قترب أسواق النفط العالمية من إنهاء النصف الأول من العام الجاري بفاعلية ملحوظة للدور الذي مثله اتفاق الخفض OPEC+، فعلى الرغم من اقتصار هذا التأثير في قرارٍ واحد بخفض الإنتاج نهاية العام المنصرم إلا أنه كان نقطة جذب لأسواق النفط نحو مركز الاتزّان، والامتثال للحاجة التي تفرضها مصالح المنتجين والمستهلكين طيلة النصف الأول من العام وسط عوامل متناقضة ذات تأثير متصاعد في الربع الجاري، حيث احتفظ اتفاق الخفض OPEC+ بقوة تأثيره في الأسواق بالرغم من تزامن ذلك ومؤثرات أخرى قوية في الأسواق أبرزها الملف التجاري الذي تتقاسم المنازعة فيه الولايات المتحدة والصين، بالإضافة إلى المخاوف التي كانت تعتري الأسواق العالمية بين الفينة والأخرى بشأن عامل العرض الذي كانت التوقعات حول مستقبله غامضة، نتيجة العقوبات الدولية التي فُرضت على كلٍ من إيران وفنزويلا اللتين بدأت الدخول لحيّز العقوبات نهاية يناير الماضي عبر فرض واشنطن عقوبات على شركة النفط الفنزويلية PDVSA، وبداية أبريل للعام ذاته الذي كان موعداً لنهاية الاعفاءات بخصوص النفط الإيراني، وبوجود هذه المؤثرات مجتمعة إلا أن الربع الأول من العام كان الأكثر هدوءا واستقراراً في أسواق النفط؛ لوجود توازن نسبي بين العوامل المتضادة التأثير يطغى عليها تأثير اتفاق الخفض بين منتجي الخام OPEC+، مقارنة بالربع الثاني الذي شهد زيادة في تعظيم التأثير والمخاوف في عامل العرض، فبالإضافة للوضع الفنزويلي دخلت إيران مرحلة سريان العقوبات وإنهاء الإعفاءات لمستوردي نفطها، كما أن عامل الطلب لم بكن ببعيد عن التأثير بالأحداث الموجودة في أسواق النفط لا سيمّا ملف النزاع التجاري الذي ما زال يواصل تأثيره في الأسواق إلى الآن. المشهد الحالي لأسواق النفط يعبّر عن استمرارية الصعوبة في قراءة مستقبل الأسواق النفطية، ولا يمكن الاستدلال بعوامل التأثير الحالية لقابليتها للتغيير، لذلك فالترجيح الحالي باستمرار العمل باتفاق الخفض النفطي يؤكد استراتيجية OPEC في الحفاظ على موازنة أسواق النفط من خلال دعم مرحلة تساوي التأثير المضاد بين العوامل التي تمسّ أسواق النفط بشكل مباشر أو غير مباشر، فسياسة خفض الإنتاج أسهمت منذ بداية العام الجاري في خفض حدّة تأثير النزاع التجاري بين أميركا والصين الذي أوجد حالات تباطؤ في الاقتصاد العالمي والطلب على النفط ومن جانبٍ آخر لم يشكّل الاتفاق ضغطاً حقيقياً على عامل العرض بالأسواق؛ لوجود طاقة إنتاجية غير مستغلّة لدى منتجي الخام الأعضاء في الاتفاق يمكنها تعويض الإنتاج النفطي المفقود فالمخاوف من شحّ الإمدادات لا تعكس المعطيات الحقيقية للأسواق، فأثر النزاع التجاري في تراجع الطلب العالمي على النفط يساهم في تضخيم حجم الفوائض النفطية، لذلك فسياسة الإنتاج الحالية لـ OPEC+ ستحمي الأسواق من تداعيات زيادة الفوائض في ظل تأثير العوامل الآنية مع ضمان الوفرة النفطية حال احتياج الأسواق لذلك، وهي إلى الآن ليست بحاجة لأي تدّخل لزيادة المعروض فالدلائل تشير إلى ذلك، حيث إن منطقة الجذب المتوقعة لخام برنت بقية يونيو الجاري ستدور حول (63 – 64) دولاراً للبرميل، إن تم تجنيب الأسواق تصريحات التصعيد في الملف التجاري وعلى وجه الخصوص من الجانب الأميركي، حيث أنهت أسواق النفط تداولات الأسبوع الماضي بفوارق سعرية وصلت لـ4 دولارات لخام برنت (59 – 63) ترافقها حالة من التصعيد في الجوانب الجيوسياسية وخصوصاً طهران التي أقرّت عبر تصريحات مطلع الأسبوع المنصرم بالتفافها على العقوبات الأمريكية المفروضة على نفطها، بالإضافة إلى حوادث التفجير التي ما زالت تعترض ناقلات النفط في الخليج العربي بأدلة دولية تثبت تورّط طهران فيها، وهو ما يزيد الأمر غموضاً حيال مصير النظام الإيراني في المنطقة، فبواعث نشاط القرصنة البحرية تجاه ناقلات النفط على وجه الخصوص يعكس حجم الألم الاقتصادي الذي ترزح تحت نِيره طهران حالياً، فتصريحات مسئوليها بنجاح الالتفاف على العقوبات الأمريكية لا يخرج من دائرة التسويق في كل الحالات، وإن كان هنالك أي نجاح لبيع نفطها فهو غير مجدٍ إطلاقاً في ظلّ المستويات الحالية لأسعار النفط والتخفيضات التي ستقدمها للمشترين على نفطها.
وتشير العوامل المؤثرة حالياً في الأسواق إلى أن النصف الثاني من العام (الربع الثالث على وجه التحديد) لن يحمل تغيرات جوهرية في أساسيات أسواق النفط، وإنما بقاءها بين تأثير النزاع التجاري والعوامل الجيوسياسية، وبحسب ما يمكن قراءته فإن مستويات التصعيد في العوامل السابقة ستكون الأكثر تأثيراً في أسعار النفط، وأن تظل OPEC+ نقطة التوازن للأسواق والمنطقة الآمنة لها من خلال استمرار سياسة الإنتاج الحالية التي تسير بخفض يومي مقداره 1,2 مليون برميل، فأسعار النفط لديها استجابة تلقائية متزّنة لتأثير اتفاق الخفض النفطي كلمّا تخلّصت من عوامل التأثير التي تداهمها بين الفينة والأخرى.