عاودت أسعار النفط الصعود مرةً أخرى خلال تداولات الأسبوع الماضي والخروج إلى حدٍ ما من كمّاشة التراجع والضغوط التي طغت على الأسواق بداية يونيو الجاري، حيث لامس خام الإشارة برنت مستويات سعرية مرتفعة نوعاً ما، فقد عاد للصعود فوق مستوى الـ 64 دولاراً في الـ 20 من الشهر الجاري، ويأتي ذلك في ظل امتداد الضبابية لبعض العوامل المؤثرة في الأسواق كحالات التصعيد الجيوسياسية والملف التجاري الذي ما زال يرمي تأثيره على الاقتصاد العالمي وإحداث حالات التباطؤ فيه، إلا أن أسواق النفط في تداولات الأسبوعين الماضيين سجّلت تحسّناً طفيفاً ما دفع الأسعار للعودة إلى مستويات الـ 65 دولاراً لخام الإشارة برنت، ويأتي ذلك في ظل حالة الامتداد لعوامل التأثير في أسواق النفط التي خلفّت اضطراباً في مسارها اتضّحت ملامحه في الربع الثاني من العام، حيث تصاعدت فيه حدّة تأثير تلك العوامل وعلى وجه الخصوص النزاع التجاري بين أمريكا والصين، فعلى الرغم من حالة المخاوف التي نشأت بداخل الأسواق جرّاء حدوث شحّ في الإمدادات النفطية إلا أن عامل العرض لم يسجّل أي تأثير فعلي في مسار الأسواق خلال الربعين (الأول والثاني) وأن أكبر داعم لأسعار النفط منذ بداية العام الجاري كان اتفاق OPEC+ الذي ساهم في رفع مستوى الأسعار وعززها بشكل كبير بمقدار 24 دولاراً لخام الإشارة برنت، وذلك من مستوى 50 دولاراً في 25 ديسمبر 2018م إلى 74 دولاراً (أعلى نقطة) في 22 أبريل الماضي، وبالتزامن مع كل هذه المعطيات يأتي اجتماع منظمة أوبك والأعضاء من خارجها OPEC+ مطلع يوليو المقبل لإضفاء الشرعية لتصريحات الدول الأعضاء التي سبقت الاجتماع وأشارت إلى ضرورة بقاء العمل بالاتفاق السابق لبقية العام وذلك بخفض يومي مقداره 1.2 مليون برميل؛ امتثالاً للحاجة التي تفرضها أسواق النفط.
يعكس استمرار العمل باتفاق الخفض النفطي وتوحيد السياسة الإنتاجية للعام 2019م في ظل المعطيات الراهنة عدّة جوانب إيجابية أهمها تقليل السيناريوهات المتوقعة لمسار أسواق النفط بقية العام الجاري، كذلك امتداد دور الدعم للأسعار وحمايتها من وطأة تأثير العوامل الضاغطة كالملف التجاري الذي ينعكس تأثيره بطبيعة الحال سلباً على نمو الاقتصاد العالمي وحركة الطلب على النفط، كما أن تأثير عامل اتفاق الخفض النفطي لا يشكّل بالتقادم انعكاساً عالي الخطورة على الأسواق النفطية؛ لإمكانية التحكّم به دون آثار سلبية من جهة وتوفّر الطاقة الإنتاجية الاحتياطية حال استكمال دوره، لذلك ما يتسببّ في نشوء الضبابية لمستقبل أسواق النفط هي العوامل ذات التأثير السلبي غير قابلة للإدارة، كالحرب التجارية بين قطبي تجارة العالم الولايات المتحدة والصين التي تصاعدت حدّتها وانعكاساتها السلبية على الأسواق بشكل واضح في الربع الثاني من العام الجاري، وما زالت إلى الآن المؤشرات تدلّ أن الربع الثالث القادم سيظل تحت وطأة تأثير تباطؤ الطلب العالمي على النفط، وهو ما يجعل أسعار النفط تحت الضغوط، إلا أن هنالك بوادر انفراج للأزمة بدت ملامحها واضحة بين (قادة العشرين) خلال اجتماعهم الجاري في اليابان، حيث تم افتتاحه بالرغبة في اتخاذ الإجراءات الضرورية لتحفيز الاقتصاد العالمي، وذلك ضمن كلمة رئيس وزراء اليابان شينزو آبي، يُضاف إلى ذلك العوامل الجيوسياسية في مناطق الإنتاج وحالات التصعيد فيها، فما زالت إيران تمثل أهم عامل اختلال في ملف الطاقة العالمي لعدّة معطيات داخلية وخارجية، فداخلياً تسبب سلوك النظام في فقدانها كدولة عنصر الأمان لعملاء نفطها وصرفهم عنها كأحد خيارات الطاقة، لا سيمّا أن قرابة النصف من صادراتها النفطية – كانت في وقتٍ سابق – تغذّي أهم الاقتصادات العالمية في القارة الآسيوية بواقع 1,463 مليون برميل يومياً كالصين التي كانت تستورد نفطاً إيرانياً بواقع 613 ألف برميل يومياً وكوريا الجنوبية بواقع 387 ألف برميل يومياً والهند 258 ألف برميل يومياً واليابان 108 ألف برميل يومياً وتركيا 97 ألف برميل يومياً، إلا أن حالة الاضطراب السياسي التي يعيشها النظام تسبب في فقدان جميع مداخيل الشريان الاقتصادي الوحيد لإيران، جرّاء العقوبات الاقتصادية التي تخضع لها طهران، حيث تسببت تلك العقوبات في فقدان طهران لإيرادات تقدر بـ 10 مليارات دولار منذ العام 2017م حسب ما أفاد به بريان هوك الممثل الأمريكي الخاص لإيران بوزارة الخارجية، كما أشارت البيانات المتداولة بأوساط الصناعة النفطية إلى تراجع صادرات النفط الإيرانية خلال شهر يونيو الجاري إلى 300 ألف برميل يومياً، وذلك ضمن سلسلة تراجع بدأتها صادراتها من النفط حيث تراجعت في مارس الماضي إلى 1.1 مليون برميل يومياً ثم دون المليون في أبريل، أما كونها عامل اختلال في ملف الطاقة دولياً فيتضّح من خلال وقوفها الدائم خلف عمليات التهديد والتخريب والتفجير في مسار ناقلات النفط بالخليج العربي.