تواصل أسواق النفط مقاومة الضغوط التي زادت وتيرة حدّتها مطلع أغسطس الجاري دافعةً بأسعار خام الإشارة برنت لما دون الـ60 دولاراً جرّاء المخاوف الاقتصادية وإشارات الركود الاقتصادي التي بدأت في الأرجنتين وألمانيا ودول أخرى، إلا أن أسعار النفط لا زالت في غالب مستوياتها منذ مطلع العام الجاري 2019م تحمل دافعاً تصاعدياً بالرغم من حجم الضغوط التي تعرضت لها ولا زالت، العوامل المؤثرة في أسواق النفط لم تختلف كثيراً أو تتغيّر منذ بداية العام الجاري، وإنما مستويات تأثيرها في الأسواق هي التي تغيرت، فلكل ربع (الأول والثاني والثالث) سمات تختلف عن البقية، ففي الربع الأول من العام كان لسريان اتفاق الخفض النفطي OPEC+ التأثير الأكثر وضوحاً والأقوى في مؤشرات الأسواق، ما دفع أسعار النفط للتعافي والتصاعد دون ضغوط، وفي مفارقةٍ من ذلك كان الربع الثاني من العام موضعاً لاتزّان تأثير العوامل في الأسواق ظلّ معها خام الإشارة برنت يدور في نطاق سعري 63 – 71 دولاراً في الفترة 26 أبريل – 1 أغسطس الجاري بتذبذب سعري بلغ مقداره 8 دولارات، فعلى الرغم من حالات التصعيد الجيوسياسية في الربع الثاني إلا أن أسعار النفط لم تتفاعل إطلاقاً مع الأحداث التي شملت التهديد بإغلاق مضيق هرمز والهجوم على أنابيب شرق – غرب التابعة لأرامكو السعودية وانطلاق الحظر النفطي على فنزويلا وتلوث النفط الروسي وتخريب السفن التجارية قبالة المياه الإماراتية بالخليج العربي، ما رفع حالة الترقّب وعدم اليقين بأوساط الصناعة النفطية، فيما تستكمل أسواق النفط الربع الثالث الجاري وسط ضغوط المخاوف من أداء الاقتصاد العالمي جرّاء الحرب التجارية، ما يعزز حالة عدم اليقين بأوساط الصناعة النفطية التي تلقي غالبية ثقتها على أداء دول OPEC+ واستمرار اتفاقهم بخفض الإنتاج الذي لا زال إلى الآن يقدم المزيد من الدعم للأسعار.
بالتركيز على مسار الأسعار النفطية خلال العام الجاري 2019م يتضّح مقدار تعرضها لعوامل الضغط والدعم الذي تلقته منذ بداية العام، ففي الربع الأول من العام كان متوسط سعر خام الإشارة برنت 63 دولاراً بتذبذب إيجابي بلغ 14 دولاراً بين أبعد نقطتين في الربع وهي الأدنى 54 دولاراً في الأول من يناير الماضي والأعلى 68 دولاراً في 20 مارس، وتميّز ذاك الربع بعدم وجود ضغوط انعكست فعلياً على أسعار النفط، ما ساعدها على تحقيق المكاسب والخروج من العام 2018م لتحقيق التعافي، أما الربع الثاني الماضي فقد كان مغايراً عن سابقه والأكثر اضطراباً على الرغم من وصول خام برنت فيه لأعلى مستوى له طيلة العام الجاري عند 74 – 75 دولاراً في 22 – 25 أبريل، وكان متوسط سعر خام برنت عند 68 دولاراً بتذبذب سعري بلغ مقداره 14 دولاراً بين أبعد نقطتين الأدنى منها عند 60 دولاراً في 5 – 12 يونيو والأعلى عند 74 دولاراً في 22 – 25 أبريل الماضي.
المعطيات الحالية لأسواق النفط تشير إلى استمرار تأثير عوامل الضغط على الأسواق فيما تبقى من العام، وهو ما أفصحت عنه OPEC في تقريرها الأخير، وينبئ ذلك في ظل الظروف الحالية عن وجود احتمال عن تحرك قادم لمنظمة OPEC برفقة المنتجين من خارجها خلال اجتماع سبتمبر المقبل، ولكن ما هي خيارات الدعم التي ستكون مطروحة على طاولة OPEC+ بشأن الأسواق؟ يظل الخيار الأقرب هو الإقدام على قرار تعميق خفض الإنتاج عن مستوياته الحالية البالغة 1.2 مليون برميل يومياً، لا سيمّا أن للمنظمة تجارب سابقة مع مستويات خفض أعلى من المستويات المعمول بها حالياً، فقد قامت بتقييد الإنتاج النفطي مطلع العام 2017م بمقدار 1.8 مليون برميل يومياً، بيدَ أنّ القرارات المقبلة لا يمكن الجزم بها ولكن القرار الأقرب للتوقعات الحالية هو اتخاذُ قرارٍ يقضي بتعميق مستويات خفض الإنتاج لما تبقى من العام الجاري 2019م وربما أبعد من ذلك، لذلك فإن استمرار تعاضد تأثير عدد من عوامل الضغط على أسواق النفط ومن أهمها عامل الطلب على النفط ومستويات الإنتاج النفطي الأمريكي الذي سجل في الربع الثاني من العام الجاري رقماً قياسياً عند 12.3 مليون برميل يومياً سيطغى على تأثير عامل الدعم الأهم وهو اتفاق الخفض النفطي بين دول OPEC+، الأمر الذي يقود لاختلال السوق عموماً وزيادة مستوى الفوائض النفطية وبالتالي إطالة الأمد في الوصول إلى منطقة الاتزّان؛ ما جعل الأسواق النفطية حالياً تبدأ بالتوجّه نحو منظمة OPEC على أمل التدخّل والحدّ من تأثير عوامل الضغط في الأسواق، وهو ما يعبّر عنه وزراء الطاقة في دول OPEC+ بشكل مستمر باستمرار دعمهم لاستقرار الأسواق النفطية، وإن كان هنالك من تحرك لدعم الأسواق فسيتضّح تأثيره نهاية الربع الحالي والربع الأخير من العام الجاري 2019م وصعود أسعار النفط لمستويات أعلى من 60 دولاراً لخام الإشارة برنت.