الصدد، المتضمنة استحداث تشريعات جديدة من شأنها دفع القطاع الخاص لمرحلة أكثر فاعلية، إلى جانب مواصلة دراسة الوضع القائم في سوق العمل لقياس حجم الدعم اللازم له وأفضل آليات هذا الدعم، بهدف تحقيق نتائج أكثر إيجابية، تنعكس على مشاركة أكبر لهذا القطاع في عملية النمو الاقتصادي.
وشدد وزير الاقتصاد والتخطيط على أهمية الاستدامة في العملية التنموية التي تضمنها أهداف رؤية المملكة 2030، والتي تتطلع إلى الوصول إليها وتحقيقها، لا سيما مع وضوحها ودقتها، مبيناً أن الـ12 عاماً القادمة كفيلة بتحقيق تنوعٍ اقتصادي أكبر، الأمر الذي سيقلل من عملية تأثر الاقتصاد بأسعار النفط، مؤكدا أن رؤية المملكة 2030 تسعى إلى جعل الاقتصاد الوطني بمعزل عن عملية تأثير أسعار النفط عليه، داعياً إلى أهمية مراعاة المتغيرات والسياسات في سوق العمل من حيث التجديد والتحديث.
وبشأن ظاهر البطالة أفاد التويجري بأن قياس معدلات عناصر سوق العمل لا تتمتع بالدقة دائماً، مبيناً أن نسبة المواطنين العاملين في سوق العمل حالياً تبلغ حوالي 42 %، فيما أسهم عمل المرأة السعودية بشكلٍ كبير في هذا السوق في خفض معدلات البطالة.
ولفت التويجري إلى عدد من الصناعات الجديدة التي يشهدها سوق العمل المتمثلة في الاستثمار في قطاع الضيافة وقطاع التعدين الذي يعيش نهضة ملحوظة فيما يتعلق بتنوع النشاط فيه، معرباً عن أمله بأن تزيد هذه الصناعات الجديدة من الفرص الوظيفية، مما سيؤثر بإذن الله عكسياً على معدلات البطالة بخفضها أكثر من الانخفاض الذي يلمسه المتخصصون في مثل هذه الإحصائيات.
وأشار إلى المرصد الذي تعمل عليه الوزارة بالتعاون مع مركز المعلومات الوطني، وأنه يعول عليه بشأن إمكانية الوقوف بشكلٍ دقيق على أعداد المواطنين الممارسين للعمل في سوق العمل وقياس معدلات البطالة والمؤشرات التي تساعد على مزيد من العمل اللازم فيما يتعلق بتحفيز القطاع الخاص ليقوم بالمنتظر منه على جميع الأصعدة.
وأشاد التويجري بالخطوات التي تخطوها المملكة فيما يتعلق بجذب الاستثمارات الأجنبية التي سجلت هذا العام ارتفاعاً بنسبة تجاوزت 100 %، لافتاً إلى أن الهدف الذي تتطلع إليه المملكة في هذا الصدد يتمثل في المنافسة على استقطاب المستثمر الأجنبي الذي طالما كانت لديه المزيد من الخيارات، وهو الأمر الذي يعول عليه، استناداً على طبيعة التنوع الذي تشهده المملكة في كثير من الشؤون مما يزيد من فرص تنوع الاستثمارات فيها، والمتاحة لأي مستثمر كان مواطناً أو أجنبياً.
وأشار التويجري إلى أن الطموح أن يكون الدخل عام 2023م من النفط وغير النفط كاف لدعم جميع برامج رؤية المملكة 2030 والتوسع في الاستثمار في البنية التحتية، مؤكداً أن برنامج التخصيص جاهز وهناك خمسة قطاعات مستعدة لإطلاق فرصها في الربع الأول من عام 2019م، والمتمثلة في قطاع المياه والطاقة والتعليم والصحة والبلديات.
وقال إن التأقلم مع الإصلاحات الاقتصادية لا بد أن يكون له أثر سلبي، ولكن بأي عدسة ننظر، فلو نظرنا إلى الصناعات؛ البتروكيماويات والتحويلية والطاقة المتجددة والسياحة والتعدين نجد نمواً كبيراً جداً، فجميعها ساعد على التصدير وتدعم نظام المدفوعات وتساعد على توفير وظائف نوعية.
من جانبه قال محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي د. أحمد بن عبدالكريم الخليفي إن الاقتصاد في الكتلة النقدية انكمش العام الماضي، وفي هذا العام سجلت الكتلة النقدية مقاسة بعرض النقود 1.7 %، كما ارتفعت كنسبة إلى الناتج المحلي 70 %، ويعود سبب الارتفاع إلى الإقراض والودائع، مفيداً بأن بعض الأنشطة الموجودة في الاقتصاد ساعدت في زيادة النسبة.
وأفاد الخليفي بأن الكتلة النقدية بلغت الآن 70 %، بينما كانت 55 % قبل خمس سنوات، وهذا يعد أحد مؤشرات العمق المالي، فيما زاد الإقراض هذا العام بنسبة 1.7 %، مقارنة بالعام الماضي الذي شهد انكماشاً، كما أن إقراض المنشاة الصغيرة والمتوسطة ارتفع وقارب الـ5 % من حجم محفظة الإقراض البنكي بعد أن كان 2 % قبل سنتين، مبيناً أن أحد المستهدفات الوصول 5 % في 2020.
وتوقع الخليفي أن ينمو الإقراض في العام المقبل كون المحفزات كثيرة، فقد رصدت حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- في ميزانية العام الماضي 800 مليون ريال لبرنامج كفالة، مما جعلها أحد المحفزات وقفز من 2 % قبل سنتين إلى 5 %.
وأبان محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي أن محفظة التمويل الاستهلاكي وصلت إلى 25 % من إجمالي التمويل، بينما وصل التمويل العقاري إلى 17 %، وخلال الخمس سنوات الماضية نما بمعدل 19 %، مؤكداً أن المؤسسة لديها رؤية أن تكون القروض موجهه إلى المشاريع الإنتاجية بما فيها الإقراض العقاري الذي بدأ ينشط.
وأكد الخليفي أن التمويل المسؤول يراعي القروض العقارية ويُعطيها نسب أعلى من القروض الاستهلاكية ولهذا سمي بالتمويل المسؤول، مبيناً أن الغرض منه حماية الأفراد، وحماية المراكز المالية. وقال الخليفي إن المدفوعات الرقمية التي تعد أحد مستهدفات رؤية المملكة 2030، انتشرت في المملكة بدعم من برنامج تطوير القطاع الخاص، مشيراً إلى أن منصة إيصال وفرت تكاليف الفوترة بنسب عالية، كما أسهمت في زيادة الشفافية، وأعطت الممول القدرة على قراءة التدفقات النقدية للمنشأة، وذلك يساعد الممولين على الاطمئنان.
وأوضح أن مؤسسة النقد العربي السعودي تراقب الحوالات بشكل مستمر، فكانت قبل أربع سنوات تقدر بـ134 ملياراً، وانخفضت إلى 125 ملياراً.
وبين أن السحوبات تذبذبت بحسب الموسمية، ومؤسسة النقد لم تضع أي ضوابط تتعلق بالتحويلات أو السحوبات كون اقتصاد المملكة حراً، مؤكداً أن الريال السعودي لديه أدوات كافية للحماية من المضاربين، كما أن الاحتياطات النقدية ارتفعت خلال العشرة أشهر بما يقارب 40 مليار ريال، وتجاوزت 500 مليار دولار حالياً، متوقعاً استقرار الريال، ولا يوجد أي توجه لتغيير سياسة سعر الصرف. بدوره أكد وزير المالية محمد بن عبدالله الجدعان أن المرتكزات الأساسية لتوجهات الدولة بميزانية 2019 اهتمت بتوفير الخدمات للمواطن بشكل مميز، والاستثمار في البنية التحتية التي تمس المواطن، والاستمرار في تنميتها خلال هذا العام والأعوام القادمة، كما حرصت الدولة على دعم النمو الاقتصادي وتعزيزه بشكل كبير من خلال الشراكة مع قطاع الخاص، ودعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وقد تم إطلاق عدد من البرامج والاستثمارات طويلة الأجل.
وأوضح الجدعان أن الحكومة استثمرت في عام 2017 وجزء من 2018 في التخطيط، والآن عزمت الحكومة على التنفيذ، مشيراً إلى أن الدولة مستمرة في نهجها نحو توفير البيانات والإفصاح والشفافية حول المالية العامة للدولة لا سيما وأن توفير البيانات مهمة للقطاع الخاص والمستثمرين.
وبين الجدعان أن الحكومة تعمل على مبدأ الشفافية فيما يتعلق بالجهات الحكومية للتأكد من احتياجاتها، وتغيير الثقافة من ثقافة السيطرة إلى ثقافة التمكين.
وأبان أن القطاع الخاص يملك بيانات فيما يتعلق بالجانب المالي في 2018، حيث تم إطلاق عدد من المبادرات مثل منصة “اعتماد” أهم مبادرات وزارة المالية التي تدعم خطة التحول الرقمي لمنظومة العمل الحكومي وفق رؤية المملكة 2030، وتوفير فرصة كبيرة للشفافية والحصول على بيانات واضحة. وقال الجدعان “تم إطلاق مركز تحقيق كفاءات الإنفاق ومركز الإيرادات غير النفطية، وتدعم هذه المرافق بشكل كبير توجه الحكومة نحو الثلاثة عناصر الرئيسة النمو والشراكة مع القطاع الخاص وتوفير الخدمات للمواطنين”. وأكد دعم الدولة للقطاع الخاص ليتبوأ مكانه في التنمية والنمو، وتمكينه من القيام بدوره وإيجاد وظائف جديدة للمواطنين والمواطن، مشيراً إلى سعي الحكومة لتسوية الخلافات بين الحكومة والقطاع الخاص فيما يتعلق بالمستحقات، حيث تم تسوية الخلافات في أغلب قطاع الاتصالات، كما تم تسوية عدد كبير من الخلافات فيما يتعلق بمستحقات القطاع الخاص المتنازع عليها بين الموردين والمقاولين وعدد من الجهات الحكومية، متوقعاً أن تنتهي التسويات الأخرى مع الجهات الأخرى في الأسابيع القادمة عندما تنتهي الدراسات المتعلقة بها.