طرح وزير الخارجية اليوناني على مستشار الأمن القومي الأميركي، جون بولتون، في مكالمة هاتفية مسألة «نشاطات تركيا غير القانونية في المنطقة الاقتصادية الخاصة بجمهورية قبرص وضرورة تعزيز الدعوة الواضحة للمجتمع الدولي إلى وقفها».
وفي حديث صحفي، أورد مصدر أوروبي في بروكسل، الأربعاء، أن رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي سيكلفون المفوضية الأوروبية، خلال قمة الاتحاد التي تعقد في بروكسل، بإعداد وعرض الإجراءات المزمع اتخاذها ضد تركيا رداً على نشاطاتها غير الشرعية في منطقة قبرص الاقتصادية الخالصة.
وتنقب تركيا عن النفط والغاز قبالة سواحل قبرص في شرق مياه البحر الأبيض المتوسط. وأرسلت أنقرة التي ترفض الاعتراف بحدود منطقة قبرص الاقتصادية الخالصة، سفينة التنقيب «فاتح» إلى مياه المنطقة، معلنة أن أعمال التنقيب ستستمر حتى يوم 3 سبتمبر.
وأمام هذا الموقف التركي أبدت وزيرة خارجية الاتّحاد الأوروبي، “فيديريكا موغيريني”، قلقها من السلوك التركي، إلا أن الجديد هو في اتخاذ “واشنطن” موقفًا تاريخياً غير مسبوق في تحدي ومعارضة تركيا في هذه المسألة.
وفي سياق التوتر الأميركي – التركي بعد سعي تركيا لشراء منظومة صواريخ روسية، بدأت واشنطن لأول مرة تتطلع للبحث عن بدلاء للابتعاد عن «أنقرة» والتي لطالما اعتبرها واشنطن شريكاً وحاجزاً ضد توسع القوى السوفييتية في الشرق الأوسط خلال الحرب الباردة.
ونشرت صحف أميركية هذ الأسبوع، أنباء عن تقارب أميركي – يوناني تاريخي، حيث تسمح الدولة الواقعة جنوب شرق أوروبا للولايات المتحدة بنفوذ أكبر على أراضيها وتغري اليونان واشنطن بمنحها أدوات للسيطرة في المنطقة مع ابتعاد تركيا عن واشنطن وحلف شمال الأطلسي.
وكتب الخبير في السياسية الدفاعية، جون سي دالي، «حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان تراقب عن كثب، ولا ترغب في رؤية مواقفها المتوترة مع الناتو وواشنطن بالتقلص لدرجة استبدالها باليونان»
وقالت صحيفة «هيرالد الوطنية الأميركية» الأربعاء، أن اليونان تلعب لأول مرة دوراً مقرباً من الولايات المتحدة ما يجعل الحاجة الى تركيا أقل من السابق، والتصميم الأميركي على معاقبة تركيا أكثر قابلية للتطبيق.
وتذهب إدارة ترمب باتجاه التنسيق مع «أثينا» بشكل غير مسبوق من ناحية التعاون العسكري، كما تبدي واشنطن انحيازاً الى جانب قبرص واليونان ضد تركيا في نزاعها بشأن حقوق الطاقة في المتوسط.
ولطالما وصف مسؤولو الخارجية الأميركية العلاقة اليونانية -الأميركية في الماضي بأنها ليست بأفضل حال، كما كان الجانب الأميركي داعماً ومنحازاً الى تركيا ضد اليونان، وكان ينظر الى أميركا على أنها داعم للغزو التركي لجزيرة قبرص في العام 1974، وكان حلف الناتو يرى اليونان حليفاً مزعجاً لمنظمة حلف شمال الأطلسي، ليتغير المشهد في السنوات الأخيرة من حكم أردوغان وتدهور العلاقة مع الدول الغربية.
ومع وصول رئيس الوزراء أليكسيس تسيبراس من حزب سيريزا اليساري المتطرف الى الحكم في اليونان قبل أربعة أعوام، كان من المتوقع تدهور العلاقات مع واشنطن بشكل أكبر، في خضم ازمة اقتصادية تواجهها اليونان الا أن العكس حدث، وبدأ رئيس الوزراء تسيبراس باستغلال التغييرات الجيوسياسية في المنطقة وخاصة فيما يتعلق بتدهور العلاقة التركية – اليونانية للتقرب من أميركا، وتقديم اليونان كحليف في الناتو ضامن للشراكة والمصالح مع الولايات المتحدة.
تباعاً بدأ العداء اليوناني الأميركي يختفي، وبدأت الولايات المتحدة بزيادة استخدامها للقواعد الجوية والبحرية اليونانية، كما أبدت واشنطن تدخلاً ايجابياً لإحداث مصالحة تاريخية بين اليونان وجارتها مقدونيا الشمالية والتي انضمت مؤخراً الى حلف الناتو.
وأزعج الانحياز الأميركي إلى اليونان تركيا في مسألة لا ترتبط مباشرة بقضايا حلف الناتو، حيث قال المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية، هامي أكسو، إن اليونان تريد إشراك الناتو في نزاعات الدول حول السيادة في بحر إيجة وشرق المتوسط، ليزداد التوتر إلى درجة أن وزير الدفاع التركي قال إنه يأمل ألا تنشب الحرب.
وقال الخبير في السياسة الدفاعية جون سي دالي، إن هذا البيان يخفي مخاوف تركيا المتزايدة من أن الناتو والولايات المتحدة ربما يخططون لزيادة عدد القواعد في اليونان وجزر بحر إيجة وهذا يعني اختفاء الحاجة إلى تركيا كحليف في الناتو مع الزمن ليبدو أن الحديث عن طرد تركيا من “الناتو” ليس تهديداً مجازياً ولكن واقعا بدأ بالتحقق.
وفي خطوة تؤكد اتباع أميركا استراتيجية التقارب من اليونان والاعتماد عليه لمواجهة تركيا، قامت واشنطن بعد الإعلان التركي بتسلم المنظومة الروسية، بتسليم الجيش اليوناني 70 طائرة هليكوبتر عسكرية بترتيبات مالية مرنة جداً ليصف البعض الصفقة بأنها أشبه بـ»هدية» لليونان لتعزيز قدراتها في مواجهة التهديدات التركية وعزم أميركا على جعل اليونان منطقة عسكرية منيعة ويعتمد عليها.