برهن الإنفاق الاستهلاكي المرتفع للمواطنين والمقيمين بالمملكة على الأنشطة الترفيهية في الأشهر الأخيرة، على نجاعة السياسة الاقتصادية الوطنية التي تدعم حقيبة التنوع لرفد الاقتصاد الوطني، وتحقيق التوجه لفتح مجالات جديدة تضخ فرص العمل المباشرة وغير المباشرة بهذا القطاع الحيوي والمهم، والذي تركز عليه بلدان عالمية نظراً لأثره البارز في النمو الاقتصادي المحلي وتوليد فرص للعمل.
ووفقا لبيانات مؤسسة النقد العربي السعودي ” ساما” فقد ارتفع الإنفاق على الترفيه بالمملكة خلال شهر مايو الماضي 8.16 % مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي 2018، حيث بلغت مبيعات قطاع الترفيه 1.07 مليار ريال، وقد ارتفع إجمالي الإنفاق الاستهلاكي عموماً في المملكة لنفس الشهر من العام الحالي بنسبة 9.08 % حيث بلغ إجمالي الاستهلاك لشهر واحد فقط 100.07 مليار ريال مقارنة بنفس الفترة للعام المنصرم، وتشير توقعات اقتصاديين ومتخصصين في قطاع السياحة والترفيه إلى تزايد هذه النسبة الخاصة بالترفيه، على مدار الأشهر المتبقية من العام الحالي، نظراً لزيادة المناشط المرتبطة بالترفيه وتعددها.
من جانبه قال الخبير الاقتصادي ورئيس مركز الشروق للدراسات الاقتصادية الدكتور عبدالرحمن باعشن، إن نشاط الترفيه كان شبه مغيب في بلادنا على مدار السنوات الماضية، ولكن وفق توجهات حكومتنا التي تبنتها مع رؤية 2030، ووضعت لها عدد من الأسس التي أسهمت بحدوث جذري لقطاع الترفيه، ولعل من أبرزها إنشاء هيئة حكومية متخصصة لهذا القطاع ومناشطه، وحققت رواجاً وحضوراً مميزاً للقطاع في جميع مناطق المملكة، وقد ساند كل ذلك أنظمة سنت من الدولة ووجدت القبول والتجاوب المجتمعي، ومنها على سبيل المثال، فتج المجال لدور السينما، وحضور النساء لملاعب كرة القدم وفي عدد من الفعاليات المشابهة ومختلف الحفلات والمسرحيات، وأيضا قيادتها للسيارة، وكل ذلك كان له إسهام مباشر وغير مباشر في رفع وتيرة النشاط الاقتصادي المتعلق بالترفيه والسياحة، ومختلف الخدمات المساندة لهما.
وأضاف، قطاع الترفيه هو ثالث أعلى بند في الإنفاق الاستهلاكي بالمملكة، وهناك إنفاق يقدر بأكثر من 22 مليار دولار تخرج من المملكة سنويا للصرف بمجالي السياحة والترفيه، وهذه أرقام معلنة، وسمو ولي العهد وقائد الرؤية، -حفظه الله-، ذكرها في حوار تلفزيوني قبل أكثر من عامين، وقد أكد في حينها أن التفاعل مع السياحة والترفيه داخليا هو قرار للمواطن بالدرجة الأولى، ونجاح ذلك وفشلة مرتبط بتوجهات وخيارات المواطن والمواطنة، ومن دون أن يفرض عليهم من أي مؤسسة حكومية أو غير حكومية، وأصبحنا نرى في الوقت الراهن جزءا يسيرا من نتاج خطط طموحة لهذين القطاعين، وعلى مدار السنوات العشر المقبلة سنرى تصاعدا في الأرقام التي تخدم دورة الاقتصاد المحلي وتوفر فرص العمل الجديدة لأبناء وبنات الوطن، وأيضاً سيتحقق جزء من تنويع الدخل للدولة بعيداً عن الاعتماد على النفط كمورد أساسي، فقطاع الترفيه داعم فعلي للاقتصاد الوطني وموفر لفرص العمل الجديدة، وهو مع السياحة بمثابة نفط جديد يرفع الناتج المحلي.
وبين باعشن، أن الفعاليات التي نظمت في مختلف مناطق المملكة من نهاية العام الماضي وهذا العام من قبل هيئتي السياحة والترفيه ودعم من وزارة الثقافة أيضا، كان لها مردود اقتصادي بارز، فمثلاً تأشيرة الفعاليات الترفيهية والسياحية لسياح الخارج، مثل فعاليات رالي الدرعية وشتاء طنطورة بالعلا، دعمت بشكل جلي الاقتصاد المحلي، وكذلك مبادرة مواسم السعودية 2019، التي انطلقت من الشرقية مطلع العام الحالي، وموسم صيف جدة الحالي استقطب حسب معلومات المختصين بالقطاع قرابة 150 ألف زائر من خارج المملكة في أسابيع قليلة، وموسم العيد قد استقطب أكثر من 5 ملايين زائر على مدار خمسة أيام في 90 مدينة سعودية، وكل ذلك مساهم في السير نحو تحقيق رؤية المملكة تستهدف 50 مليون سائح من الخارج والداخل بحلول العام 2030، وبشكل تصاعدي.
واستطرد قائلا، يحسب لهيئة الترفيه تدشين برنامج للابتعاث الخارجي لدرجتي البكالوريوس والماجستير في تخصصات الترفيهية بالشراكة مع القدية فمشروع القدية فقط يستهدف 25 ألف فرصة عمل بحلول 2030 وتشتمل الدفعة الأولى من البرنامج على الابتعاث لدرجة البكالوريوس وتدريب الطلاب المبتعثين خلال فترة دراستهم في مدينة “6 فلاجز الترفيهية”، إضافة إلى توظيفهم في القدية حين عودتهم إلى المملكة، مساهماً في تحقيق أهداف القدية المتمثلة في تزويد الشباب السعودي بالحصة الأكبر من الفرص الوظيفية المتوقع توليدها والتي تصل إلى 25,000 ألف وظيفة بحلول 2030، والمشروعات السياحية الكبرى بالمملكة وأبرزها “نيوم والبحر الأحمر وأمالا” ستدعم بلا شك قطاع الترفيه برؤية عصرية وستوفر عشرات الآلاف من فرص العمل الجديدة للمواطن والموطنة.