ختمت أسواق النفط تداولات الأسبوع الماضي بأعلى تباين سعري خلال العام الجاري 2019م لخام الإشارة برنت الذي بلغ مقداره 8 دولارات وبسعر ختامي لتداولات الأسبوع عند 61 دولاراً، وذلك ضمن وتيرة تراجع سعرية منذ الـ29 من شهر أبريل الماضي، فعلى الرغم من مخاوف أسواق النفط جرّاء حدوث شحّ في الإمدادات نتيجة العقوبات الاقتصادية المفروضة على طهران وكاراكاس والصراعات الدائرة في ليبيا، إلا أن الأسواق لم تعكس آثار تلك العوامل بشكل فعلي للمخاوف من تراجع حجم الطلب العالمي على النفط ووفرة المخزونات، بالإضافة إلى تعهد OPEC+ بتلبية حاجة السوق العالمية من الإمدادات النفطية، ما يظهر جلياً في الربع الثاني الجاري هو جدّية الإدارة الأميركية لإيقاف صادرات طهران النفطية وذلك منذ انتهاء فترة الإعفاءات في الثاني من شهر مايو الماضي، وصرامتها تجاه الحظر الفعلي.
بيدَ أن اختلاف العوامل المؤثرة في أسواق النفط وتداخلها أوجد ضبابية كبيرة في قراءة الأسواق وتكهنات مستقبلها، فبعيد مطلع شهر أبريل الماضي والأسواق النفطية عرضة لتأثير العوامل الثانوية، بالإضافة إلى نمو المخزونات النفطية، وتركيز الأسواق على تأثير كلٍ من النزاع التجاري بين الولايات المتحدة الأميركية والصين، وتشعّب ذلك النزاع إلى شركات البلدين بالإضافة إلى حالة التصعيد العسكري الأميركي ضد طهران، إلا أن قياس تأثير كل هذه العوامل لم يكن كافياً لاستيضاح الاتجاه المستقبلي لأسواق النفط، وليس ذلك بغريب فقد كانت المخاوف من أهم ملامح الأسواق النفطية منذ بداية العام الجاري 2019م على الرغم من نشوة الأسواق العالمية بسبب انطلاق اتفاق الخفض النفطي OPEC+، حيث كان ملف النزاع التجاري بين الصين والولايات المتحدة أكبر عامل ضغط على الأسواق ونمو الطلب العالمي على النفط، ما دفع خبراء الصناعة إلى التخوف من حدوث ركود اقتصادي، لذلك يتضّح أن أكبر عاملين في أسواق النفط خلال النصف الأول من العام الجاري هما اتفاق الخفض النفطي وملف النزاع التجاري، حيث برز عامل اتفاق الخفض النفطي كأكبر المؤثرين في أسواق النفط العالمية خلال الأشهر (يناير وفبراير ومارس وأبريل)، ثم ظهرت للسطح آثار النزاع التجاري بين الصين والولايات المتحدة الأميركية في الضغط على الاقتصاد العالمي والطلب على النفط، التي وجدت أرضية مساعدة لتسجيل تراجع سعري كبير في فترة زمنية قصيرة، من خلال المخزونات النفطية التي لا زالت موجودة بالأسواق العالمية، ومثّل الملف التجاري أحد العوامل التي سببت ضغطاً على أسواق النفط منذ بداية العام الجاري، بالتزامن مع المباحثات التجارية التي تم عقدها بين البلدين، حيث تميزت بالتصعيد تارة والتهدئة تارةً أخرى، مما تسببّ في حالة من التدافع بين العوامل المؤثرة في أسواق النفط برزت بشكل لافت منذ نهاية فبراير الماضي أهمها اتفاق الخفض النفطي ومخاوف تباطؤ الاقتصاد العالمي والطلب على النفط.
في ظل المعطيات الحالية لأسواق النفط تظل التكهنات بمستقبل الأسواق في غاية الصعوبة، ورهينة لمخرجات العوامل المؤثرة في الأسواق، حيث لا يمكن التنبؤ بالمسار الذي ستتخذه، لا سيمّا المحادثات التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين التي تعدّ أكبر عامل مؤثر في الطلب العالمي على النفط، إلا أنه يمكن التوقّع باستمرار مسار الأسعار الحالي لفترة غير واضحة المعالم ومن الوارد حدوث تراجعات أكبر في الأسعار إن لم ترد بيانات تشير إلى تراجع أرقام في المخزونات النفطية، كما يظلّ الاجتماع الوزاري لـ OPEC المقرر عقده نهاية يونيو الجاري (أو مطلع يوليو القادم) في العاصمة النمساوية فيينا بالإضافة إلى منتجي الخام من خارج المنظمة OPEC+ أهم مرحلة يمكن البناء عليها لأسواق النفط خلال النصف الثاني من العام الجاري 2019م، ولا يمكن الجزم بما سيؤول إليه الاجتماع أو ينفضّ عنه من قرارات، إلا أن التنبؤات تشير إلى أنه من غير الوارد تقديم المزيد من خيارات الخفض، وأن يتم الاستمرار بسياسة الإنتاج الحالية التي تسير بحجم خفض مقداره 1.2 مليون برميل يومياً، فمعطيات النصف الثاني من العام تشير إلى حدوث شحّ في الإمدادات النفطية بسبب أعمال الصيانة التي سيتم القيام بها في بحر الشمال وبحر قزوين خلال الربع الثالث من العام كما أن الربع الرابع سيشهد موعد الصيانة الدورية للمصافي ما ينتج عنه انخفاض الاستهلاك بالولايات المتحدة الأميركية وتراجع أسعار النفط، لذلك يكون الربعين الأخيرين من العام (بالإضافة إلى الربع الجاري) من أكثر فترات العام ضبابية وعدم يقين؛ لكثرة العوامل المؤثرة في أسواق النفط التي تعد حالياً مهيأة لزيادة بناء المخزونات النفطية بداخل الأسواق التي ستؤثر بطبيعة الحال على حالة الاتزان التي دخلتها بداية الربع الجاري من العام.