ألقى إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور أسامة بن عبد الله خياط خطبة الجمعة من المسجد الحرام حيث بدأها قائلاً: الحمد لله الولي الحميد، الفعال لما يريد، أحمده سبحانه وأشكره على تتابع آلائه، وأساله منها المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الخالق الباري المصور المبدئ المعيد، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله.
عباد الله: إن مما منَّ الله به على أولي الألباب من عباده، وما اختص به أولي النهى من خلقه: أن جعل لهم من كمال العقل، وحياة القلب، وصفاء النفس، وصواب الرأي، وسداد المسلك، واستقامة النهج، وتمام الخشية منه، ودوام التعظيم له، وشدة الحرص على أسباب رضوانه، وموجبات رحمته وغفرانه، ووسائل تأييده وعونه وتوفيقه، الموصلة إلى حسن ثوابه ونزول رفيع جناته.
جعل لهم من كل ذلك: ما يحول بينهم وبين أن يكونوا من الأخسرين أعمالاً (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا).
وإن أشدَّ ما يحذره أولو الألباب على أنفسهم، وأعظم ما يحرصون على تنكبهِ واجتنابِ سبيلهِ: المشاقةُ لله وللرسول صلوات الله وسلامه عليه.
وهي المخالفة والمعاندة والعصيان لهما حتى يصير المشاقون لهما كما قال الإمام الحافظ ابن كثير -رحمه الله- : “كأنهم ساروا في شقٍ، وتركوا الشرع والإيمان واتباعه في شق”.
وقد جاء الحديث الضافي عن هذه المشاقة، وعن سوء عاقبتها في قول ربنا سبحانه: (ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ وَمَن يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).
عباد الله: لقد ضمن ربنا تقدست أسماؤه وصفاته لمن أطاع رسوله الهداية التي تحجز صاحبها، وتقف سداً منيعاً بينه وبين المشاقة لله وللرسول.
وهذه الهداية يا عباد الله هي ثمرة الاستجابة لله وللرسول التي أمر الله بها المؤمنين فقال عزَّ من قائل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ).
وتابع فضيلته في الخطبة الثانية بيان بديع الفوائد وشريف المعاني للاستجابة للّه وللرسول قائلاً: (فإن حياة القلب والروح بعبودية اللّه تعالى ولزوم طاعته وطاعة رسوله على الدوام).
ثم حذر عن عدم الاستجابة للّه وللرسول فقال: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} فإياكم أن تردوا أمر اللّه أول ما يأتيكم، فيحال بينكم وبينه إذا أردتموه بعد ذلك، وتختلف قلوبكم، فإن اللّه يحول بين المرء وقلبه، يقلب القلوب حيث شاء ويصرفها أنى شاء.
فليكثر العبد من قول: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، يا مصرف القلوب، اصرف قلبي إلى طاعتك.
واختتم الشيخ الدكتور أسامة خياط بقوله: اتقوا الله عباد الله، وكونوا من المستجيبين لله وللرسول، فإنها الحصانة من التردي في وهدة المشاقة لهما.
وصلّوا وسلِّموا على خير خلقِ الله محمد بنِ عبد الله؛ فقد أُمِرتم بذلك في كتاب الله؛ حيث قال الله –سبحـانه-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
اللّهمّ صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمّد، وارضَ اللّهمّ عن خلفائه الأربعة.