قال مدير مركز البحوث الهندسية بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن لـ”الرياض” د. لؤي بن محمد الهمس إن المركز أجرى دراسة جدوى حول إمكانية الاستفادة من مفهوم الطاقة الكهرومائية بنظام ضخ المياه وتخزينها، حيث تم إعدادها بناءً على طلب وزارة المياه والكهرباء سابقاً (وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية)، وتسعى لمواجهة مشكلة التفاوت في استهلاك الطاقة الكهربائية بتغير الوقت والمواسم على حد سواء، وهي المشكلة التي تتضاعف بالزيادة المتسارعة في الحاجة إلى الكهرباء من نظام التوليد الحراري.
وأضاف أن اقتصاديات هذا النوع من المحطات تعتمد على إنشاء محطة كهرومائية لتوليد الطاقة الكهربائية باستخدام رفع الماء الذي يساهم في تحسين اقتصاديات التوليد بشكل كبير من خلال استبدال جزئي للطاقة الكهربائية المولدة حرارياً بطاقة كهربائية مولدة من خلال رفع المياه في أوقات مناسبة، مبيناً أن الجامعات السعودية تستطيع القيام بدور فاعل في بناء الاقتصاد المعرفي، والذي يعد لبنة أساسية في مشروع نيوم، مشيراً إلى أن الاقتصاد المعرفي هو نظام للاستهلاك والإنتاج يعتمد على رأس المال الفكري، حيث إنّ اعتماده على القدرات الفكرية يعدّ أكبر من اعتماده على المدخلات المادية أو الموارد الطبيعية، فهو يساعد على زيادة سرعة التقدّم التقني والعلمي، كما أنّه يُستخدم في الحفاظ على النمو الاقتصادي وتطويره على المدى الطويل.
تقييم توليد الطاقة الكهرومائية
وبين أن مفهوم الدراسة يعتمد على تقييم احتمالات توليد الطاقة الكهرومائية بالضخ والتخزين من أجل معادلة الطلب على النظام الحراري جزئيا على الأقل، حيث يتم تخزين المياه في خزان علوي خارج ساعات الذروة، ومن ثم يتم استخدامها لتوليد الطاقة خلال ساعات الذروة، وهذا سيساعد في تخفيض الطلب الكهربائي على محطات إنتاج الطاقة بحرق الوقود الأحفوري خلال ساعات الذروة واستخدام الطاقة الأرخص المولدة خارج أوقات الذروة والمنخفضة كلفتها نسبيا.
وأوضح أن الدراسة تسعى إلى تحقيق ثلاثة أهداف وهي تحديد الأحمال الكهربائية، تحديد وتقييم المواقع المحتملة، وتقييم بيئي واقتصادي لهذه المواقع المحتملة، ثم تقييم مجموعة من المواقع الجغرافية على ساحل البحر الأحمر بالمملكة، وتم تحديد موقع ساحلي مناسب شمال المملكة “نيوم” يمكن إقامة المشروع عليه وذلك باستخدام مياه البحر التي يتم ضخها إلى المرتفعات المجاورة، كما قيمت الدراسة إمكانية إعادة تطوير مواقع تخزين المياه العذبة الموجودة خلف بعض السدود القائمة، مع إضافة الخزانات العلوية ومرافق الضخ/ التوليد.
وقال إن وظيفة مشروع محطة الضخ والتخزين هي توليد الطاقة الكهربائية خلال ساعات الذروة باستغلال طاقة المياه المخزنة لتحسين منحنى الطلب – الذي يستخدم عادة محطات قائمة تعمل باستخدام الوقود الحراري – وخلال أوقات خارج ساعات الذروة يمكن ضخ المياه مرة أخرى إلى الخزان العلوي بالاستفادة من الطاقة الكهربائية خارج ساعات الذروة منخفضة التكلفة، ويتكون مشروع الضخ والتخزين عادة من خزانين علوي وسفلي، ومحطة توليد كهرباء.
وأضاف أن نطاق الدراسة يشتمل على استعراض الخبرات الدولية كجزء من تحديد وتطوير معايير المشروع، لا سيما فيما يتعلق بإمكانية استخدام مياه البحر، تحديد الأحمال الكهربائية، ربط المشروع بالشبكة القائمة حاليا، إجراء دراسات على المواقع الجديدة المختارة، تقييم خيارات الضخ والتخزين باستخدام خزانات السدود القائمة، ترتيب المواقع المختارة حسب التقييم البيئي والاقتصادي، إجراء تقييمات أولية للأثار البيئية والاجتماعية، لتحديد ما إذا كان هناك أي مخاطر رئيسة تتعلق بالمواقع المختارة، إجراء تقييم اقتصادي لتحديد التكاليف والفوائد المتعلقة بكل موقع من المواقع المختارة، وتطوير البرامج الشاملة لتنفيذ المشروعات المختار، وعند استعراض التطور العالمي لوحدات الضخ والتخزين التقليدية نجد أن معظم تلك الخبرات قد تطورت في الولايات المتحدة الأمريكية، اليابان، أوكرانيا، ألمانيا، وفرنسا، علماً بأن أمريكا اليابان لديهما حوالي 40 % من السعة الكلية لوحدات الضخ والتخزين في العالم.
وأوضح الهمس أن تجربة تشغيل محطات الضخ والتخزين باستخدام مياه البحر محدودة، حيث اقتصرت على مشروع واحد في أوكيناوا باليابان، وتبلغ قدرة هذا المشروع 30 ميغاوات بارتفاع هيدروليكي يبلغ 136 مترا، وهو يعمل منذ عام 1999. ونظراً لصغر حجم هذا المشروع فقد سمح بتطبيق سبل حماية مكثفة من التآكل، وكان أداء المحطة ناجحا حتى الآن. وفي إيرلندا يتم التفكير بإقامة محطة باستخدام مياه البحر بارتفاع هيدروليكي مماثل ولكن بقدرات أكبر من تلك بكثير، ولكن لازال المشروع في مرحلة الدراسة، مشيرا الى أنه لم تتوفر معلومات مباشرة عن تكلفة الحماية من التآكل التي تتطلبها محطات الضخ والتخزين باستخدام مياه البحر، أو مدى إمكانية الاعتماد على تلك الحماية وفترات استمرارها، ومع ذلك فإن هذه الحماية يجب أن تتضمن الطلاء المكثف بمادة الإيبوكسي، أو استخدام نظام الحماية القطبية الموجبة، وكذلك الوقاية من تسرب المياه المالحة خاصة من الخزان العلوي، مبينا أنه تمت محاكاة تكاليف تشغيل النظام مع وبدون محطة الضخ والتخزين بقدرة ألف ميغاوات، حيث حددت المحاكاة أنواع الوقود التي سيتم توفيرها عن طريق الحد من التوليد في المحطات الحرارية، وأظهرت التحليلات أن معظم التوفير سيكون في المنطقة الغربية، حيث يتم الحد من استخدام النفط الخام الخفيف.
الدراسات الطبوغرافية
واستطرد قائلا، إنه تم إجراء الدراسات الطبوغرافية للساحل الغربي من المملكة والممتد من خليج العقبة (نيوم) شمالاً وحتى الحدود اليمنية جنوباً وبمسافة 1800 كلم تقريباً لتحديد موقع إنشاء محطة تستخدم مياه البحر. وقد تم الاستناد إلى عاملي الارتفاع والنسبة، حيث تم تحديد المواقع المحتملة ذات الارتفاعات الرأسية فوق سطح البحر التي تبلغ 800 مترأ وأقل، وبنسبة مسافة أفقية أقل من 20. وقد تم تحديد ما مجموعه 27 من المقاطع العرضية، أو قطاعات طولية تبدأ من البحر، وكذلك مقارنةارتفاع رأسي من 500 إلى 800 متر كحد أقصى. وقد تم تحديد ثلاثة مواقع بمنطقة خليج العقبة (نيوم) تتوافق مع المعايير الأساسية لاختيار المواقع. وقد خلصت الاستنتاجات الأولية إلى أن منطقة خليج العقبة (نيوم) تتميز بأفض لخصائص إقامة وحدة ضخ وتخزين اقتصادية، حيث تم تحديد أنسب المواقع الملائمة للخزان العلوي ومن ثم تحديد أقصر الطرق الممتدة من كل موقع إلى ساحل البحر، وأوضح أنه وقع الاختيار على موقع مقنا(نيوم) بقدرة مركبة تبلغ 1000 ميغاواط في ظل ارتفاع رأسي يبلغ 755 متراً وسد تخزين علوي بطول يبلغ 350 متراً وارتفاع 80 متراً، تم تقييم موقع مقنا وعرض خيارين هما استخدام المياه المالحة المأخوذة مباشرة من البحر مع الأخذ في الاعتبار الحماية من التآكل، وما يتبع ذلك من زيادة رأس المال وتكاليف الصيانة (مقنا الخيار الاول)، واستخدام المياه العذبة من محطة لتحلية المياه، مما يتطلب إنشاء محطة لتحلية المياه وخزان سفلي يكون في مستوى سطح البحر، ولا يتطلب هذا الخيار تكاليف إضافية للحماية من التآكل (مقنا الخيار الثاني).
وأكد الهمس أنهتم تقييم سته سدود قائمة لتخزين المياه، وهي سد رابغ، وسد مرواني، وسد ثرد، وسد الملك فهد، وسد حلي، وسد بيش، وتم استعراض ودراسة التضاريس المجاورة لموقع كل سد، والتي أكدت ضرورة استخدام خزانات تلك السدود بمثابة الخزانات السفلية لكل موقع، ولذا فقد سعت الدراسة إلى تحديد أنسب الخيارات لمواقع الخزانات العلوية لكل سد، وعلى أن يتميز بارتفاع هيدروليكي يتراوح ما بين 300 و800 متر.
وأضاف إنه من شأن مشروع إعادة تطوير سد بيش استخدام خزان السد القائم، ويقع على بعد قرابة 130 كم من مدينة جيزان وسيعمل سد التخزين الحالي كخزان سفلي،بينما يستمر السد في أداء وظيفته من توفير المياه والتحكم في الفيضانات، كما أن دورات الضخ والتوليد لن تؤثر على الخزان الحالي، حيث إن كميات المياه ستكون صغيرة بالنسبة لمستوى تخزين الخزان القائم، وتم إعداد دراسة أولية للآثار الاجتماعية والبيئية كجزء من هذه الدراسة. ونظراً لبعد مواقع الدراسة وقلة السكان بمناطقها يتوقع أن تكون الآثار الاجتماعية والبيئية منخفضة.
وقال إنه نظراً إلى أن المشروعين ستتم أعمالهما بصفة أساسية تحت الأرض، فسوف تترافق تأثيرات البيئة البيولوجية الأولية مع إنشاء الخزانات ومع عمليات البناء، لذا يجب التقيد الصارم بلوائح الحياة البرية في المملكة واتباع إجراءات الحماية وضمان تنظيف وترميم كافة مواقع العمل بعد انتهاء المشروع، وأضاف أنه ستكون هناك آثار اجتماعية كبيرة خلال عمليات البناء، خاصة معتدفق أعداد كبيرة من عمال البناء على الرغم من أن وجودهم سيكون بصفة أساسية داخل المخيمات. ولكن سوف تتأثر بلدة مقنا وبيش كما ستتأثر البنية التحتية للنقل، وستكون هناك فوائد اجتماعية وبيئية مرتبطة بعمليات البناء والتشغيل على المدى الطويل.
وأضاف أن المزايا الاجتماعية والاقتصادية تشمل توفير فرص عمل محلية مباشرة وغير مباشرة، زيادة جودة الاقتصاد ونشر آثار ذلك في المنطقة،توفير مصدر توليد احتياطي للطاقة المتجددة لا تنتج عنه انبعاثات ملوثة، تحسين القيم الاجتماعية نتيجة التبادل الثقافي بين المجتمعات،زيادة الرفاهية الاجتماعية بالنسبة للطاقة، سواء من ناحية العرض أو الطلب.
وأوضح أن المزايا البيئية تشمل أن المشروع سيقوم بإنتاج الكهرباء دون حرق الوقود، وبالتالي فإنه سيساعد على الحد من انبعاثات الكربون في المملكة، وسيساعد سد المياه العذبة على زيادة منسوب المياه الجوفية في منطقة المشروع والتي سوف تعود بالنفع على البيئة الأرضية، كما دلت الدراسات الأولية للبيئة البيولوجية الأرضية، على أنه لا توجد منطقة محمية سواء في موقع الدراسة أو على مقربة منه.