اكتفى كبار منتجي الخام بالعالم بمتابعة الأوضاع في فنزويلا سياسياً، غير متخوفين من أي سلبيات أو نتائج غير متوقعة قد تحدث في الأسواق نتيجة ما يحدث في الشارع الفنزويلي حالياً، على الرغم من حالات التصعيد من قبل الولايات المتحدة الأميركية للموقف الفنزويلي إلا أن الجانب السياسي هو السمة الغالبة في ردود الأفعال تجاه ذلك، فقد نفى في وقت سابق وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك وجود أي نية أو مقترحات لعقد اجتماع طارئ بسبب الأوضاع الفنزويلية، كما أن أزمة فنزويلا قد ألقت بانعكاسات غير كبيرة على مؤشر أسعار النفط، فالإنتاج الفنزويلي في ظل التوقعات الحالية يشير إلى استمرار في الخفض 300 ألف برميل يومياً كما أنها مرشحة للزيادة وصولاً إلى 700 ألف برميل يومياً، فجميع الاضطرابات السياسية في الدول المنتجة للخام تكون عادة أحد الأسباب المؤثرة في أسعار النفط، إلا أن التخمة النفطية الموجودة بالأسواق منذ الربع الأخير من العام الماضي 2018م قد أسهمت بشكل كبير جداً في تقليل تلك الآثار على الأسواق، بالإضافة إلى قطاع النفط الإيراني الذي يعاني من مشكلات تقنية حيث أشارت دراسة قديمة رصدتها «الرياض» في مارس 2018م إلى أن القطاع النفطي الإيراني يعاني من قصور في مجال الإنفاق، لا سيمّا أن قرابة النصف من الإنتاج النفطي الإيراني يأتي من حقول بدأ استغلالها منذ أكثر من 70 عاماً، ويعود ذلك بحسب دراسة متخصصة إلى العقوبات الدولية المفروضة على طهران التي حرمت القطاع النفطي المنافع الاقتصادية وأولها تحديث هذه الحقول، حيث أشارت تلك الدراسة الصادرة عن مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية إلى أنه لم تتحقق التوقعات الكبيرة التي صاحبت توقيع الاتفاق النووي الذي يطلق عليه رسمياً «خطة العمل الشاملة المشتركة» بشأن إنعاش قطاع الطاقة الإيراني، وفي الواقع نبعت هذه التوقعات من الآثار الوخيمة التي ضربت قطاع الطاقة الإيراني نتيجة تشديد العقوبات الدولية عليها؛ لمنعها من تطوير برامجها النووية والصاروخية ودعم الإرهاب وانتهاك حقوق الإنسان، وأوضحت الدراسة أن كل هذه الإجراءات المتخذّة ضد إيران قد أسهمت في تقييد القطاع النفطي الإيراني بشكل ملحوظ، فعلى سبيل المثال انخفض إنتاج النفط الخام الإيراني لـ 2.7 مليون برميل يومياً في 2013م من 3.7 ملايين برميل يومياً في 2011م، كما تراجعت الصادرات النفطية الإيرانية من 2.6 مليون برميل يومياً إلى 1.3 مليون برميل يومياً، حيث منعت العقوبات المفروضة إيران من الوصول إلى أحدث تكنولوجيا للغاز الطبيعي المسال، وقدر مسؤولون أميركيون خسائر إيران في العام 2011م بـ60 مليار دولار من الاستثمارات في قطاع الطاقة نتيجة انسحاب العديد من شركات النفط الكبرى.
في المقابل استطاعت أسواق النفط خلال الأسبوعين الماضيين تجاوز تلك المرحلة بحالات يسيرة من التذبذب في مستويات الأسعار مقارنة بالأسبوعين الماضيين منذ بداية العام الجاري 2019م، حيث بلغ حجم التذبذب طيلة الأسبوع الماضي دولارين، بدعمٍ من حالات الهدوء وعدم التصعيد في العلاقة التجارية بين الولايات المتحدة الأميركية والصين، ونبذ المخاوف من تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي والتطمينات الواردة من الجانب الصيني على لسان نائب الرئيس وانغ كيشان في المنتدى الاقتصادي العالمي الذي أكد أن اقتصاد بلاده سيواصل نموه المستدام على الرغم ممّا يواجه من شكوك عالمية، وبحسب بيانات الإدارة العامة للجمارك الصينية فقد ارتفعت وارداتها للنفط الخام من المملكة العربية السعودية لـ 1.596 مليون برميل يومياً نوفمبر الماضي 2018م .
في المقابل تظل حالات الالتزام باتفاق الخفض النفطي بين الدول المنتجة من داخل وخارج منظمة الأوبك من العوامل المهمة في استقرار وتعافي الأسواق النفطية، وقد تواترت التأكيدات على فترات زمنية مختلفة من قبل منتجي النفط بالالتزام بالاتفاق ما أكدّ فاعلية الأعضاء في تنفيذ ذلك، بدءًا من سلطنة عُمان التي أوضحت منتصف ديسمبر الماضي أنها ستخفّض إنتاج الخام اعتباراً من بداية يناير الجاري بحسب اتفاق الخفض المبرم في ديسمبر الماضي، تلتها الجزائر التي خفضّت إنتاجها من الخام قرابة الـ 25 ألف برميل يومياً بحسب وكالة الأنباء الجزائرية وذلك بداية يناير الجاري، بالإضافة إلى روسيا التي تعهدت بالالتزام باتفاق الخفض النفطي إلا أنها كانت بحسب وصف وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية بالسعودية المهندس خالد الفالح أبطأ مما كان متوقعاً، وهو ما يؤكد الدور القيادي للمملكة في متابعة ومراقبة مسيرة اتفاق الخفض الذي تم الاتفاق عليه بين الدول المنتجة للخام بداية ديسمبر الماضي 2018م .
وقد كانت منظمة OPEC خلال الفترة الماضية وعلى وجه الخصوص ديسمبر الماضي أقرب ما تكون إلى الأسواق؛ لقياس ووضع الحلول الممكنة لمعالجة الاختلال الذي بدأت الأسواق النفطية تعاني منه منذ (الرجوع لمستوى الأسعار في نوفمبر وديسمبر الماضيين)، ففي المرحلة الأولى من اجتماع المنظمة والمنتجين الحلفاء من خارجها كانت الحلول تتضمن خفضاً بمقدار 1.2 مليون برميل يومياً، حيث تقوم الدول الأعضاء بخفض مقداره 800 ألف برميل يومياً بواقع 2.5 % من إنتاج كل دولة، وتقوم الـ 11 من خارج المنظمة بخفض مقداره 400 ألف برميل يومياً بواقع 2 % من إنتاج كل دولة وذلك لمدة ستة أشهر أولية اعتباراً من يناير الجاري 2019م، إلا أن منظمة OPEC زادت من حدّة القرار في الـ20 من ديسمبر الماضي عندما قال الأمين العام للمنظمة محمد باركيندو: إنه سيتم تعديل حصص الإنتاج للدول الأعضاء والحلفاء الآخرين، ونشر جدول جديد لذلك لاحتواء الدول المعفاة من اتفاق الخفض السابق في 7 ديسمبر، بحيث يكون نصيب الدول الأعضاء في أوبك من الخفض 3.02 % كتعديل للنسبة السابقة 2.5 % التي تم إقرارها 7 ديسمبر 2018م في فيينا.