يستضيف قصر المؤتمرات بالجمهورية التونسية، غداً الأحد، أعمال الدورة العادية الثلاثين لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمَّة، وتنتهي اليوم الاجتماعات التحضيرية التي بدأت منذ 26 مارس في مقر الأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب وشملت اجتماع كبار المسؤولين التحضيري للمجلس الاقتصادي والاجتماعي، واجتماع المندوبين الدائمين واجتماع وزراء الخارجية التحضيري للقمة لإقرار مشروعات قرارات الملفات السياسية تمهيداً لطرحها على القادة العرب غداً وذلك بعد أن أقر وزراء المالية والاقتصاد العرب خلال الاجتماع الوزاري للمجلس الاقتصادي والاجتماعي الملفات الاقتصادية والاجتماعية التي سيتم رفعها للقادة العرب.
وتأتي القمة العربية في وقت تمر فيه المنطقة بتحديات بالغة الخطورة، على خلفية الأزمات الأخيرة المتتالية بداية من اعتراف الولايات المتحدة بسيادة الكيان الصهيوني على الجولان السوري المحتل منذ حرب الخامس من يونيو العام 1967م، والتصعيد الإسرائيلي في قطاع غزة، واستمرار الصراع في اليمن وسورية وليبيا، ومساعي الدول المعادية للنيل من استقرار وأمن العالم العربي، والأجندة الإيرانية الخبيثة والأطماع الزائفة، وكذلك ملف الإرهاب الأسود.
ويؤكد مرور 73 عاماً على عقد القمة العربية الأولى التي استضافتها القاهرة في العام 1946م، أن ثمة روابط قوية لا تزال تجمع دول المنطقة، وأن العالم العربي مازال في حاجة ماسة إلى تحركات وقرارات أكثر تأثيراً وقوة، وهو ما يضع أنظار العالم صوب قمة تونس التي من المنتظر أن تخرج بقرارات مهمة لمواجهة التحديات المستجدة مؤخراً.
وتعزز رئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز – يحفظه الله – لوفد المملكة المشارك في قمة تونس، أطر التضامن العربي وتدفع بها إلى العمل على اتخاذ مواقف قوية تتناسب مع ما آلت إليه الأوضاع في المنطقة، كما تبعث برسائل حاسمة إلى الساحة الإقليمية والدولية مفادها أن المملكة ستقف بجدية كما عهدناها للتصدي لأي محاولة تشرعن لاحتلال أي شبر من الأراضي العربية، أو تهديد للأمن القومي العربي.
وأكد معالي الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط أن التحديات التي تواجه العالم العربي ذات طبيعة مركبة ومتداخلة، ولا يُمكن مواجهتها سوى بحزمة سياساتٍ تمزج بين الأدوات الاقتصادية والبرامج الاجتماعية، جنبًا إلى جنب مع أية إجراءات أمنية أو سياسية أو غيرها.
ويقول د. جهاد عودة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان المصرية: إن القضية الرئيسة في قمة تونس ستكون الاعتراف الأميركي بضم الجولان للكيان الصهيوني ورد فعل العرب على الموقف الأميركي، وبالتالي هي معركة إرادة دبلوماسية، ومن الضروري أن نربط الحديث عن عودة مقعد سورية بقضية الجولان. وأضاف أستاذ العلوم السياسية في تصريحات لـ”الرياض”، أن التحولات الشديدة كذلك في بعض البلدان العربية خاصة في السودان والجزائر ستتصدر مائدة القمة، فضلاً عن ملف الإرهاب والتحالفات الاستراتيجية.
وأشار السفير محمد الشاذلي، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، إلى أن الجامعة العربية ملتقى للإرادة الموحدة للدول العربية، اليوم دولنا العربية تواجه تحديات غير مسبوقة؛ الاعتراف الأميركي بشأن الجولان ويسبقه نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وبالتالي يجب أن يرتفع العرب إلى مستوى هذا التحدي، وأعتقد أنه لا يوجد منطق لجلوس العرب يدافعون عن حق سورية في أرضها في الجولان وليس لديها مقعد في الجامعة وهذا يُجهض أي تحرك عربي في هذا الصدد، أعتقد أن هذه القمة مفترق طريق للعرب.
وبالنسبة لملف الإرهاب قال الشاذلي: إنه يجب أن يُناقش في إطاره الواسع؛ الدول العربية تتعرض للإرهاب وكذلك دول أخرى، وشاهدنا الإرهاب في نيوزيلندا وفي اليابان وفي الدول الأوروبية، هذا وباء ضرب العالم من أقصاه إلى أقصاه، وأيضاً يجب أن لا ننسى إرهاب الدولة، عندما تقصف إسرائيل غزة بالقنابل وتقتل المدنيين الأبرياء فهذا إرهاب، فعلينا أن ندرس الإرهاب بمعناه الشامل ولا نجتزئه ونبرئ إرهابيين آخرين مما يقومون به من إرهاب.
وأعرب معالي سفير خادم الحرمين الشريفين لدى القاهرة والمندوب الدائم للمملكة لدى الجامعة العربية أسامة بن أحمد نقلي، عن رفض المملكة القاطع، لأي محاولة للمساس بكافة الحقوق العربية المشروعة والمساس بالأراضي العربية المحتلة في العام 67 بما فيها هضبة الجولان، أو أي محاولة تهدف إلى شرعنة الاحتلال.
وأكد نقلي خلال كلمته خلال اجتماع المندوبين الدائمين وكبار الموظفين التحضيري لاجتماع وزراء الخارجية العرب، على أن إعلان الإدارة الأميركية الأخير يعتبر مُخالفة صريحة لميثاق الأمم المتحدة، ومبادئ القانون الدولي، والقرارات الشرعية ذات الصلة، بما في ذلك قرارات مجلس الأمن رقم (242) للعام 1967، ورقم (497) للعام 1981م.
وأشار إلى أن المملكة العربية السعودية تتعامل مع القضايا العربية ومستجداتها في المنطقة انطلاقًا من مبدأ الحفاظ على سيادة الدول واستقلالها، وأمنها واستقرارها، في ظل وحدتها الوطنية، وسلامتها الإقليمية، وهذا المبدأ ينسحب على سعينا الحثيث لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية، وذلك وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية التي تهدف إلى إرساء السلام العادل والشامل والدائم، واستعادة الحقوق العربية المشروعة كافة.
وأوضح السفير نقلي أن المملكة تتعامل مع الأزمة السورية على ذات مبدأ السيادة والاستقلال، والأمن والاستقرار، في ظل سعيها لتسوية تلك الأزمة وفق إعلان (جنيف 1) وقرار مجلس الأمن الدولي رقم (2254)، كما أشار إلى دعم المملكة جهود الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص في ليبيا، في ظل الاتفاقات المبرمة بين الأطراف، وكذلك الحال في اليمن، من خلال السعي لحل الأزمة وفق المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني، وقرار مجلس الأمن رقم (2216).
وتطرق السفير نقلي خلال كلمته إلى “قمة القدس” في دورتها التاسعة والعشرين، التي ترأستها المملكة العربية السعودية، وقال: إن القمة واجهت العديد من التحديات على صعيد القضايا السياسية على الساحتين العربية والإقليمية والدولية، وعلى صعيد العمل العربي المشترك، كما تعاملت مع مجمل هذه القضايا بكل مسؤولية وجدية، بغرض خدمة قضايا الأمة العادلة والمشروعة، وتعزيز العمل العربي المشترك، وبما يحقق أمننا واستقرارنا وازدهارنا، ويخدم الأمن والسلم الدوليين. وأضاف: “من هذا المنطلق، فقد تمكنا من تعزيز دور العمل العربي المشترك في العديد من مجالات التعاون، لاسيما المجال الاقتصادي والاجتماعي، حيث تم اعتماد آليتي التزام الدول بقرارات المجلس الاقتصادي والاجتماعي، والآلية الخاصة بمتطلبات الشفافية في إطار منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، وغيرها من المنجزات التي لا يتسع المجال لذكرها”.
وأكد السفير نقلي أن المملكة العربية السعودية حريصة على الاضطلاع بدورها الإنساني بتقديم العون والمساعدة لرفع المعاناة الإنسانية عن الشعوب العربية، من خلال دعم وكالة الأونروا لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، ودعم اللاجئين السوريين في الدول العربية، ودعم النازحين في العراق الشقيق، علاوة على الدعم الكبير والمتواصل للأشقاء في اليمن الذي بلغ أكثر من 13 مليار دولار، وذلك إلى جانب المساعدات السخية التي تقدمها عدد من الدول العربية الشقيقة، الرامية إلى التخفيف من المعاناة الإنسانية للشعوب العربية المنكوبة، والسعي إلى توفير حياة كريمة لهم، في ظل الظروف الصعبة التي يعيشونها.
وحول الدور الإيراني الذي تلعبه طهران بالمنطقة، أوضح نُقلي أنه باستعراض خريطة الأزمات التي تمر بها منطقتنا العربية، فإننا نرى إيران حاضرة وبقوة في تسعير هذه الأزمات، وتعميق المعاناة الإنسانية للشعوب العربية، بلا وازع من دين أو أخلاق أو ضمير، من خلال تدخلاتها السافرة في الشؤون الداخلية لعالمنا العربي، بإثارة الفتن المذهبية والطائفية، ودعم الميليشيات المسلحة التي تعمل خارج إطار السلطات الشرعية، والسعي إلى تفتيت الوحدة الوطنية لشعوبنا، كما لم تقتصر هذه السياسات الإيرانية العدوانية على ذلك، بل امتدت لتشمل دعم الحركات الإرهابية في المنطقة، وتصنيع الصواريخ الباليستية، وهو الأمر الذي من شأنه تهديد الأمن والاستقرار العربي والإقليمي، كما يهدد الأمن والسلم الدوليين.
وشدد على أنه في ظل سعينا الدؤوب لحل أزمات منطقتنا العربية، فإننا مطالبون اليوم بالوقوف صفاً واحداً أمام هذه التدخلات الإيرانية السافرة في شؤوننا العربية، والتصدي لأي تدخلات تهدف إلى تهديد أمننا واستقرارنا، ضاربة عرض الحائط بكل مبادئ حسن الجوار، وبكل المبادئ والمواثيق والقوانين الدولية التي تنص على حرمة الدول وسيادتها واستقلالها. وتطرق كذلك إلى هزيمة تنظيم داعش الإرهابي في سورية والعراق، مشيدًا بالنجاح الكبير الذي تم إحرازه في تلك المواجهة، والذي لم يكن ليتحقق سوى بتضامننا كدول عربية، ووقوفنا صفاً واحداً في محاربة الإرهاب، بكافة أشكاله وصوره، وأياً كان مصدره، وذلك بالتنسيق مع الجهود الدولية الرامية إلى محاربة الإرهاب، بكل عزم وحزم، حتى يتم اجتثاثه من جذوره في المنطقة والعالم.
وأعرب مندوب المملكة الدائم بجامعة الدول العربية، عن تطلع المملكة إلى مواصلة الجهود أمام التحديات الكبيرة، وأن تظل طموحات قياداتنا وشعوبنا أكبر في التعامل معها وبما يرتقي إلى مستوى الآمال والتطلعات، وينسجم في الوقت ذاته مع لغة العصر وأدواته التي باتت تتسم بالسرعة والشفافية. كما أعرب عن تطلعات المملكة للمضي قدمًا في مشروع تطوير الجامعة العربية، وإصلاح منظومتها وهياكلها، وحسم مشروع التطوير خلال الدورة القادمة، بغية الارتقاء بأداء جامعة الدول العربية وتكريس فعاليتها، وتمكينها من التغلب على التحديات التي تواجه منطقتنا العربية، والدفع للأمام بعجلة التطور والازدهار في أوطاننا.