في غمرة الحديث عن الانتصار وهزيمة المؤامرة الكونية في سورية، بدأت مراكز الأبحاث العالمية تلتفت إلى تحولات مثيرة في البلاد حيث رأت أن “الاقتصاد” هو العصب الذي سيحرك التحالفات في سورية مستقبلاً. حيث عقد “كاثام هاوس” للأبحاث في بريطانيا ندوة حول سورية، خلصت إلى أن الاستثمار الإيراني والروسي في البلاد التي مزقتها الحرب كان لتحقيق مصالح مؤجلة، يتنافس اليوم عليها أقطاب الحرب. وأفادت سنان حطاط من مركز عمران، في ندوة كاثام هاوس، أن “الروس والإيرانيين أخذوا مواقعهم وتمركزوا في سورية بعد الحرب، ولكن المفاجأة هي أنهم يرون الوضع أكثر تعقيداً بكثير مما خططوا له من ربح سريع”. مضيفةً: المقاربة الانتهازية التي يتبناها كل من الروس وإيران اليوم حتى مع النظام السوري، تقوم على إجبار الأسد على التنازل والمزيد من التنازل والتوقيع على التخلي عن مناطق وموارد سورية مقابل كل مساعدة أو حماية يقدمها الروس والإيرانيون”. ولكن الأمر الفارق هو أن بشار نفسه أيضاً بات يتصرف بنفس الانتهازية، ولم يعد يملك أصلاً الكثير ليتنازل عنه، وهو في حالة حيرة وارتباك في تحديد من يحتاج أكثر إيران أو روسيا، وما الممكن الموجود في يديه، ومن هم حلفاؤه الأساسيون.
وفي دراسة أجرتها مجلة “ذا اتلانتيك الأميركية”، جاء أن مشروع إعادة إعمار سورية وبحسب تقديرات الأمم المتحدة سيكلف 250 مليار دولار، أي حوالي أربعة أضعاف الناتج المحلي لسورية قبل الحرب وفي أكثر سنواتها ازدهاراً.
كما جاء في “ذا أتلانتيك” أن كل ما تفعله روسيا في اجتماعاتها مع الدول الغربية حول سورية هو إقناع الدول الأوروبية بتحمل كلفة إعادة الإعمار في ظل بقاء الأسد مع وضع قيود على الأسد يكون المتحكم بها والضامن لبقائها روسيا!
كما تحدّثت ذا اتلانتيك إلى عدد من دبلوماسيي الدول الأوروبية، حيث أخبرت المتحدثة باسم السفارة الفرنسية المركز، أن فرنسا لن تقوم بالمشاركة بإعادة إعمار سورية دون انتقال سياسي. كما كانت نيكي هيلي السفيرة الأميركية إلى الأمم المتحدة قد أخبرت المركز أن دعوات روسيا لأميركا والغرب بإعادة إعمار سورية في ظل الأسد هي دعوات سخيفة لا أكثر. كما خلص بحث “ذا أتلانتيك” حول الشأن السوري، إلى أن إعادة الإعمار هو أمر يستحق صرف النظر ربما عن إجرام الأسد لإعادة ملايين اللاجئين إلى ديارهم ولكن الطامة الكبرى هو أن الأسد لم يتغير ولن يتغير ولا يريد إعادة اللاجئين ويريد أجيالاً أخرى من السوريين يتم إذلالها في المخيمات تحت رحمة البلدان المضيفة.
كما أكد دبلوماسي غربي لأتلانتيك أن الأسد هو العقبة الرئيسة أمام إعادة تأهيل سورية” وتوقع الدبلوماسي أن تكون (طبقة رجال الأعمال العلويون، وأهالي الضحايا الذين قاتلوا في جيشه، وقود التحرك الجديد ضد الأسد الذي يبيع اقتصاد سورية إلى إيران وروسيا مقابل كل شهر يبقى فيه في الحكم” وأضاف “ليست المشكلة في الأموال فقط، بل لا تملك سورية أي مؤهل من مؤهلات الإدارة المالية والسياسة المنسجمة للبلاد، فالتواصل بين مؤسسات الدولة السورية كثيراً ما يخترقه مسؤول روسي وإيراني صاحب نفوذ يقدر أن يعطل أو يمرر أو يفرض أي قرار من هواه على مؤسسات الدولة السورية المنهارة”. كما قالت منى يعقوبيان من المعهد الأميركي للسلام أن أكثر من 11 مليون سوري فقدوا منازلهم، كما فقدت مدن أساسية بحالها كل البنى التحتية من مياه وكهرباء وأنظمة صرف صحي في المناطق التي سيطرت عليها المعارضة، واقتحمها النظام بكل أنواع السلاح، ليهد المشافي والمباني والبنى التحتية ويسوي مدن بحالها بالأرض، كما أن بعض المناطق التي لا دخل لسكانها إلا الزراعة، دمرت فيها قوات الأسد الأراضي وتمديدات الري، كما دمر الجيش السوري أهم وأكبر صوامع تخزين الحبوب.. كل هذا دمره الأسد دون أن يفكر في أنه لن يكون رئيساً “طبيعياً” في بلد لا يوجد فيه كل هذا. وتزامناً مع ما نشرته صحيفة “ذا اتلانتيك” عن ممانعة أوروبية لإعمار سورية في ظل الأسد، كتبت رويترز أنه على الرغم من أن الأسد انتصر ضد كل من دعاهم بالإرهابيين والمتطرفين والخونة والمندسين، ويجب أن يكون الآن وقت الاحتفال، إلا أن الأسد يشعر بالأسى وأكد على هذا في خطبته الأخيرة حيث قال لأنصاره الشهر الماضي “يجب أن لا نكون رومانسيين ونعتقد أن هذا وقت الانتصار وأن الحرب انتهت، بل الحرب لم تنته، والآن نواجه أربعة حروب”. وأضفت خطبة الأسد الأخيرة، أجواء من التعاسة والسوداوية على فريق “المترقبين” للنصر منذ سنوات، لكن وكما يقال:”الأسد بنى سفينته، وعندما انتهى من بنائها، جفّ البحر”. حيث تعاني دمشق، من نقص حاد في كافة المواد الغذائية وارتفاع جنوني في الأسعار، وانعدام للوقود والخدمات الرئيسية وذلك في المدن غير المدمرة، حيث يحتاج الحصول على اسطوانة غاز للطهي في سورية انتظاراً قد يدوم أشهر في قائمة طويلة. عدا عن تحدي المدن الكبرى التي سوّيت بالأرض ولا يوجد من هو مهتم بإعادة إعمارها، حيث كتبت رويترز “لا بد من أن الأسد يشعر بالغبن من الحلفاء الذين ما بخلوا عليه في تقديم النيران والدمار، ويتراجعون الآن عن تقديم أي مساعدات لإعادة إعمار البلاد”. وفي ظل حديث الأسد عن حروب أربع إحداها الحرب الأسدية المستمرة دائماً مع الصهيونية، قام الرئيس ترمب بتحرير عائلة الأسد من الوعد القديم المتجدد بتحرير “مرتفعات الجولان” السورية المحتلة من إسرائيل منذ أكثر من نصف قرن، حيث أسقط الرئيس ترمب “الاحتلال” عن الجولان واعتبرها أرضاً إسرائيلية تعترف بها الولايات المتحدة رسمياً.