تعد المملكة العربية السعودية من أكبر أسواق مبيعات واستهلاك العطور في الشرق الأوسط والخليج، وقد ذكر موقع “يورو مونيتور إنترناشيونال” أن السعودية تتمتع بأعلى حصة من سوق العطور في الخليج بنحو 60 % تليها الإمارات بـ 22 %، الكويت ثم عمان، والبحرين ويعد إنفاق الفرد على العطور في الخليج، من أعلى المعدلات عالمياً.
وبالرغم من ضخامة مبيعاتها وأرباحها وحجم سوقها وقوة تأثيرها من حيث حجم المال المستثمر فيها، إلا أن الوافدين هم المسيطرون عليها يساعدهم في ذلك بعض المواطنين المتسترين عليهم في صناعتها وبيعها وتسويقها، فلا تسأل ما يكون منها مغشوشا أو مقلدا أو مضافا إليها مخلفات محرمة كـ”البول” أعزكم الله وغيره.
وقد سبق وأن قررت وزارة العمل والتنمية الاجتماعية سعودة هذا النشاط بكافة أنواعه ومشتقاته، ولكن حتى الآن مازالت العصمة فيه للوافد يجني منه المليارات سنويا، وكأن الوزارة استثنته له. والملاحظ أن محلات بيع العطور على اختلاف أنواعها تتزايد بالسوق السعودي والوافد هو المسيطر عليها، والمعروف أن ذلك يعد تسترا ومخالفة لنظام مكافحة الغش التجاري ونظام العلامات التجارية في المملكة ويترتب عليه عقوبات تصل إلى السجن ثلاث سنوات، وغرامات مالية تصل إلى مليون ريال، كما تشمل العقوبات التشهير، وترحيل العمالة بعد إنفاذ محكوميتهم، وإيقاف النشاط، وذلك وفق منطوق الحكم القضائي.
تجارة مربحة
وأظهرت إحصائية أن عدد محلات العود والعطور يتجاوز 6000 محل بالمملكة وأن السعودة فيها لاتتجاوز 20 % وحجم فرص التوطين فيها القطاع يتجاوز 20 ألف وظيفة، ومتوقع لو سعودت بالكامل فلن تقل رواتبها عن 5000 ريال شهرياً بدون حوافز المبيعات.
وبحسب دراسات قامت بها “يورومونيتور انترناشيونال” أن سوق العطور تشكل ما نسبته 35 % من إجمالي سوق التجميل والرعاية الشخصية في المملكة ونمت بنسبة 9.4 % سنويا بنهاية 2018 والحجم السنوي لمبيعاتها قدرت بأكثر من 5.25 مليارات ريال وتوقعت الدراسات نمو سوق العطور بالمملكة لأكثر من ذلك وخصوصا في أوقات المواسم.
وفي ظل سيطرة الوافدين على سوقها بالمملكة إلا أن هناك بعض الشباب السعوديين يحاولون أن يجدوا لهم موضع قدم بينهم، وقد بَرَع بعضهم في صناعة وتركيب العطور والبخور والتعلم عن طريق أصحاب الخبرة ومتابعة المقاطع التعليمية عبر الإنترنت، ليمارسوا بعد ذلك تجاربهم العملية وكشق أسرار تكوين تركيبات العطور.
الشاب السعودي سعيد القحطاني بدأ تعلم تركيب العطور ويرى أنه شق الطريق نحو النجاح وتحقيق الهدف الذي كان ينشده هو تركيب ومزج العطور والذي وصل إليه بإصرار وعزيمة وحب الاعتماد على النفس في كسب الرزق والبحث عن مصدر دخل. ويصنّع سعيد 12 نوعاً من المخلّطات والبخور وأكثر من 100 نوع من العطور منها 35 منتجاً خاصاً، وشارك من خلالها فيما يقارب 50 مهرجاناً، أبرزها مهرجان أبها للتسوق، ومهرجان الخيل والهيل بتبوك، ومهرجان الورود بالطائف وعنيزة والأسياح والأحساء، ومعرض الكتاب، فيما تعد مشاركته بالجنادرية هذا العام هي الـ11 على التوالي.
ويقول إن مرحلة تصنيع العطور تمُرّ بعدة مراحل هي خلط الزيت العطري مع المذيب ومن ثم تبريده يلي ذلك التصفية التي يعقبها التعبئة والكبس وأخيراً التغليف.
يقول السيد طارق أحد باعة العطور أن مايقارب 60% إلى 70% من عوائد بعض شركات العطور العالمية تأتي من دول الشرق الأوسط، وتصل عوائد مبيعاتها إلى 5 مليارات دولار سنوياً، فيما عوائد مبيعاتها في السعودية وحدها بحدود 2 مليار دولار سنوياً،
تقليد وتستر
وبالرغم من قيام وزارة التجارة والاستثمار بملاحقة المستثمرين بها من المتستر عليهم وضبطها لكثير من الحالات المخالفة وتطبيق أنظمة مكافحة التستر عليهم إلا أن التستر لايزال قائما – وكما يقال – “على عينك ياتاجر” ويدخل في تجارة العطور الكثير من المحاذير والغش والتدليس بسبب الطلب المتزايد عليها وحجم مبيعاتها عدم سعودتها حتى الآن وكثيرا مانسمع ونقرأ عن جهود وزارة التجارة والاستثمار في محاربة الغش والتستر في تجارة العطور، ومنها: ضبط أمانة منطقة حائل لمستودع يقوم بخلط وتركيب وتعبئة بعض أنواع العطور والمخمرية ويجمع بعض الأخشاب ليضع عليها العطور وتباع على أنها عود أصلي، بالإضافة لوجود مواد خام وزيوت مجهولة المصدر.
وتمنح الوزارة مكافأة مالية للمبلغ المتعاون مع الوزارة في بلاغات التستر التجاري تصل إلى 30 % من قيمة الغرامات المحكوم بها بعد تحصيلها، ولعل من حالات التستر، ما تقدم به مواطن للإبلاغ عن قضية غش تجاري لمعمل غير مرخص في محافظة الأحساء يقوم العاملون فيه بتعبئة العطور المغشوشة وتغليفها في عبوات تحمل علامات تجارية معروفة بهدف البيع وإيهام وتضليل المستهلكين بجودتها، وتم مكافأة المبلغ بـ50 ألف ريال وتم التشهير بالمخالفين ـ وتغريمهم بغرامة مالية قدرها 200 ألف ريال ومصادرة الآلات المستخدمة في التصنيع والتعبئة وإتلاف الكميات المضبوطة.
كما سبق وأغلقت الوزارة مصنعاً للعطور شرق الرياض، إثر ضبط تزويره بلد المنشأ لعطورات مصنعة محلياً وادعاء كونها صنعت في “فرنسا”، إضافة إلى تعمد الغش وتضليل المستهلكين عبر تغيير تاريخ انتهاء المواد الأولية المستخدمة في التصنيع، ورصد المراقبون خلال معاينة المقر وجود كميات كبيرة من الزيوت العطرية التي جرى تزوير تاريخ إنتاج وانتهاء الصلاحية على عبواتها الخارجية.
وشهرت التجارة بمواطن ومقيمين من جنسية عربية عقب ثبوت تمكين المواطن للمقيمين من ممارسة التجارة في العطور باستخدام سجله التجاري والعمل لحسابه الخاص بمنشأة تزاول نشاط التجارة في العطور والمستحضرات التجميلية بمدينة حائل.
مصادر مجهولة
وداهمت الفرق الرقابية بوزارة التجارة والاستثمار بالتعاون مع قسم شرطة العزيزية في مدينة مكة المكرمة مستودعاً تستخدمه عمالة مخالفة كمعمل لتصنيع عطور مغشوشة يتم تصنيعها من مواد مجهولة المصدر، وأغلفة وعلب وملصقات لها، وضبطت الفرق الرقابية في المستودع أكثر من (1.250.000) منتج مخالف.
وشملت المنتجات التي تم ضبطها في المستودع عبوات عطور جاهزة للبيع، وبراميل ومعدات لتغليف وتعبئة العطور، ومعدات لتزوير البيانات التجارية، وبادرت الفرق الرقابية على الفور بإغلاق المستودع، وتسليم العمالة للشرطة تمهيدا لإحضارهم لمقر الوزارة لاستكمال الاجراءات النظامية، والرفع للجهات القضائية لإصدار الأحكام النهائية بحقهم.
وللأسف لم يقف الحد عند التستر والغش فقط بل ودخل في ذلك ماهو أشنع وأفظع، فقد كشفت إحدى جولات وزارة التجارة والاستثمار عن معمل لتركيب العطور يستخدم “بول بشري” معبأ في قارورة ماء صغيرة وسط معمل تركيب العطور، يُستخدم لتثبيت الرائحة.
والذي يدعو للفخر أن وزارة التجارة والاستثمار تقوم دائما في تكريم المستهلكين الذين يقدمون بلاغات تقود إلى ضبط المخالفات التجارية، وذلك إيماناً منها بأهمية الدور الذي يقوم به المستهلكون في دعم جهودها لمكافحة حالات الغش التجاري والمخالفات التجارية.
وعقوبات مثل هذه المخالفات تصل إلى السجن لمدة سنتين وغرامة مالية بقيمة مليون ريال للمخالف الواحد وإبعاد غير السعوديين عن المملكة، بالإضافة إلى التشهير بأسماء المخالفين في الصحف المحلية على نفقتهم الخاصة، وفرض العقوبات الأخرى المتضمنة إغلاق النشاط وتصفيته وشطب السجل التجاري، والمنع من ممارسة النشاط التجاري.
وتهدف الوزارة من وراء ذلك إلى مكافحة ظاهرة التستر التجاري وإيجاد بيئة تجارية نظامية وخالية من المخالفات وتمكين المواطنين من العمل التجاري.