السوق السعودي أصبح بيئة جاذبة للمستثمر الأجنبي بعد عمل مُتقن وإرادة قوية للوصول إلى الهدف وإدارة تغيير نجحت بكل المعايير في وضع السوق المالي في مصاف الأسواق الأكثر احترافية، وعندما نتحدث عن السوق المالي السعودي لا بد أن نستحضر البدايات لكي نقيس حجم التطور الهائل الذي أحدثته الهيئة وقفزت بالسوق السعودي إلى المؤشرات العالمية للأسواق الناشئة، فقد كانت البداية عبارة عن شركات مساهمة ومحدودة العدد في سوق غير منظم وكانت التعاملات في الأسهم لا تخضع لأي رقابة أو إشراف حكومي فالتداولات كانت ضعيفة جداً، وحاملو شهادات الملكية في الشركات المساهمة في الغالب لا يعرفون الأسعار وعندما يريد أحدهم البيع يتجه إلى مكاتب عقارية أو مكاتب وساطة أسهم لعرض الأسهم على المشتري وكانت في الغالب يشوب تلك التعاملات تلاعب في الأسعار وتباع الأسهم بأقل من قيمتها الحقيقة وكثرت عمليات الغش والغرر وقد يحصل البائع على شيكات من دون رصيد ويبدأ مرحلة من المعانة لاستيفاء حقه واستغلت مكاتب الأسهم ومكاتب العقار تلك التداولات غير المنظمة، أما نقل ملكية الأسهم فتتم عن طريق إدارة شؤون المساهمين في الشركة أو كتابة مبايعة تصدق من أحد البنوك أو الغرف التجارية.
في أوائل الثمانينات الميلادية زاد عدد الشركات المساهمة التي طرحت أسهمها للاكتتاب العام وبالتالي كانت بدايات الإشراف الحكومي على عمليات البيع والشراء وحدث أول تنظيم فعلي في العام 1983م حيث صدر مرسوم ملكي ينص على إيجاد لجنة مشتركة تضم وزارة المالية والاقتصاد الوطني ووزارة التجارة ومؤسسة النقد العربي السعودي وهذه اللجنة تعد مسؤولة عن تداول الأسهم بالاشتراك مع قسم مراقبة الأسهم بإدارة مراقبة البنوك بمؤسسة النقد.
في العام 1989م تفتحت أعين المستثمرين على سوق الأسهم بعد طرح شركة الراجحي للصرافة والتجارة حيث تم تغطية الاكتتاب بأكثر من 6 مرات للمرة الأولى في تاريخ الشركات المساهمة السعودية وقد جرت عمليات بيع في السوق السوداء قبل الحصول على شهادات الأسهم وباع الكثير منهم بأرباح زهيدة واكتشفوا بعد ذلك أنهم فرطوا في استثمار تضاعفت قيمته عشرات المرات، وفي العام 1990م تم تطبيق أول نظـام إليكتروني متكامل للتداول والتسـويات والمقاصة.
بدأت عمليات التطوير الحقيقة للسوق المالي في منتصف العام 2005 بعد تأسيس هيئة السوق المالي ولكنها اصطدمت في بداية عملها بكارثة 2006 وحدث الانهيار الكبير الذي أحدث هزة قوية في المجتمع وربما كانت هذه الهزة هي الشرارة التي سرعت عملية التغيير وساهمت في تفعيل دور هيئة السوق المالية وإحكام قبضتها على التعاملات ومحاولة سد كل الثغرات التي أحدثت ذلك الانهيار فتم تغيير النظام الآلي للتداول وإحضار نظام يسمح بإجراء مراقبة دقيقة للتداولات والحد من المتلاعبين وإدانتهم ما ساهم في خفض حدة التلاعب وحفظ حقوق المستثمرين وضمان عدالة الإجراءات. النقلة النوعية والتغيير الشامل الذي تبنته هيئة السوق المالي هو برنامج الريادة المالية إحدى مبادرات رؤية المملكة 2030 والتي تهدف إلى جعل السوق المالي السعودية من أهم الأسواق المالية، وأن يكون سوقاً متقدماً وجاذباً للاستثمار الأجنبي ولأجل ذلك قامت الهيئة بتغيير شامل لكل الأنظمة والقوانين ومتوافقة مع أفضل الأنظمة في الأسواق العالمية وتلبي متطلبات المستثمر الأجنبي الذي يرغب في أن تمتلك السوق السعودي أكبر قدر من المعايير الواضحة والأنظمة العادلة والشفافية والحوكمة التي تضمن تدفق المعلومات والبيانات بكل سلاسة مع نظام إفلاس يحمي الحقوق، ومعايير محاسبية مالية للشركات متوافقة مع المعايير الدولية وإعادة هيكلة قطاعات السوق بالإضافة إلى تطوير أدوات الدين والبيع على المكشوف والبيع المستقبلي وإدراج الصناديق العقارية المتداولة، وإنشاء سوق لتداول أدوات الدين من السندات والصكوك، وتأسيس شركة مركز المقاصة للأوراق المالية والتي سوف تساهم في تنويع فرص الاستثمار في السوق وذلك بتمكينها من توفير أوراق مالية جديدة كالمشتقات وغيرها والتي ستساعد المستثمرين من تنويع استراتيجيات التداول وتمكن الشركات التحوط من المخاطر مما يزيد من جاذبية السوق المالي السعودي، بالإضافة إلى تأسيس شركة مركز إيداع الأوراق المالية، وتم بالفعل تطبيق معظم متطلبات الاستثمار الأجنبي خلال فترة وجيزة ونفذ تلك التغييرات الهائلة كوادر بشرية وطنية وهذا من وجهة نظري هو التحدي الأكبر في مسيرة هيئة السوق المالي والتي أعطت درساً مهماً بأن العنصر البشري الوطني قادر على التفوق على العنصر الأجنبي إذا تم اختيار التأهيل المناسب والتدريب المستمر والتحفيز، ولعل أبرز برامج الاهتمام بالموارد البشرية هي استقطاب الخريجين المتفوقين في الجامعات والأكثر تميزاً وتدريبهم و ابتعاثهم ومكنت الهيئة من الحصول على أفضل الموارد البشرية في السعودية.
نجح هيئة السوق المالي السعودي بعد إجراء الإصلاحات اللازمة بالدخول في مؤشرات الأسوق الناشئة بدءا من مؤشر فوتسي راسل ثم مؤشر MSCI ثم مؤشر S&P على التوالي في أقل من 3 أشهر وأعتقد أن السوق السعودي هو أول سوق يُدرج في جميع مؤشرات الأسواق الناشئة في هذه المدة القصيرة، وفي شهر مارس الماضي تم الإدراج الفعلي للمرحلة الأولى ضمن 5 مراحل في مؤشر فوتسي راسل وتدفقت الاستثمارات الأجنبية التي تجاوزت 15 مليار ريال منذ بداية العام الحالي 2019 وشكلت الاستثمارات الأجنبية حتى نهاية الأسبوع الماضي حوالي 5.5 % من القيمة السوقية للسوق السعودي ومع إكمال الإدراجات خلال الفترة القادمة وخصوصاً مؤشر MSCI وهو المؤشر الأهم الذي تتبع له صناديق كبيرة سوف يتحقق الهدف الأول وهو الوصل إلى استثمار أجنبي يشكل حوالي 10 % من إجمالي قيمة السوق وبذلك تزيد نسبة الاستثمار المؤسسي الذي يدعم استقرار السوق ويخفض من حجم التقلبات والعشوائية في اتخاذ القرارات الاستثمارية.