شارك مئات الآلاف من المتظاهرين فى وسط العاصمة الجزائر اليوم الجمعة، فى أكبر احتجاجات ضد حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة منذ بداية الاحتجاجات الشهر الماضي.
واحتشد المحتجون في شوارع وميادين العاصمة بعد صلاة الجمعة ولف الكثير منهم العلم الجزائري على ملابسهم. كما شهدت مدن أخرى مظاهرات من بينها بجاية ووهران وباتنة وتيزي وزو.
وقال الطالب يزيد عماري (23 عاما) “يتعين على بوتفليقة ورجاله الرحيل في أقرب وقت ممكن”.
وتراجع بوتفليقة عن قراره الترشح لولاية جديدة يوم الاثنين بعد احتجاجات شعبية ضده. لكنه لم يعلن تنحيه على الفور، إذ يعتزم البقاء في السلطة لحين صياغة دستور جديد.
ورفض الجزائريون بسرعة هذا العرض وطالبوا الرئيس البالغ من العمر 82 عاما بالتنحي وتسليم السلطة لجيل شباب القادة ممن سيتمكنون من إتاحة وظائف والقضاء على الفساد.
وقال طبيب يدعى ماجد بن زيده (37 عاما) “من يعتقد أننا تعبنا مخطئ. احتجاجاتنا مستمرة”. وأغلقت الشرطة الطرق المؤدية لمقر الحكومة والبرلمان.
وبدأ بوتفليقة يفقد حلفاءه بوتيرة متسارعة في الأيام القليلة الماضية بعد عودته من رحلة علاج في سويسرا.
وقال قيادي بارز في الحزب الحاكم خلال مقابلة مساء أمس الخميس إن بوتفليقة أصبح “تاريخا الآن”.
وتعد التصريحات التي أدلى بها حسين خلدون لقناة النهار التلفزيونية الليلة الماضية ضربة جديدة لبوتفليقة الذي كان يأمل في تهدئة الجزائريين بالتعهد باتخاذ خطوات لتغيير الساحة السياسية التي يهيمن عليه هو والمقربون منه منذ عقود.
وأصبح خلدون، وهو متحدث سابق باسم الحزب الحاكم، أحد أهم المسؤولين في الحزب الذي أعلن انشقاقه عن بوتفليقة. وقال إنه يتعين على الحزب أن يتطلع إلى المستقبل وأن يدعم أهداف المحتجين.
واصطحب بعض الآباء أطفالهم وقال محمد كيميمي وهو في العاشرة من عمره ووضع علم البلاد على كتفيه “أريد مستقبلا أفضل”.
ودعا أحد أبرز رجال الدين في الجزائر إلى التحلي بالصبر وقال محمد عبد القادر حيدر في أحد مساجد العاصمة “دعونا نتفاءل. تحتاج الجزائر لتخطي أزمتها”.
ونادرا ما يظهر بوتفليقة (82 عاما) علنا منذ إصابته بجلطة في عام 2013 ويقول المحتجون إنه لم يعد لائقا للحكم.
وقال رئيس الوزراء الجزائري الجديد نور الدين بدوي أمس الخميس إنه سيشكل حكومة مؤقتة من خبراء وآخرين للعمل على تحقيق تغيير سياسي وحث المعارضة على الانضمام للحوار.
وقال وزير سابق على صلة بالمقربين من بوتفليقة لرويترز إن الرئيس قد لا يصمد نظرا لتزايد الضغوط عليه من كافة الطبقات الاجتماعية في الجزائر.
وقال الوزير الذي طلب عدم ذكر اسمه إن اللعبة انتهت وإن بوتفليقة لا يملك خيارا سوى التنحي الآن.
والجزائر منتج كبير للنفط والغاز. ولم تتأثر حتى الآن الصادرات بتلك الاضطرابات. وقال مصدر في شركة سوناطراك الجزائرية الحكومية للطاقة لرويترز إن الاحتجاجات لم تؤثر على أكبر حقل نفطي وهو حاسي مسعود وحقل حاسي الرمل للغاز.
ويقول الكثير من الجزائريين إن الرئيس وشخصيات أخرى من قدامى المحاربين في حرب الاستقلال ضد فرنسا بين عامي 1954 و1962 أهملوهم لعشرات السنين.
وبقي الجيش، الذي عادة ما يلعب دورا سياسيا من وراء الكواليس، بمنأى عن بوتفليقة وظل في ثكناته خلال الأزمة. ومن المتوقع أن يحتفظ الجيش بنفوذ قوي في كل السيناريوهات المحتملة.
وتجنبت الجزائر إلى حد كبير الاضطرابات التي صاحبت انتفاضات الربيع العربي التي أطاحت بزعماء عرب آخرين في الشرق الأوسط.
وتمكن بوتفليقة وحلفاؤه من تجنب وقوع اضطرابات كبرى وقتها إذ كان لدى الحكومة ما يكفي من السيولة من عائدات النفط لاحتواء الإحباط إذ مكنتها من تقديم قروض بفائدة منخفضة.
وينسب جزائريون من الجيل الأكبر سنا لبوتفليقة الفضل في إنهاء الحرب الأهلية بين قوات الأمن والإسلاميين في التسعينيات وتحمل الكثير من الجزائريين حكما قمعيا لفترة طويلة كثمن للحفاظ على الاستقرار.
لكن الجماهير فقدت صبرها في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية وفشل الحزب الحاكم في نقل السلطة لجيل جديد على الرغم من تدهور الحالة الصحية للرئيس.