قال إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ د.عبدالبارئ بن عواض الثبيتي -في خطبة الجمعة-: السجود أشرف حالات العبد، فيه متعة الخضوع للعزيز الكريم، وجمال الإذعان للرحمن الرحيم، وهي لحظات كرم وبركة لا حدود لها، وفي السجود لذة لا توصف، وانشراح لا يحيط به قلم، ينقل المسلم من قطعة ضيقة على الأرض إلى ارتفاع في ساحة السماء، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أقربُ مَا يَكونُ العبْدُ مِن ربِّهِ وَهَو ساجدٌ، فَأَكثِرُوا الدُّعاءَ».
وأضاف: ما أجمل أن يتقلب المسلم في ليالي رمضان ينهل من عبق لذة السجود وفضائله، قال الله تعالى: «وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا»، فيا أيها المتسابق إلى الخيرات في رمضان سارع في خطاك إلى ربك سجوداً وقنوتاً، فالحرمان كل الحرمان أن يحرم عبد نعمة السجود بين يدي الله، ومن تكبر عن السجود لله في الدنيا، فلن يستطيع السجود في الآخرة إذا دُعي لذلك، عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة، فيبقى كل من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقاً واحداً».
وقال: السجود يضفي على وجه صاحبه نور الإيمان وعلى قلبه تباشير الاطمئنان، ويسكب فيه سكينة ويكسوه جلال الوقار، في السجود يكون الإله سبحانه قريباً ممن دعاه، مجيباً لمن ناجاه، سميعاً لمن ارتجاه، ومن كان بقرب الله فإنه ينال عند ربه أجزل العطاء وأرفع المقامات، وهو في أنس وثقة ويقين وحصن حصين، قال تعالى: «فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ»، «وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ»، فلك في كل سجدة رفعة درجة ودنو منزلة وقرب مكانة، فعطاء الله لا ينفذ، ومن تقرب إليه أنزله بفضله مراتب النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، في السجود تتجلى علامات التصديق والإيمان وتبرز أمارات اليقين والتسليم، والسجود هو العبادة التي اجتمعت عليها كل الكائنات.
وأوصى: اسجد سائلاً ربك وداعياً خالقك متضرعاً إلى مولاك، فأنت في جنة من جنان الدنيا، اسجد سجود الخاشعين إذا تشنفت أذناك بآيات القرآن، وملكت بيّناته شغاف قلبك، وكلما تذكرت تراخي عملك وتوجعت من ذنبك وغفلتك وطفقت تطرق باب التوبة والاستغفار، واسجد إذا اشتدت عليك الكربات وحاصرتك الصعوبات وواجهتك الملمات، فإن السجود فرج كل هم، ومن ضاق صدره وأحزنه الناس، فليكثر من الصلاة والسجود والدعاء، مؤكداً على أن السجود يطفئ غضب الرحمن ويوجب الرضا منه سبحانه وتعالى.