طالب مجلس الشورى وزارة الشؤون البلدية والقروية باتخاذ إجراءات أكثر صرامة تجاه أجهزة البلدية في المناطق والمحافظات للمحافظة على التراث العمراني في المملكة العربية السعودية والتشجيع على إبرازه بما يعيد له اعتباره بوصفه جزء من الهوية الوطنية، وذلك من خلال إنشاء جهاز متخصص في الوزارة يكون مرجعاً لاتخاذ القرارات المتعلقة بالتراث التي تضمن المحافظة على ما تبقى من معالم عمرانية، أو تبني شخصية هذا التراث في المشروعات الجديدة، وتشجيع أفراد المجتمع على ذلك.
ونصت التوصية التي قدمها عضو المجلس محمد بن عبدالعزيز الحيزان، وحظيت بتأييد غالبية الأعضاء على مطالبة الوزارة بوضع خطة حازمة للحفاظ على هوية التراث العمراني ورد اعتباره في سائر مدن ومحافظات المملكة، على أن يكون ذلك تحت إشراف إدارة متخصصة لضمان تجنب الاجتهادات العشوائية، وتحقق انعكاسه بشكل مقنن ومدروس على المباني والمرافق المختلفة.
وسوغ الحيزان التوصية بأهمية التصدي لعمليات الهدم الجائرة التي تعرض تراثنا العمراني في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي في جميع مناطق المملكة دون استثناء والتي قضت على معظم معالمه، وذلك بسبب غياب الوعي الكافي بقيمته وأهميته، لافتاً إلى أن السواد الأعظم من عمليات تصفية هذا الكنوز التاريخية والثقافية التي لا تقدر بثمن، كان يتم بأيدي أجهزة البلديات التي كانت تعد ذلك جزءًا مهماً من جهودها التطويرية، مشيراً إلى إدراك الدولة حفظها الله خطورة مثل هذه التصرفات، وصدور توجيه صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز -رحمه الله- إلى أصحاب السمو الملكي أمراء المناطق بالتأكيد على الجهات ذات العلاقة بعدم إزالة أي مبنى تاريخي أو تراثي إلا بعد التنسيق مع الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني.
وحذر عضو الشورى من الاجتهادات الفردية لبعض رؤساء البلديات، والتفسيرات الخاطئة، ومن ذلك عدم استيعاب المفهوم الحقيقي للتراث الذي أدى إلى عدم الالتزام التام بالتوجيهات، واستمرار الكثير من أجهزة البلدية في أسلوبها القديم، على الرغم من جهود هيئة السياحة المكثفة في محاولة رفع مستوى الوعي لدى رؤساء البلديات، إذ نظمت لهم العديد من الزيارات للدول الأوروبية والعربية التي تمتلك مخزوناً ثرياً من المباني التراثية، للتعرف على كيفيه استثمارها بصورة جعلتها إحدى أهم مقوماتها السياحية، وأكد الحيزان على صحة ما يقول بصدور أمر سامي كريم – في بداية هذا العام- للجهات الحكومية بعدم إزالة أو تعديل المواقع أو المعالم التاريخية أو الأثرية حيثما كانت، أو المساس بها، وبما أن مثل هذه الأخطاء قد تتكرر في وقت لا ينفع فيه الندم، وبما أن أحد أسباب هذه المشكلة يعود إلى بيروقراطية التواصل بين الجهات، وتنازع الصلاحيات، كان لابد من اقتراح مبادرة الوزارة بإنشاء جهاز متخصص في المحافظة على التراث والمواقع التاريخية، داخلها لتكون حكماً حازماً في هذا الأمر.
وبين د. الحيزان بأن الأمل المعقود من هذا الجهاز لا ينحصر فقط في الحفاظ على التراث على الرغم من أنه سبب كافي لوحده، بل إنه سيكون مرجعاً يعتد به حتى في تنفيذ مشروعات عمرانية تستوحي تصاميمها من تراثنا العمراني بالشكل الصحيح، وقال بأن كثيراً من أشكال المحاكاة التي تتم الآن ليست في مستوى الأصل، ويدرك من يعرف الفرق بين الاثنين أننا حيال تشويه من نوع آخر بتراث مصطنع، وهجين يسيء لموروث الآباء والأجداد، مؤكداً الحاجة الماسة لتوصية قوية ترقى إلى المستوى الذي تستحقه المعالم التاريخية والتراثية، وتبقي على الهوية الجميلة لمناطقنا ومدننا، التي تميز بعضها عن بعض بإرث عظيم كان مصدر فخر واعتزاز لأهاليها.