سجل عرض النقود في شهر يونيو الماضي رقماً قياسياً عند 1,882 مليار ريال في قراءة مؤشر عرض النقود (ن3) والذي يشمل جميع مكونات عرض النقود وربما يكون السبب في تحقيق هذه الأرقام هو دخول استثمارات أجنبية في السوق المالية السعودية مقابل مبيعات للمستثمر السعودي التي تحولت بدورها إلى سيولة في النظام المصرفي وهذا الارتفاع في المعروض النقدي مرشح للزيادة خلال الأشهر القادمة مع تطبيق مراحل الإدراج في مؤشر مورجان ستانلي ومؤشر فوتسي راسل، والزيادة في المعروض النقدي ساهمت بدورها في انخفاض سعر الفائدة بين البنوك (سايبور).
وإذ استمر المعروض النقدي في الزيادة فإن مؤسسة النقد السعودي قد تتخذ إجراءات لخفض المعروض النقدي للمحافظة على أسعار السايبور في مستويات أقل من أسعار اللايبور والتي قد يتسبب تساويهما أو انخفاض السايبور أقل من اللايبور إلى تحول السيولة إلى الاستثمار في الدولار والتي قد تؤثر على أسعار الصرف للريال السعودي، ومن الصعب التنبؤ بالتأثيرات طويلة المدى الناتجة عن زيادة المعروض النقدي، لكن التاريخ أعطانا مؤشرات إلى وجود انعكاس إيجابي وقوي على أداء الأصول الاستثمارية مثل العقارات والأسهم وغيرها إذا تم توظيف هذه الأموال بشكل جيد واحترافي، أما التأثير لها على المدى الطويل هو ارتفاع أسعار الأصول التي يتوجه إليها المستهلكون في الغالب، لكن سوء التوظيف وعدم خلق فرص استثمارية قد تؤدي إلى هدر الاستثمارات ونشوء عمليات مضاربة واسعة تنتهي في كثير من الأحيان بفقاعات لا تلبث طويلاً ثم تنفجر يعقبها ركود اقتصادي، وأعتقد أن المستثمر السعودي أصبح أكثر وعياً من ذي قبل ولذا من المتوقع مع زيادة المعروض النقدي وانخفاض السايبور وقرار الفيدرالي المتوقع بعمل خفض لأسعار الفائدة هذا العام أن يكون هنالك عودة تحرك النشاط الاقتصادي مجدداً حيث تنخفض كلفة التمويل على الشركات وبالتالي سوف تعود حركة الاقتراض من أجل التوسع في النشاط التجاري أو الصناعي، كما أن الودائع لأجل سوف تبحث عن فرص استثمارية تحقق لها عوائد أكثر من العوائد التي كانت تحصل عليها من الفائدة المرتفعة، وهذه سوف تفتح شهية المخاطرة لدى المستثمرين وقد يشهد السوق العقاري نمواً هذا العام أو بداية العام القادم بعد سلسلة من التراجعات التي ساهمت في عزوف المستثمرين عن العقار، ولكن مع تغير جذري في استراتيجيات الاستثمار العقاري بالتحول من الاستثمار في العقارات التجارية أو المكتبية لأن هنالك تضخماً في أعدادها ونزول حاد في أسعارها ولا أعتقد أنها سوف تتعافى على الأقل خلال الخمس سنوات المقبلة، ولذا سوف يكون التركيز خلال المرحلة المقبلة على الاستثمار العقاري في الفنادق أو المنتجعات السياحية كذلك الاستثمار في الوحدات السكنية المتوافقة مع احتياجات الأسر السعودية التي أصبحت تفكر جدياً في تملك المسكن مع نجاح وزارة الإسكان خلال العام الماضي ومنتصف هذا العام في ضخ مبالغ مالية كبيرة سواء من تمويلها الذاتي أو من خلال البنوك المتعاقدة معها، وهذا بدوره سوف يساهم في تشجيع المستثمرين على استثمارات عقارية تتوافق مع شروط وضوابط وزارة الإسكان وقد ترتفع على أثره أسعار الأراضي السكنية التي تقع في النطاق العمراني وتطوير الأراضي البيضاء وتحويلها إلى مخططات سكنية، أيضاً هنالك مشروعات حكومية عملاقة سواء في مدينة نيوم أو مشروع البحر الأحمر أو القدية وغيرها وهذه المشروعات من شأنها تحريك النشاط الاقتصادي وخلق مزيد من الوظائف سواء المباشرة وغير المباشرة وزيادة الوظائف تعني أن هنالك مزيداً من الإنفاق يصب في مفاصل النشاط الاقتصادي الذي تأثر خلال السنوات الماضية مع عملية إعادة هيكلة الاقتصاد ومحاربة الفساد وتقنين الصرف وتحقيق خطط كفاءة الإنفاق التي وفرت مبالغ مالية وصلت إلى حوالي 95 مليار ريال وهذا الرقم أثر بلا شك على النشاط الاقتصادي ولكنه ساهم في تقليص عجز ميزانية الدولة وكذلك ساهم في تمويل مشروعات أخرى تنموية وذات أولوية، سوف يعود أثرها على تحقيق برامج رؤية 2030 والمؤكد أن مرحلة التباطؤ الاقتصادي قد تلاشت وبدأت مرحلة جديدة قد تكون أكبر نمواً لكنها سوف تكون مقننة ذات أهداف محددة لن تسفيد منها إلا الشركات ذات النشاط المنظم الذي يعتمد على قراءة جيدة للمستقبل الاقتصادي للمملكة والقدرة على التنافسية العالية والتأقلم مع المتغيرات، أما الشركات التقليدية التي كانت تعتمد على العلاقات والمحسوبيات فإن مصيرها إلى الأفول.